عن أنس رضي الله عنه قال:
“كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فأرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمع النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الذي كانَ في الصَّحْفَةِ، ويقولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ. ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حتَّى أُتِيَ بصَحْفَةٍ مِن عِندِ الَّتي هو في بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إلى الَّتي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ في بَيْتِ الَّتي كَسَرَتْ” (صحيح البخاري، 5225).
انطلاقا من الحديث الشريف ومن هاته الواقعة في بيت رسول الله ﷺ، كيف تعامل رسول الله ﷺ مع الخطأ؟
نرى أنه ﷺ استعمل خلقا عظيما هو التغافل. فما هو التغافل؟
التغافل هو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يُتغافل عنه تكرما وترفعا عن سفاسف الأمور.
يقول الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه: “تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل”.
ويقول الشاعر:
ليس الغبي بسيد في قومه ** لكن سيد قومه المتغابي
ويقول الحسن البصري: “ما زال التغافل من فعل الكرام”.
فالنبي صلى الله عليه وسلم حين تغافل عن الخطأ تمكن من تهدئة المشاعر الثائرة واحتواء الأزمات الطارئة وعلاجها بالحكمة والحلم والصفح، دون التركيز على الموقف، بل جعل الخطأ فرصة للتعلم وليس للتقريع واللوم، اكتفى ﷺ بقوله: “غارت أمكم”.
كما أن من القيم التي نستنبطها كذلك من هذه الواقعة تفهمه ﷺ لنفسية زوجته والتماسه العذر لها، وهو غيرتها رضي الله عنها، فيُعرض عن لومها وعتابها، بل يتودد بأرق العبارات بقوله: “غارت أمكم”.
ثم انحنى ﷺ بعدها ليجمع الطعام، وهذه كذلك دلالة على خدمة أهله ﷺ، والتعامل معها في البيت، الشيء الذي جعل أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها تسأل: “ما كفارة ذلك يا رسول الله؟” فقال ﷺ: إناء بإناء وطعام بطعام، فيقضي ﷺ في آخر الواقعة بأن تدفع صحفة عن بديلتها المكسورة.
فما أجمل قيمة التغافل والصفح والرفق بالزوج في حالة الخطأ بالتريث لفهم بواعثه، وتفهم نفسية الزوج.
فالتغافل إذن أجمع للقلب وأدوم للمحبة.