الأحداث التى مرت وما تزال تمر بها أمتنا في الأشهر والسنوات القليلة الماضية جسيمة وخطيرة. أثرها عميق، يجعلنا نقف لنتدبر في أمرنا و نتساءل: هل مرت أمتنا من قبل بما نمر به نحن اليوم؟ كيف تصرفت الصادقات من النساء مع تلك المحن والابتلاءات؟ هل وقفن يبكين واعتزلن ميدان الدعوة والجهاد؟ أم علمن أن ذلك الابتلاء سنة الله في أرضه، وأنه لَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (القصص، من الآية 80)؟
تتوالى على الأمة الإسلامية نكبات وضربات في جميع الأقطار العربية الإسلامية، تتعدد أوجهها وتتنوع أساليبها، وبالرجوع إلى التاريخ، نجد أن المسلمين عبر العصور عاشوا المحن تلو الأخرى، انكوى بنارها المسلمون رجالا ونساء.
نقف في المقال الذي بين أيدينا مع نموذج فريد من الصالحات الصادقات، واحدة ممن أنعم الله عليهن، في مواجهتها للمحن بعد أن عاشت العصر الذهبي في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعده الخلفاء الراشدون، ثم انتقاض عروة الحكم. نستكشف معان وعبرا، ونخلص لدرس ليس ككل الدروس، فمدرستها من أروع المدارس، ومعلمها هو خير البشرية، إنها السيدة زينب بنت سيدنا علي كرم الله وجهه.
فمن تكون هذه السيدة؟
هي زينب بنت علي كرم الله وجهه، واحدة من القائمات من آل البيت الأطهار، الذين قال فيهم الله عز وجل: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (الأحزاب، من الآية 33). هي الطاهرة بنت الطاهرة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطهر الخلق، بنت الطاهر علي كرم الله وجهه.
ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبها من حب المصطفى وبغضها من بغضه صلى الله عليه وسلم، هي القائلة لا لنقض عروة الإسلام والشورى موجودة.
شجاعة السيدة زينب
كانت السيدة زينب في شجاعة الأبطال، ذات حكمة ورأي صائب، وقول بليغ، لم يكن يخيفها في الله لومة لائم، شعارها لا نخاف إلا الله.
سجل التاريخ حوارا في غاية القوة دار بينها وبين أمير الكوفة عبيد الله بن زياد، عامل يزيد، بعد قطع رأس سيدنا الحسين.
لما دخلت على أمير الكوفة ومن معها من آل البيت. قال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم!
فقالت زينب في عزة: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيراً، لا كما تقول أنت، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر.
فقال ابن زياد: فكيف رأيت صنع الله بأهل البيت؟
فقالت بلهجة واثقة: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فيحاجوك إلى الله عز وجل.
فغضب ابن زياد من كلامها واشتد غضبه وسخطه واستشاط، حتى قال له عمر بن حريث: أصلح الله الأمير، إنما هي امرأة، وهل تؤخذ المرأة بشيء من منطقها، إنها لا تؤاخذ بما تقول ولا تلام على خطأ.
فردت عليه زينب قائلة: لعمري لقد قتلت كهلي وأبرزت أهلي وقطعت فرعي واجتثت أصلي فإن يشفك هذا فقد اشتفيت.
فقال ابن زياد: هذه شجاعة، لقد كان أبوك شجاعا.
فقالت زينب ساخرة: وما للمرأة والشجاعة. (البداية و النهاية لابن كثير)
أية عزة وأية منعة وأي ثبات وأي مضاء وأي فداء وأية شجاعة؟
بكلمة جامعة؛ أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها الإيمان بالحق على ذويه المخلصين؟
يعجب المرء ويدهش لهذا الحوار، ونتساءل: ما سر هذه الشجاعة في الحق أمام الطغاة؟ وكيف نتلقى نحن ونتعلم هذه الشجاعة؟
إنه الإيمان الصادق بالله عز وجل، هو الثبات على الحق ولو قلّ متبعوه، هو الصدح بالصدق في أحلك ظروف الظلم تأدية للواجب في التغيير والتهمم بأمور الأمة.
سيدتنا زينب بنت علي كرم الله وجهه كانت مؤمنة حق الإيمان، مقبلة على الله، محبة مطيعة له، خوفها من الله أمدها بالقوة فأصبحت لا تخاف في الله لومة لائم. صحبتها لأبيها وهو الشجاع في الحق ربى فيها الصدع بالحق والثبات عليه.
حياتها خلدت لأنها صدقت وعد الله وموعوده، تقوى إيمانها فبرز فعلها القوي في أمتها. وذكرها اليوم ليس دعوة لاتباع نهجها فقط، ولكن لنعلم أيضا أن المرأة في الزمان السابق لم تكن غائبة خانعة بل حاضرة قوية مشاركة.
رضي الله عن سيدتنا زينب وعن أمها فاطمة الزهراء وعن أبيها علي، وصلى الله وسلم على جدها سيدنا محمد، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.