نظرات في كتاب “سنة الله” للإمام عبد السلام ياسين.. محاولة لفهم “طوفان الأقصى” (1)

Cover Image for نظرات في كتاب “سنة الله” للإمام عبد السلام ياسين.. محاولة لفهم “طوفان الأقصى” (1)
نشر بتاريخ

هذه محاولة لقراءة كتاب “سنة الله” للأستاذ الإمام عبد السلام ياسين، رحمه الله، وهو من أهم ما كتب حول معركة الأمة مع الصهيونية، ننشرها تزامنًا مع الذكرى الثانية عشرة لوفاته، وفي ظل نفحات طوفان الأقصى، تهدف هذه القراءة إلى تقديم رؤية متكاملة ومبسطة للإمام حول القضية الفلسطينية، مع استحضار معركة “طوفان الأقصى”، لمحاولة فهم سياقه وتحدياته واستحقاقاته.

كما تطمح هذه النظرات أن تهديك باقة من النصوص المقدسية التي كتبها الإمام حول القدس والقضية الفلسطينية، لتشكل مرجعا للفهم، ومفاهيم وأدوات لتحليل واقعنا واستشراف مستقبل أمتنا، إلى جانب تسليط الضوء على منهاجه رحمه الله في الكتابة والتفكير.

تتناول هذه النظرات الكتاب من خلال أربعة محاور رئيسية:

1. بين يدي الكتاب:

o قراءة في الشكل: يقدم هذا المحور نظرة إلى الإطار العام للكتاب، من حيث حجمه، عدد فصوله، أسلوبه، وتنظيمه، مما يتيح فهمًا أوليًا لتركيبته.

o تعريف بالكاتب: تعريف موجز وشامل بأهم خصال الإمام عبد السلام ياسين، مسيرته العلمية والدعوية، والجهادية، والتي تبصم هذا الكتاب.

o قراءة في السياق: دراسة السياق الزمني والفكري الذي أُلف فيه الكتاب، بما في ذلك التحديات والظروف الاجتماعية والسياسية التي قد تكون أثرت على محتواه ورؤيته.

2. البناء النسقي:

 يسعى هذا المحور إلى الإحاطة بالترابط النسقي داخل الكتاب، من خلال:

o تحليل العلاقة بين الفصول المختلفة.

o فهم تسلسل الأفكار من المقدمة إلى الخاتمة.

o رصد الانسجام بين المواضيع المطروحة بما يعزز نسقية الكتاب.

3. البناء المنهاجي:

يتناول هذا المحور الكتاب على ضوء ستة خصائص للتفكير المنهاجي التي تؤطر تفكير وكتابة الإمام رحمه الله، بما يعكس منهجية شاملة في استقراء السنن الإلهية وربطها بواقع الأمة وتحدياتها، وطرح الحلول لتجازوها.

خاتمة:
 تجمع الخاتمة أبرز النتائج المستخلصة من هذه القراءة، مع إبراز الأثر العميق للكتاب في رسم خارطة طريق للتغيير المنشود، وانعكاسات طروحات الكتاب على واقعنا الحالي.

أولا: بين يدي الكتاب

1- الكاتب: الإمام عبد السلام ياسين 

فالكاتب هو الإمام الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، العالم الرباني المجدد والمجاهد. فإذا كان الكتاب قد طبع بصفات وخصال كاتبه من جهة، فإن الكتاب يعكس من جهة ثانية صفات مؤلفه العلمية والفكرية والتجديدية والتربوية والجهادية.

فالكاتب هو مجاهد صاحب كلمة حق عند سلطان جائر، بإرسال رسالة الإسلام أو طوفان إلى ملك المغرب الحسن الثاني يدعوه فيها إلى توبة عمر بن عبد العزيز، واعتقل على إثرها ثلاث سنوات ونصف قضاها بين مستشفى الأمراض الصدرية ومستشفى المجانين، والرسالة الثانية هي رسالة القرن في الميزان قول وفعل، وهي رسالة ملكية انتقدها الإمام في إطار مقارنة بين قول الحاكم وفعله، فاضحا وثيقة سرية تتضمن مخططا للكيان الصهيوني وأمريكا وحكام العرب لمواجهة المعارضة الإسلامية، قضى على إثرها سنتين سجنا في سجن لعلو السيء الذكر. ويظهر البعد الجهادي للإمام في النَّفَس الجهادي الذي صيغ به الكتاب، نفس ليس استسلاميا ولا انهزاميا إنما نفس يهيئ الأجيال القادمة لتحمل المسؤولية التاريخية في المواجهة بين الإسلام والجاهلية، على أن الجهاد لا ينحصر في الجانب القتال وإنما يمتد إلى كل مجالات بذل الجهد. وعلى قدر تمثله لروح الجهاد على قدر تأكيده على رحمة ورفق الإسلام وتحذيره من العنف والتطرف وسفك دم الأبرياء.

وهو المرشد المؤسس لجماعة العدل والإحسان التي تعد أكبر تنظيم منظم ومعارض بالمغرب. وتأسيسه للجماعة يجسد التنزيل العملي لما ينظر له وما يؤكد عليه من ضرورة بناء حزب الله وتربية رجاله لترجمة نظرية التغيير إلى واقع.

  كما أن الإمام عبد السلام ياسين عالم ومفكر ومنظر ومجدد، كرس حياته لاكتشاف المنهاج النبوي لإعادة الخلافة الثانية التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتب في ذلك العديد من الكتب، وينعكس البعد الفكري والعلمي عند الرجل في هذا الكتاب في غزارة المعرفة وعمق التحليل وكثرة الاطلاع، والاستدلال ومنهجية التعاطي ومعالجة القضية موضوع الكتاب بموضوعية وحسن استشراف.

كما أنه رجل التربية الرباني الدال على الله، المستنهض للهمم لمعرفة الله والسلوك إليه، والكتاب كله دعوة إلى الله وتأكيد على التربية والقيام لله، وتذكير بالله وباليوم الآخر وبالخلق والميعاد، فالكتاب من بدايته إلى نهايته دعوة إلى الله، فلا تستطيع أن تفصل ما هو تربوي عما هو سياسي، وما هو عدلي عما هو إحساني.

2- قراءة في الشكل:

نحاول في هذه الفقرة التأمل في شكل الكتاب؛ من حيث العنوان والغلاف والحجم والصفحات ثم تاريخ الكتابة والنشر.

أ‌- العنوان: “سنة الله”

يحمل عنوان الكتاب “سنة الله” دلالة عميقة ومباشرة، حيث يعرض الإمام عبد السلام ياسين سنة الله كما أوردها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لكن الإمام لا يقتصر على عرضها عرضًا تقليديًا مجردًا كما اعتاد بعض العلماء والكتاب؛ بل يقدمها ضمن إطار شامل لتشخيص واقع الأمة واستشراف مستقبلها.

يعتمد الإمام على منهجية فريدة تجمع بين التأصيل في “الكتاب المقروء” (القرآن الكريم والسنة النبوية) والتمثُّل في “الكتاب المنظور” (واقع العالم وسنن التاريخ). يعرض سنة الله كأدوات ومفاتيح لفهم الواقع واستشراف المستقبل، فيقول رحمه الله: “القراءة المزدوجة لسنة الله، كما تعطيها آيات الله وأحاديث رسول الله، تعطينا الصورة السياسية والاجتماعية والخلقية والاقتصادية لمسلسل البلاء، وأسبابه، وعوامله، ومسؤولية كل مسؤول عنه، ونتائجه، وعواقبه. وتعطينا أيضًا الهداية للخروج من دوامته، والوسائل، والمنهاج.” (ص: 270).

بهذا، فإن سنة الله ليست فقط تشخيصًا للداء، بل وصفٌ للدواء في آن واحد، حيث تقدم الهداية الإلهية كمرجع أساسي لمواجهة تحديات الأمة.

موضوع الكتاب

يتناول الكتاب موضوع “وعد الآخرة” الوارد في سورة الإسراء، والذي يراه الإمام مواجهة كبرى بين الإسلام والجاهلية، حيث يُمثل روح الجاهلية الصهيونية العالمية. إنها مواجهة بين “وعد الآخرة” كما جاء في الكتاب العزيز، و”وعد مملكة صهيون الكبرى”، وبين الصحوة الإسلامية الواعدة والصهيونية المتوسعة.

الإمام يقرأ هذه المواجهة، وميادينها، ومآلاتها، من خلال منظور “سنة الله”، التي تظهر بجلاء في الكتاب المنظور عبر حركة التاريخ، مما يجعل هذا الكتاب رؤية منهاجية لاستنهاض الأمة عبر استيعاب سنن الله الكونية.

عناوين مرادفة للكتاب

إذا أردنا اقتراح عناوين مرادفة تعكس محاور الكتاب ومضمونه، فقد تكون كالتالي:

1.     “وعد الآخرة”.

2.     “الصحوة الإسلامية والصهيونية”.

بهذا الأسلوب، يتضح أن الكتاب ليس مجرد تحليل فكري، بل خارطة طريق عملية تقرأ النصوص الشرعية في ضوء الوقائع التاريخية والمعاصرة، لتقدم حلولًا واقعية لمستقبل الأمة.

ب – سنة الله:

أعرض أهم السنن التي استند إليها الإمام رحمه الله في كتاب “سنة الله”:

أولاً: سنة نصر الله للمؤمنين متى استكملوا الشروط

 يؤكد الإمام أن نصر الله لا يتحقق إلا عندما يستوفي المؤمنون الشروط التي وضعها الله، حيث يجمعون بين الإيمان والعمل الصالح والجهاد. يقول رحمه الله: “سنة الله أن ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة. إن آمنوا وعملوا الصالحات، لا إن أخلوا بالشرط الجهادي حالمين بالمدد الإلهي الخارق للعادة. وهو مدد لا يتنـزل على القاعدين، بل يخص به الله من قام وشمر وتعب في بذل الجهد، وأعطى الأسباب حقها، وأعد القوة وبذل المال والنفس، وحزب جند الله وجيشهم وسلحهم، وتربص بالعدو وخادعه وماكره وغالبه”.

ثانياً: سنة الابتلاء وتعاقب النصر والهزيمة

 يشرح الإمام أن التعاقب بين النصر والهزيمة هو جزء من سنن الله في تربية المؤمنين وتمحيصهم، وفي ذات الوقت محق الكافرين على المدى البعيد. يقول رحمه الله: “ومن شروط الله وسنته المكملة لمعاني حكمته تعالى في الكون وابتلائه للعباد بالسراء والضراء، أن يتعاقب النصر والهزيمة ليربي الله الذين آمنوا، ويمحصهم، ويمحق الكافرين آخر المطاف.” (ص: 10).

ثالثاً: تحقق وعد الله وبشارة رسوله صلى الله عليه وسلم

 يشير الإمام إلى أن هذه الأمة تتميز بأنها أُخبرت مسبقًا بما سيقع في تاريخها، سواء كان وعدًا من الله أو بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويؤكد أن هذه الوعود الإلهية نافذة متى تحققت شروطها. يقول رحمه الله: “من خصوصيات تاريخ هذه الأمة المباركة أنها وُعدت بالنصر والاستخلاف في الأرض متى تحققت لها شروط سنة الله.” ويضيف: “من خصوصيات هذه الأمة أنها أُخبرت مسبقًا بما يحدث في تاريخها من فتن قبل تحقق الظهور الموعود.”

تقدم هذه السنن إطارًا لفهم التاريخ والمستقبل على ضوء الوحي. فهي ليست مجرد نظريات، بل قواعد عملية تستوجب العمل بها لتحقيق وعد الله بالاستخلاف والنصر.

ت- الغلاف والصفحات: 

  الكتاب من الحجم الكبير يضم بين دفتيه 335 صفحة، طبع في مطبعة الخليج العربي- تطوان تحت رقم الإيداع القانوني:2005/535.

   أما الغلاف فيضم رسوما وأرقاما، ومن أهم الرسوم خطوط ودوائر كأنها خطوط للطول والعرض ترمز للكرة الأرضية، ولون الكتاب بني فاتح فهو لون ترابي دلالة على الخَلق، لون يعبر عن الأمان والاستقرار والشعور بالمسؤولية والالتزام. وبالتالي فخطوط الطول والعرض للأرض ولونها البني الثابت دلالة على الكون الذي تحكمه سنة الله في الخلق التي لا تحابي ولا تجامل أحدا كما تحكمه باقي السنن الكونية التي تتحكم في الزمان والمكان ولا تتغير إلا بأمره. كما أن هذه الأرض هي مسرح التدافع بين قوى الحق وقوى الباطل، وهي مسرح للتعايش بين بني الإنسان والتدافع تحكمه سنن إلهية ثابتة. وبما أن خطوط الطول والعرض ترمز إلى الجغرافية والتاريخ وإلى الزمان والمكان المحكوم بالسنن الكونية، فإن حركة الإنسان والحضارات على ظهر الأرض محكومة بسنة الله الثابتة والغير المتغيرة. 

أما الأرقام فبعضها قد يدل على أرقام لشبكات اتصال عالمية 1453997322، وهي بذلك ترمز للتواصل والتعارف والتعايش بين الأمم، وقد خلقنا الله شعوبا وقبائل لنتعارف. والرقم الثاني المكون من أصفار ووحدات 01010100101 فيرمز إلى البرمجة ولغة الحواسيب والانترنيت أي لغة العلم والمعلوميات والتكنولوجيا والتواصل والمستقبل، وهي مجال التحدي.

أما الخط الذي كتب به العنوان فهو خط مغربي يسمى المبسوط، بدأ استعماله في كتابة القرآن بداية من العصر المريني. ولعل وضع العنوان بخط مغربي فوق خلفية خطوط الأرض دلالة على الأصالة والتمسك بالخصوصية المغربية المشاركة والمساهمة في تحقيق وعد الآخرة تنظيرا وتنظيما وزحفا.

ث- تاريخ الكتابة والنشر: 

فرغ الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله من كتابة كتابه “سنة الله” ظهر يوم الأربعاء الثامن من شوال 1408 هـ، الموافق 25 مايو 1988م. أتم معظم الكتاب في صيف عام 1987، لكن نشره تأخر لما يقرب من عشرين عامًا، حتى صدر عام 2005. كان هذا التأخير نتيجة الحصار والمنع الذي عاناه الإمام في ظل الظروف المعروفة لدى الجميع.

صدر الكتاب في صورته الأصلية رغم التغيرات والمعطيات الجديدة التي ظهرت في تلك الفترة. ومع ذلك، تميز الكتاب بمعالجته لقضايا تتسم بالثبات والاستمرارية، ترتبط بسنة الله في الأنفس والآفاق. ولم تؤثر هذه التحولات على قيمته العلمية، بل زادتها تأكيدًا. ومن أبرز هذه المتغيرات، التحول الذي طرأ على مسار الجهاد الأفغاني، والذي شكّل درسًا بليغًا يبرز أن سنة الله لا تحابي أحدًا.