بسم الله الهادي خلقه سبل الرشاد الملهم منهم من شاء للانقياد واتباع سبيل الهدى والسداد الذي جعل بعضهم سببا في اهتداء العباد، محيي الخلق بالنصيحة والوعظ والإرشاد الحاث على اتخاذ الإخوان والخلان ملاذا.
أما بعد فما حلاوة الدنيا وهي دار النكد والغربة والكبد إلا سويعات قد اختليت فيها بخالق السماوات أو قضيتها مع إخوان تتعلم فيها علما بالله أو ذكرا له أو تنتقي من الكلام طيبه، وما نعم الله فيها إلا ما قيد سبحانه من دليل ومعين من الإخلاء ترتجي بصحبتهم والمذاكرة معهم لقاء الله تعالى وترجو، فقد جاءنا في كتاب الله تعالى قول الحق مبينا فضل المتقين من الإخوان: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، وقال عبد الرزاق عن علي رضي الله عنه الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين قال: خليلان مؤمنان وخليلان كافران فتوفي أحد المؤمنين وبشر بالجنة، فذكر خليله فقال: اللهم إن فلانا خليلي كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر، وينبئني أني ملاقيك. اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه مثل ما أريتني وترضى عنه كما رضيت عني. فيقال له: اذهب فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيرا وبكيت قليلا. قال ثم يموت الآخر فتجتمع أرواحهما فيقال ليثن أحدكما على صاحبه، فيقول كل واحد منهما لصاحبه نعم الأخ ونعم الصاحب ونعم الخليل…).
وانظر إلى ذي الجلال وهو يدعو رسوله الأمين بين العباد إلى الصبر مع مريدي وجه الحنان: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.
ألا يعد الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: “وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسون..” حثا على اتخاذ الإخوان والخلان من أهل التقى والنقى والسعي لخالق السماء.
وكم أثنى علماء السلف على الإخوان ومجالستهم وعدوها جالبة لمحبة الله تعالى ومذكرة ومقربة وجامعة للقلب ومبشرة، روى ابن المبارك في كتاب الجهاد بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لولا ثلاث، لولا أن أسير في سبيل الله عز وجل أو يغبر جبيني في السجود، أو أقاعد قوما ينتقون طيب الكلام كما يُنتقى طيب الثمر لأحببت أن أكون قد لحقت بالله عز وجل). وروى ابن المبارك في الزهد أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال: لولا ثلاث ما أحببت البقاء: ساعة ظمأ الهواجر، والسجود في الليل، ومجالسة أقوام يَنتقون جيد الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر). وفي رواية أنه قال: لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدنيا؛ وضعي وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار أقدمه لحياتي، وظمأ الهواجر، ومُقاعدة أقوام يَنتقون الكلام كما تُنتقى الفاكهة). وقد جعل ابن القيم رحمه الله طيب الكلام وانتقاءه من الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها فعدّ من تلك الأسباب: مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر. وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: نِعمت الهدية الكلمة من الحكمة يحفظها الرجل حتى يلقيها إلى أخيه. فكم تنعم عزيز من أخ عزيز بلحظة أخلت له البال وأيقظت فيه هم الطلب والسعي لنيل الرضوان واتباع العدنان والشوق للحنان المنان، وكم من مبتلى قد تلقفته يد الإخوان وجلبته من يد الشيطان ووضعته على أعتاب الأمان وكان قد احتوشته ردى الأدران وسارت به مع العميان وحطمت منه نوائب الدهر صفاء الجنان وابقت فيه الحيرة والتيهان، وكم من ضائع وسط شرك الهوى قد تلطف به القدر وجعل للإخوان إليه سبيلا فأوقدوا منه لهف القلب إلى المولى، وأحيوا منه موات القلب والنوى، وكم من خاسر أضاع صحبة الخلان واستبدلها بألفة الظالم الخسران، فتاهت به الدنيا وهوى الشيطان، حتى صار صريعا حيران قد انغلق قلبه عن سماع الوعظ والبيان.
ألا وإن الإخوان نعمة لمن أحسن الأدب وتلطف، وأرخى السمع وتألف، وانقاد بقلبه وتزلف، وعظم حرمة الإخوان وعن أذاهم تعفف، فكن على بابهم واقفا، ولحبهم طالبا راغبا، ولمجالسهم غاشيا راتعا، وعن أحوالهم سائلا، وتزود منهم لغد، وكان لنصحهم بالغ الجهد، وتلطف بمن قصرت همته منهم، وعفا عمن أساء سهوا أو عمدا، وجعل لهم من مجالس دعائه نصيبا. وصلى الله وسلم على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه أولي النهى والرشاد.