لا يجادل عاقل في أن التربية والتعليم مهنة ذات مواصفات وأبعاد خاصة جدا؛ فهي تختلف عن غيرها من المهن الأخرى مهما بدت أهميتها وخطورتها، بل إنها المهنة التي تخرج الموارد البشرية والكفاءات لمختلف المناصب والمهن، فضلا عن كونها الوسيلة لتقدم المجتمعات على جميع المستويات القيمية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، إنها المدخل الأساس للتنمية والرقي وبلوغ الأهداف المنشودة.
ولا شك أن الذي يقوم بهذه المهمة -من النساء والرجال- عليه أن يتوفر على مقومات خاصة، وأهلية نوعية لتحقيق ذلك كله وغيره، فهو حارس الفضيلة، والمربي بالقدوة والأسوة، وهو المعلم بالحكمة والتؤدة والكلمة الطيبة، العفيف الذي لا يبيع رسالته بملذات الدنيا، الثقة الأمين على أبناء الأمة ومستقبلها، يكسبهم المعرفة ويدلهم على أوضح المسالك لتوظيفها في حياتهم، المستبشر البشوش المقبل على رسالته بهمة ومسؤولية، الحريص على تطوير أدائه وتجويده، الفاعل الإيجابي، والسمح الخلوق، لا يَظلم إذا ظُلم، ولا يرد الإساءة بالإساءة، همه وغايته تبليغ الرسالة التي يحملها، وحافزه التقدير والاحترام من المجتمع ومؤسساته، فما يزال كذلك ما دام الجميع يكرمه ويرفع من شأنه.
وعلى العكس من المأمول والمعقول تكاد أغلب التصريحات والأخبار في مغربنا الحبيب أن تجمع على إهانة الأستاذ والأستاذة، تبحث عن تصرف شاذ في أقاسي الجبال، وآخر في الفيافي والقفار، تحاول جاهدة إلصاق التهمة حتى قبل التحقيق والتحري، تسارع إلى نشرها لتستقطب القراء/الزوار، لا تهمها الأسباب بقدر ما تشغلها النتائج والوقائع، تنسى أو تتناسى عمدا -مع سبق الإصرار والترصد- أن الأستاذ/المعلم ضحية منظومة هشة، وسياسات عرجاء، وأوضاع مزرية بل ومهينة، تُخرج بين الفينة والأخرى الضحية/الأستاذ عن جادة الصواب فيخالف ويزيغ عن الأصل الذي يجب أن يكون عليه.
ويزيد الطين بلة أنه وعوض أن تسارع الوزارة الوصية عن قطاع التربية والتعليم إلى الدفاع عن رأسمالها البشري وعلى رأسه الأستاذ(ة) الذي يكابد ويتحمل ويصابر لتبليغ رسالته النبيلة وتكوين الأجيال المستقبلية وتربيتهم وتأهيلهم، رغم تهاونها في توفير المناخ المناسب ووسائل التعليم المختلفة، وإشراكه في اتخاذ القرار، وتشجيعه على البحث العلمي، وتكوينه المستمر، واستصدار القوانين التي تحميه ضد أي اعتداء، وتحسين الصورة الإعلامية له والعمل على إظهار دوره المؤثر في المجتمع، تأخذ التهم الجاهزة وتلصقها به -لتدفعها عن نفسها-، وتعقد له المجالس التأديبية، وتنصب له محكمة تقضي بإدانته، وتقضي على مستقبله ومستقبل أسرته، دونما اعتبار لمسؤوليتها الاجتماعية والأخلاقية قبل مسؤوليتها الإدارية وبإزائها.
وختاما فإن الأمل معقود على المجتمع وفعالياته، وذوي المروءات من الفضلاء في مختلف المناصب والمؤسسات أن يعيدوا النظر في دور الأستاذ/المعلم، بحملات ومبادرات تعيد له مكانته وهيبته، وتفتل في حبل الود بينه وبين باقي مكونات المجتمع، ولم لا استصدار قوانين وإنشاء مؤسسات لإعادة الاعتبار لهذا المحرك الأساس للمجتمع، كما هو معقود على الأستاذ بنفسه أن يواصل اهتمامه برسالته وغايته النبيلة التي تفرضها رسالية مهنته.