من فضل الله وكرمه علينا أن كثر لنا مواسم الطاعات ونوَّعها، وحثنا رسولنا الكريم على حسن استثمارها لأن فيها الفوز والفلاح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أبدًا” رواه الطبراني.
وعلى المسلمة الحريصة على دينها ورضى ربها أن تتعرف على هذه النفحات الربانية وتكثر من العمل الصالح فيها وتبتعد عن المعاصي والذنوب. فإن فرطت في أحداها لمرض أو غفلة فلتسرع في استثمار التي تليها.
ونحن اليوم في الأشهر الحرم التي ذكرها الله سبحانه في سورة التوبة فقال عز من قائل: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36).
وقال فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم: “إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان” أخرجه البخاري.
والمرأة المسلمة الراجية القرب من ربها عليها أن تلتزم خلال هذه الأشهر المباركات بواجبات وخصال عسى تصيبها نفحة من نفحات ربها فلا تشقى بعدها أبدا.
1- واجباتها تجاه نفسها
خصال الخير كثيرة ومتعددة وسأكتفي هنا بذكر ثلاث خصال إن التزمت المسلمة بأدائها بإخلاص فهي وسيلة وسبب لغيرها من أعمال الخير، وإن فرطت فيها لا شك تفتح على نفسها أبواب التفريط والبعد عن الله.
أ- المحافظة على أداء الفرائض
إن من أهم ما يتقرب به العبد إلى ربه أداء ما افترضه سبحانه عليه. وقد قال تعالى في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري: “.. وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه..”، وعلى رأسها الصلاة، لأنها:
– أحب الأعمال إلى الله. فـعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: “الصلاة على وقتها”، قلت: ثم أي؟ قال: “ثم بر الوالدين”، قلت: ثم أي؟ قال: “ثم الجهاد في سبيل الله”، قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني” متفق عليه.
– كانت آخرَ ما أوصى به النبي صلى الله عليه أمته. قال علي بن أبي طالب: “كان آخر كلامِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: الصلاةَ الصلاةَ..”.
– أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة. “أول ما يحاسب عنه العبد من عمله صلاته؛ فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر”، وفي رواية “فإن قبلت صلاته قبل منه سائر عمله، وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله”.
– كفارة للذنوب والخطايا. عن عثمانَ بنِ عفان قالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقولُ: “ما مِن امرئ مُسْلِمٍ تحضُرُهُ صلاةٌ مَكتُوبةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشوعَهَا، وَرُكُوعَها، إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرةٌ، وَذلكَ الدَّهْرَ كلَّهُ” رواه مسلم.
– العون والمدد في النَّوازل والمصائب. قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [البقرة: 153].
– راحة للقلب وشرح للصدر. قال صلى الله عليه وسلم: «يا بلال أرحنا بالصلاة». وقال صلى الله عليه وسلم: «جُعلت قرة عيني في الصلاة».
– دليل فلاح المومنين. قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ.. [المؤمنون: 1].
– وجاء في الموطأ أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. قولة أكدت على المحافظة على الصلاة.
ب- الابتعاد عن المعاصي وحفظ الجوارح
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ لا تظلموا فيهنّ أنفسكم بارتكاب الذنوب لأن الله سبحانه إذا عظّم شيئاً من جهة واحدة صارت له حُرمة واحدة، وإذا عظّمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعدّدة؛ فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيّء كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح…
ونؤكد هنا على عمل هو مفتاح لكل خير مغلاق لكثير من المعاصي والشرور ألا وهو حفظ اللسان، وقد أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بهذا في حديث معاذ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: (لقد سألت عن عظيمٍ، وإنه ليسيرٌ على من يسره الله تعالى عليه: تعبدُ الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)، ثم قال: ((ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّةٌ، والصدقـة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة: 16]. ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟)) قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد) ثم قال: ((ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله؟)) فقلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: ((كف عليك هذا))، قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم – أو قال: على مناخرهم – إلا حصائدُ ألسنتهم)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وكان ابن مسعود يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان. وقال الحسن: اللسان أمير البدن، فإذا جنى على الأعضاء شيئا جنت، وإذا عف عفت.. فاجعلوا ألسنتكم لذكر الله وقراءة القرآن والكلام الطيب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ج- الكينونة الدائمة مع المومنين
لقد أوصى الله رسوله الكريم وهو المؤيد بالوحي بصحبة الأخيار فقال تعالى: وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28].
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء: ”اللهم ارزقني محبتك ومحبة من تنفعني محبته عندك“. قال الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله ”أوصى حبيب الله أحدَنا وَإِحدانا بالبحث والنظر عن خُلة في الله، وبيئة تربوية مُنهِضة إلى الله.. لأنها شرط من شرائط السير إلى الله، والقرب من الله” (تنوير المومنات 2/38).
ولأننا إن لم نكن في رفقة الأخيار فنحن في رفقة من يبعد عن الله وينسينا اليوم الآخر فنكون أقرب للمنافقين من المومنين قال الحبيب المرشد: “فإن الغفلة عن الله والدار الآخرة بالانشغال بالتلفزيون والمسلسلات وهوَس الدنيا، والاسترسال في ذلك لهو النفاق بعينه” (تنوير المومنات 1/229).
في هذا الواجب الأول للمومنة اتجاه نفسها ركزنا على ثلاثة أمور؛ رغم بساطتها فهي التي تبني صرح إيمان المومنة وتسلك بها إلى ربها من أوسع وأوضح السبل، فمهما كانت مشاغل المومنة وضيق الوقت المتبقي لها من يومها فهي إن استمسكت بهذه الأمور الجوهرية لا بد أن تفوز دنيا وأخرى: محافظة على الصلاة لوقتها، وإمساك لسانها عن كل ما حرم الله، وملازمتها للمومنين الذاكرين الله المذكرين بالله واليوم الآخر هي طوق نجاتها دنيا وآخرة.
2- واجباتها اتجاه محيطها
محيط المرأة هو أسرتها الصغيرة من الوالدين والإخوة وذوي القربى، ويتسع هذا المحيط بتقدمها في السن ليشمل الزوج وقرابته ثم الأبناء ثم الأصهار والأحفاد.. والمرأة المومنة أينما وجدت فعليها واجبات اتجاه من تخالطهم ترضي ربها بالالتزام بها. وسنلقي الضوء على ثلاثة مستويات:
أ- اتجاه زوجها
قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21].
فمن أوجب واجبات المرأة اتجاه زوجها تحقيق السكن ومساعدته على أعمال البر. ولها في السيدة خديجة رضي الله عنها وفي الصحابيات اللاتي ربين على عين رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة.
“أمنا خديجة رضي الله عنها حاطت محمدا بعنايتها، وتزوجت، وأنفقت. وهي زوّدته لغار حراء يتبتل. وهي أول من آمن به وصدقه وثبته لما جاءها يرجُف من رؤية الملك الذي جاءه بالوحي. قالت له وقد بث إليها أنه خشي على نفسه: «كلا! أبشر! فوالله لا يخزيك الله أبدا! إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمِل الكَلَّ، وتكسِبُ المعدوم، وتَقْرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق». الحديث رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها” (تنوير المومنات، 1/69).
جاءتها البشارة العظمى وهي تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطعمه، وفي هذا إشارة من الله سبحانه وتعالى لجميع النساء بفضل خدمة الزوج والسهر على راحته. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتْ ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني. وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب».
كما كانت زوجة أبي الهيثم مالك بن التّيهان الأنصاري الناصح الأمين. أراد رسول الله أن يكافئ ابن التيهان على صنيعه معه فقال له: هل لك خادمٌ؟ قال: لا، قال: فإذا أتانا سبيٌ فأتنا، فأتى برأسيْنِ ليس معهما ثالثٌ، فأتاه أبو الهيثمُ، قال النبيُّ اختَرْ منهما، قال: يا رسولَ اللهِ! اختر لي، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إنَّ المستشارَ مؤتمنٌ، خذ هذا فإنِّي رأيتُهُ يصلِّي واستوصِ بِهِ معروفًا». فانطلقَ أبو الْهيثمِ إلى امرأتِهِ فأخبرَها بقولِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالتِ امرأتُهُ: ما أنتَ ببالغٍ ما قالَ فيهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ أن تعتقَهُ، قالَ: هوَ عتيقٌ. فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ لم يبعث نبيًّا ولاَ خليفةً إلاَّ ولَهُ بطانتانِ؛ بطانةٌ تأمرُهُ بالمعروفِ وتنْهاهُ عنِ المنْكرِ، وبطانةٌ لاَ تألوهُ خبالاً، ومن يوقَ بطانةَ السُّوءِ فقد وقيَ» (في صحيح الترمذي) فكانت زوجته نعم البطانة.
ومما يعين على هذه الرحمة ويمتن حبل المودة بين الزوجين صلاة الليل معا، عَنْ أَبي هُريرة، قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: “رحِمَ اللَّه رَجُلا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فصلىَّ وأيْقَظَ امرأَتهُ، فإنْ أَبَتْ نَضحَ في وجْهِهَا الماءَ. رَحِمَ اللَّهُ امَرَأَةً قَامت مِن اللَّيْلِ فَصلَّتْ، وأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فإِن أَبي نَضَحَتْ فِي وجْهِهِ الماءَ” رواهُ أَبُو داود بإِسنادِ صحيحٍ.
وَعنْ أَبي سَعيدٍ رَضِي اللَّه عنهمَا، قَالا: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: “إِذَا أَيقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْل فَصَلَّيا أَوْ صَلَّى ركْعَتَينِ جَمِيعًا، كُتِبَا في الذَّاكرِينَ وَالذَّكِراتِ” رواه أَبُو داود بإِسناد صحيحٍ.
ب- اتجاه أبنائها
قال تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. قال السعدي في تفسيره: أي: “يا من مَنَّ الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه. فـقُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالًا، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته…”.
يقول المرشد عبد السلام ياسين في هذا الصدد: “وإلى المؤمنات وَكَلَ رب الخلق سبحانه تربية الأجيال. فأحسنت محسنة إلى نفسها، وبنَتْ آخرتها، وخطت خطواتِ قرب من ربها بإحسان ما وُكِل إليها” (تنوير المومنات، 58/2).
وهذه المناسبة (الأشهر الحرم) من أفضل المناسبات لتقريب الأبناء من دينهم وتحبيبهم في خالقهم سبحانه وتعريفهم بالأنبياء وبسنة نبيهم.
– ففي شهر رجب: الإسراء والمعراج، واسترداد بيت المقدس..
– وفي شهر ذي القعدة: صلح الحديبية، وعمرة القضاء.
– وفي ذي الحجة: فضل الأيام العشر وعرفة والعيد وسنة الذبح، وقصة سيدنا إبراهيم وولده بما تحمله من معاني الإيمان والطاعة والتسليم.
– وفي المحرم: عاشوراء وفضلها.
فعلى المومنة أن تعيش هذه المناسبات كما يحب الله ورسوله، وتستثمر هذه الفرص لتحبب لأبنائها دين ربهم، وتعرفهم ما فرض عليهم منذ نعومة أظافرهم.
ج- اتجاه الأقارب والجيران
قال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ [البقرة: 177].
آية البر من سورة البقرة دلتنا على أبواب البر، وبينت الأهمية القُصوى لإسداء الخير إلى الناس، وعلوّ مرتبة الإحسان إلى الخلق عند الله.
قال المرشد رحمه الله: “أرأيتِ أختَ الإيمان كيف ذكرت أعمال البر مباشرة بعد الإيمان القلبي بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين، وقبل الصلاة والزكاة؟ من صلت صلاتها وزكت فرضها فهي مؤدية لواجب عيني تحاسب عليه. أما من تبرعت بمالها وحنان قلبها على المحتاج من قريب ومسكين وسائل فقد أسْهمت في القيام بفرض كِفائيٍّ متعلق بذمّة الأمة، فارتفعت بذلك مرتبة عملها إلى أعلى. المصلية المزكية فرضَها ما عدَت أنْ بنَتْ أركان بيت إسلامها. أما المحسنة إلى الخلق المجاهدة بمالها وحنانها فهي تبني في صرح دين الأمة. بذلك كان لها الفضل” (تنوير المومنات، 2/56).
روى الأئمة مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من نَفَّس عن مؤمن كُربة من كُرَب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كُرَب يوم القيامة. ومن يسر على مُعسر يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستَر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”. وهذه الأشهر الحرم مناسبة عظيمة لتحقيق هذا التآزر والتعاون، وفرص البر كثيرة لا تحصى ولا تعد ولكن الذي يحول بيننا وبينها هو الكسل والخمول واللامبالاة. يقول المرشد رحمه الله: ”… ويسبقني أنا الساكت الأخرس، أو البخيل بخطواتي ومواساتي سابق يبلغ ويأخذ باليد فينال جزاء من هدى الله به. وإن الهداية هدايات: كافر يدخل الإسلام مهتديا، ومسلم يخطو نحو الإيمان مقتفيا، ومؤمن يرتقي صحبتك مرتديا حلل القرب من الله عز وجل. ذلك الفوز الكبير. لأن يهدي الله بك رجلا واحدا… سنة مؤكدة” (رسالة لمجالس النصيحة). وفي هذه الأشهر، لهو خير مما في سواها، خير مما طلعت عليه الشمس مضاعف.
وأختم بهذا الحديث الذي روته امرأة عن امرأة، فأحاديث الرفق ترويها النساء، عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: سمعت عائشة تقول: دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقي، قالت: فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويجملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ أو كما قال، قالوا: يا رسول الله نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم، فكلوا وتصدقوا وادخروا”.
فاللهم ارحمنا برحمتك. وارحمنا بالمرحوم فينا. والحمد لله رب العالمين.