نساء غزة.. عنف مركب على مرأى العالم المختل ميزانه

Cover Image for نساء غزة.. عنف مركب على مرأى العالم المختل ميزانه
نشر بتاريخ

لا يمكن أن نعنون ما يجري من أحداث في غزة العزة عنفا ضد النساء أو تعنيفا في حقهن، بل إن أقل وصف يمكن أن يوصف به هذا العدوان هو أن حمم جهنم تصب على تلك الأرض، في عملية إبادة مشينة تبث على المباشر. فإذا افترضنا أن الصواريخ تذيب الحديد والحجر وتجعلهم رميما فكيف حال خيام النازحين عند استقبالها صواريخ آلة القتل الهمجية؟ لم نشهد في حياتنا صواريخ ترسل صوب الخيام لتتفحم جثث الشهداء الأبرياء، بنار الحقد المشتعلة في الأجساد الشريفة الطاهرة، فعلى ماذا سنتحدث أو نحكي؟

هل عن العنف الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية تحت الإبادة؟ أم تحت الحصار؟ أم الأسر وتبعاته التي تحمل الويلات؟ أم عن مشاهدة استشهاد فلذات الأكباد أمام أعينها الذابلة من هول ما رأت؟ أم ندير الوجهة إلى سندها في الحياة محمولا في الأكياس؟ أم نسلط الضوء على عجزها أمام سد جوع أطفالها اليتامى؟ أم إلى برجها الاستراتيجي الذي احتله وقطنه أنجس أهل الأرض؟

امرأة في أطهر بقعة أرض تصرخ وتستغيث أيضا مما هو أبشع من العنف وهو الخذلان، فالمرأة الفلسطينية اكتشفت مؤخرا أنه لا ملجأ آمناً دافئاً تلوذ به عندما تحدق بها الأخطار وصروف الدهر، فما تعانيه لم يوقظ في هذا العالم المختلف ميزانه مشاعر الخجل والعار. هو عنف قتل كل أحلامها وأهدافها البريئة وسط تكالب العالم الظالم، هو عنف تعرضت له تلك المرأة الحرة الصامدة حتى أنه لم يجد شرعيته الجنينية في أي مجال. هو عنف قابله صمت مخز رهيب، وصم جبين الخائنين بالتواطؤ والعار وكشف المستور الغائب عن الأذهان. هو عنف لم يبال بكينونة المرأة الفلسطينية ولا ضعف جسدها العليل ولا صرخات أطفالها اليتامى.

لقد عنفت نفسية المرأة الفلسطينية حتى أصبح لا شيء يريح عينها وقلبها ومخيلتها، لا تهمها الأشواك والعوائق في الطريق، فقط تأكدت أنه لا مصداقية في هذا العالم الموار؛ فالكل يروم الاستبداد والاستعباد والدمار والخراب لها، حفاظا على مكتسبات دنيوية زائلة زينها الشيطان لأصحاب الإيمان الضعيف، والضمير الميت، والفكر المشلول، والآذان المغلقة عن صوت الحق.

اكتشفت المرأة الفلسطينية أنها أقوى ممن كانت ترجو فيهم إنقاذها وانتشالها من حمم الحقد والكره، فها هي “الأنظمة المستبدة قد ثبتت وطأتها وقوَّت عرشها على أعداء الإسلام من اليهود والصليبيين وسلمت البلاد إليهم في طبق من ذهب فتلك الأنظمة ما هي إلا خشب مسندة” فرهاد إبراهيم أكبر الشواني، مركزية القرآن في تفكيك بنية الاستبداد.. وها هي المرأة الفلسطينية بدمائها عرت الأنظمة الاستبدادية وظهر تواطؤها مكشوفا ملعونا، أنظمة الخيانة لا هم لها إلا التربع على العرش أبد الدهر، فإذا زدنا على ما سبق “الدراهم الخسيسة، وشراء الضمائر، واستغلال النفوذ، من لوازم الأنظمة الفاسدة”ياسين عبد السلام، الخلافة والملك، الطبعة الأولى، دار الآفاق ص 81.؛ أصبحنا أمام أنظمة ناخرة باعت قضية الأقصى بأبخس الأثمان. ثم أزالت الغطاء عمن كانوا يُطبِّلون في كل محفل ومأتم كونهم داعمي المرأة وناصريها، فقد أصبح بناؤهم مفضوحا هشاً لن يقوى الصمود في وجه أعاصير الحقيقة التي ظهرت جلية أمام أنظار العالم.

استدارت المرأة الفلسطينية تطلع على نفسها لتجد مشهدا راقيا وعاليا، حيث المقام المتمثل في صور الصحابيات الجليلات وقت الابتلاء والنوائب، وجدت نفسها تشكل قوة بصبرها واحتسابها الأجر لله، والكل فدا فلسطين، وهل رضيت يا الله؟ لك العتبى حتى ترضى يا الله، خذ من دمائنا يا رب حتى ترضى.. ليبقى السؤال في هذا الزمان القاسي: أين نحن من كرامة المرأة الفلسطينية وعزتها وحرمتها؟ أين نحن من جهادها المركزي نيابة عن الأمة في بناء صرح الإسلام في فلسطين، ودورها الريادي في تربية أجيال تحرير الأقصى من يد الطغاة ومقارعتهم؟