المخيم فضاء تربوي منظم ذو قيمة مضافة يسهم بالأساس بدوره في تنشئة الأطفال والشباب ويساعدهم على تفتح شخصيتهم وتدريبهم على عدد من القيم الإيجابية على أسس تربوية بيداغوجية. والسؤال المطروح هو: ماهي المواصفات الملائمة الواجب توفرها بالمخيم حتى يكون ناجحا فعالا وأكثر إفادة وقربا من أهدافه التربوية؟
في ما يلي عرض وتحليل لبعض هذه الشروط:
1- الوصف الأول: أطر أكفاء
والمقصود بالكفاءة هنا أن يكون المربي/المدرب متمكنا من أهم المهارات التربوية التنشيطية والتواصلية التي تؤهله ليلعب الدور الموكل إليه برغبة وحب.
هذه الكفاءة على المستوى النظري تنعكس في حركيته ومساهمته في إنجاح برامج المخيم. وهو معنى الفاعلية.
مرجع ذلك إلى مستوى التدريب الذي يتلقاه المترشح لنيل صفة مدرب المخيمات في مختلف التداريب الوزارية وغيرها. والتي لا شك ينبغي أن تطور حتى تكون أكثر عطاء وإنتاجية. هذه الأطر لا بد أن تكون بالمواصفات التالية:
أ- ملمة بالجانب المعرفي التنشيطي الذي يؤهلها إلي الاضطلاع بمسؤولياتها المختلفة.
ب- متمكنة في الجانب التقني العملي المتمثل في الممارسة الميدانية بالمخيم.
ج- ملتزمة بالمبادئ والسلوكيات التربوية التي تجعلها قدوة لإرشاد الأطفال إلى تمثل القيم النبيلة، تعزيزا للدور التربوي الذي من المفترض أن يلعبه المخيم إلى جانب الأسرة والمدرسة وغيرهما من مؤسسات التنشئة.
2 – الوصف الثاني: إدارة منسجمة تشاركية
إدارة منسجمة مع الذات حتى يكون عمل فريقها عملا موحدا سلسا يصب في مصلحة الأهداف المفترضة في مشروعها البيداغوجي. وهي إدارة بالمواصفات التالية:
أ- متابعة مشاركة، موفرة للأجواء التربوية بالمخيم.
ب- مكتشفة للأخطاء والمشاكل قبل أن تسمعها من الآخر.
ج- معالجة لهذه الأخطاء في أوانها المناسب وبالطريقة الصائبة.
وانسجام إدارة المخيم مع ذاتها لا ينفصل عن انسجامها مع الآخر (مؤطرين، آباء، شركاء… ) في مختلف مراحل الإعداد والتنفيذ والتقويم، وهنا معنى التشاركية في تخطيط البرامج وأجرأتها، وتقييمها، وذلك عبر مد جسور التواصل مع كل الأطراف. فعلى سبيل المثال يمكن إشراك الآباء والمستفيدين أنفسهم في صياغة البرنامج العام قبل اعتماده.. وقد تكون لهم مقترحات ورغبات وانتظارات.
3 – الوصف الثالث: فئة مستهدفة متجانسة
وأقصد بالتجانس تفييئ الأطفال إلى فرق على أساس مفهوم ديناميكية الجماعة (صغار، متوسطون، كبار )، وذلك شرط ضروري لتحقيق مفهوم الجماعة المنسجمة بالنظر إلى العناصر المشتركة بين أعضائها (السن، القدرات، الحاجات والرغبات…). إذ من شأن هذا التفييئ أن يسهم في اندماج أفراد كل جماعة على حدة
وانصهارهم في مختلف الأنشطة على أساس التفاعل والتأثير الإيجابي المتبادل.
4 – الوصف الرابع: تغذية متوازنة
حينما نقول التغذية المتوازنة في مخيمات الطفولة والشباب نعني بها “الاقتصاد الناجح”، فالتغذية المتوازنة تعنى في أبسط تعاريفها “التغذية التي تناسب الفرد من حيث الكمية والنوعية، أي من حيث السعرات الحرارية وباقي العناصر الأساسية الضرورية للنمو ولتزويد الجسم بالطاقة والقدرة على مقاومة الأمراض”. وهي شرط السلامة الصحية في المخيم، باعتبارها ذات علاقة فيزيولوجية وارتباط بالسلوك والنشاط والحيوية.
وللغذاء المتوازن في المخيم مواصفات أهمها:
أ- غذاء يحتوي على الكربوهيدرات، البروتينات، الفيتامينات، العناصر المعدنية، الدهون والماء، كشروط لا غنى عنها حتى تتمكن أجهزة الجسم من أداء وظائفها. كل ذلك لن يتأتى إلا بتنوع مصادر الغذاء.
ب- غذاء كاف من حيث الكمية دون إفراط أو تفريط.
ج- وينبغي أن تكون الوجبات منتظمة في أوقاتها المحددة قدر المستطاع.
ومن شأن هذا النظام الغذائي بالمخيم أن يعوِّد الطفل على عادات غذائية سليمة تعود عليه بالنفع وقد لا يعرفها في وسطه الاجتماعي والأسري.
وبالمجمل فإن الاقتصاد الناجح بالمخيم يقتضي اعتماد برنامج غذائي متوازن يحقق الكفاية كما ونوعا رغم الإكراهات المحتملة التي قد تعترضه.
5 – الوصف الخامس: بنية تحتية مؤهلة
ما لا يختلف حوله المهتمون بأمر المخيمات حين الحديث عن النقائص التي لا زالت تعتري الميدان رغم بعض الإصلاحات، كون كثير من مراكز التخييم مستوى البنيات التحتية فيها (من مراقد، مطابخ مجهزة، مخازن الأطعمة، أرضية صالحة للأنشطة، مرافق صحية…) لا يرقى إلى ما هو مطلوب، بل لا نبالغ إن قلنا أن بعضها لا يتوفر على أدنى شروط السلامة الأساسية.
فعلى سبيل المثال كثير من المطابخ تحتاج إلى تجديد لتواكب حاجيات العصر، إذ بعضها لا زال على شكله التقليدي القديم لا تهوية ولا أرضية صالحة. ومراكز أخرى تعرف نقصا في عدد المرافق الصحية، فقد تجد مثلا مرفقين فقط صالحين للاستعمال في مخيم فرعي حمولته أكثر من 200 شخص من كلا الجنسين بمعدل مرفق وحيد لكل 100 شخص، مما لا يعطي معنى لقيمة النظافة والتربية الصحية، فضلا عن غياب مرافق الاستحمام.
وعلى علاقة بذلك فتفويت بعض فضاءات التخييم كما في المهدية والانبعاث وتاغازوت له أثر غير محمود على مستقبل التخييم.
إن فضاء المخيم بجاذبيته وعناصره المادية المريحة يساعد في خلق المناخ التربوي الضروري بما يوفره من ارتياح وانبساط.
6 – الوصف السادس: الأمن
فمسألة الأمن في المخيمات الصيفية وغيرها، وأخص بالذكر المخيمات القارة الموجودة في الغابات أو في الجبال أصبحت تفرض نفسها بجدية ولا أقصد هنا بالأمن عسكرة مراكز التخييم وإنما البحث عن صيغ لحماية مرتادي المخيمات كبارا و صغارا مما قد يقلق راحتهم لا سيما عندما يسدل الليل غطاءه وينال منهم التعب مناله. ووجود خيام في غابة مفتوحة مترامية الأطراف دون حراسة ودون أسوار ينبغي أن يثار للنقاش على مستوى الجهات المسؤولة.
ومن مقتضيات الأمن بالمخيمات حفظ فطرة الأطفال وحمايتهم من كل أشكال العنف اللفظي والجسمي ومن كل الممارسات غير المقبولة التي تؤثر سلبا عليهم.
كما يمكن أن أتحدث هنا عن الأمن على مستوى آخر وهو مبدأ ضمان الحق في التخييم أولا كحق طبيعي لكل الأطفال المغاربة بدون تمييز، ولا يقبل قانونا ولا منطقا ولا إنسانيا حرمان أطفال هنا أو يافعين هناك من حقهم البسيط في الفسحة والترفيه والسياحة والاستجمام تحت أي مبرر يذكر وخارج ما يكفله القانون ومفهوم المواطنة.
إن الحديث عن العملية التربوية بالمخيم هو حديث عن مكوناتها الكبرى المتمثلة في المؤطرين، البرامج، الفضاء، والمستفيدين، ولا بد من إعطاء كل منها ما يستحق من أهمية حتى تكن المرحلة التخييمية ناجحة.