مقدمة
المشتهر لدى كثير من الناس أن الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى أحد العلماء الأجلاء والمفكرين الكبار؛ قضى حياته في الدعوة إلى الله تعالى والدلالة عليه والجهاد في سبيله، لكن ما لا يعرفه الكثير؛ أن الرجل من أبرز المؤلفين البيداغوجيين المغاربة في ستينيات القرن العشرين، فقد كان خبيرا في المجال التربوي البيداغوجي مبرّزا فيه، ملمّا بالمدارس التربوية وطرق التدريس، يشهد على ذلك تجربته الغنية في سلكي التدريس والإدارة، ومكتوباته القيمة في الحقل البيداغوجي، وبصماته العميقة في الجيل الذي نهل من خبرته التربوية على مدى سنوات طويلة.
ويأتي هذا المقال لتسليط الضوء على قضية من القضايا التربوية التي بسطها في كتابه “مذكرات في التربية لمدارس المعلمين والمعلمات”، هذه القضية متعلقة بثنائية الثواب والعقاب في المدرسة، ولا يخفى ما أحدثته هذه الثنائية من نقاش واختلاف في تاريخ الفكر التربوي القديم والحديث، وما خلفته من جهود مضنية من أهل التخصص في سبيل تقعيدها والتأسيس لها، فما المقصود بمفهومي الثواب والعقاب؟ وفي أيّ سياق ذكر الأستاذ هذه الثنائية؟ وماهي وسائل الثواب والعقاب؟ ثم ما هي مقاصد الثواب والعقاب في المدرسة؟
أولا: لمحة عن كتاب “مذكرات في التربية”
صدر كتاب “مذكرات في التربية” للأستاذ عبد السلام ياسين عام 1963م، جاء في مائة وخمسين صفحة من الحجم المتوسط، مشتملا على ستة فصول، وهو عبارة عن دروس ألقاها على طلبته في مدرسة المعلمين خلال تدريسه بها، ألّفه لغاية مخصوصة تهمّ مدارس المعلمين والمعلمات، قال رحمه الله موضحا مقاصده من تأليف الكتاب: “هذه مذكرات جمعت فيها دروسا كنت ألقيتها على طلبتي في مدرسة المعلمين منذ عدة سنوات.. رأيت ألا يضيع ما كنت بذلته من مجهود متواضع يستنير بتجربة غير قصيرة في ميدان تكوين المعلمين. ورأيت أن أعطي لطالب مدرسة المعلمين مادة تساعده في مطالعاته على مقارنة وجهات النظر، وعرض طرق التفكير والكتابة بعضها على بعض”.
وقد ألمح الناشر إلى أهمية الكتاب وقيمته العلمية المعتبرة في الحقل التربوي، حيث قال: “إذا كان الأستاذ المؤلف قد دفعه التواضع إلى أن يسمي هذا الكتاب «مذكرات في التربية»؛ فإن من حقنا أن ننوه بقيمة هذا الكتاب، ونتنبأ بما سيكون له من مساهمة فعالة إيجابية في توجيه المعلم المغربي، التوجيه الموضوعي السليم، للاستغناء عن التبعية البيداغوجية التي عاشت في عقولنا وأذهاننا”.
وقد حرص الأستاذ ياسين من خلال مؤلفه هذا على أمرين اثنين يشكلان في عمقهما خصائص خطابه البيداغوجي:
(…)
تتمة المقال على موقع ياسين.نت.