استهل فضيلة الأستاذ محمد عبادي كلمته في ختام الرباط المركزي لجماعة العدل والإحسان بمدينة سلا، يوم الخميس 01 يوليوز 2024، بالترحم على “فقيد الدعوة والجهاد في سبيل الله، صاحب القرآن، إسماعيل هنية، القائد المجاهد، البطل الرباني، الذي عاش لله وبالله ومع كتاب الله سبحانه وتعالى عز وجل”.
فقدانه خسارة لكنه ربى أجيالا من المجاهدين
وتساءل فضيلة الأمين العام للجماعة حول ما إذا كان الحدث يتطلب تهنئة أهله والأمة بالشهادة التي نالها أم يتطلب تعزيتهم وتعزية أنفسنا فيه، داعيا المولى سبحانه أن يلحقه بإخوانه المجاهدين في سبيل الله من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن لدن آدم إلى يومنا وإلى أن تقوم الساعة، وأن يحشره مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.
وتوجه الأستاذ عبادي أمام الحاضرين في هذا الرباط بالدعاء إلى الله عز وجل لـ”يجعل لنا خلفا وعوضا عن هذه الخسارة”، موضحا أن الموت مصيبة كما سماها الله تعالى، وأورد قصة أمنا سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، لما توفي زوجها علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقول: “اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها”، أو أبدلني خيرا منها في بعض الروايات. فكانت تقول في نفسها من أجد أفضل من أبي سلمة؟ فإذا بعناية الله سبحانه عز وجل تسوق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون خلفا.
وقال المتحدث إن “فقدانه خسارة نعم” لكنه هو وإخوانه ربوا أجيالا من المجاهدين ما زالوا في الميدان، فهم الخلف إن شاء الله تعالى، وأملنا في الله تعالى أن ينبت من هذه الدماء الزكية أنفسا طاهرة تحيا لله وتموت في سبيل الله، وهذا ظننا به سبحانه وتعالى عز وجل.
نحن معكم إلى النفس الأخير
وشدد على أن “فقدان القادة والعلماء والصالحين خسارة”، لأن من مات منهم أو استشهد، مات معه ما كان يحمله من علم ومن إيمان ومن وراثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. لذلك لما مات سيدنا عبد الله بن مسعود قيل “لقد ذهبت ثلثا العلم بموته”. وقال: “الله سبحانه وتعالى لا يقبض العلم من صدور العلماء انتزاعا، ولكن يقبضه بقبض العلماء فاذا لم يبق إلا رؤوس الجهل فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”.
لاحظوا اليوم من يقود الأمة، يتساءل الأستاذ عبادي، ثم يجيب: “كان من المفروض ومن المنتظر أن يقود الأمةَ سادتُها وكبراؤها وعلماؤها وربانيوها، فإذا بالأمة يقودها حثالة الناس سفلة الناس شرقا وغربا، نسأل الله تعالى عز وجل أن يكفينا شرهم وأن يوقظ إلينا من يقودنا إليه سبحانه وتعالى ويدلنا على الله سبحانه وتعالى عز وجل، وما ذلك عليه بعزيز، وأملنا في الله سبحانه وتعالى عز وجل كبير”.
وبينما توجه بالدعاء رحمة للشهداء وشفاء للجرحى وأمنا وأمانا وتيسير للخير في كل وقت وحين ثم قال: “اصبروا وصابروا ورابطوا ونحن معكم إلى النفس الأخير بكل إمكانياتنا المادية والمعنوية”؛ أكد حيال ذلك أن المرابطين عاشوا في هذا الرباط مع غزة في كل يوم، بدعاء القنوت في صلاة الوتر، وفي الكلمات التي ألقيت، وفي سجود المؤمنين، مشددا على أن “غزة حاضرة معنا في قلوبنا ويجب أن تبقى حاضرة حتى يفتح الله سبحانه وتعالى عز وجل بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين”.
أحسن موتة يموتها الإنسان هي أن يموت شهيدا
وأكد الأستاذ عبادي أن الله سبحانه هو الفاعل، وهذه المحنة التي يمر منها أهل غزة هي ابتلاء عظيم مبين “ليرفع من قدرهم وشأنهم ويتخذ منهم آلاف الشهداء وهم يتلاحقون زرافات، جماعة بعد جماعة، ليكونوا في الجنة إن شاء الله تعالى عز وجل في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين”.
فاذا كنا نحن أهل الأرض نأسف ونحزن ونبكي لفراقهم فأهل الآخرة يستبشرون بقدومهم، فرحون بهم، يستقبلونهم بالترحاب، يقول فضيلته.
وتابع موضحا أن “أحسن موتة يموتها الإنسان هي أن يموت شهيدا، أما من يموت على فراشه أحيانا يعاني من سكرات الموت ومن آلام خروج الروح، أما من يموت شهيدا فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن موت الشهادة بمثابة قرص نحلة” والإنسان أحيانا تقرصه عشرات من النحل ولا يبالي ولا يشعر، سائلا الله تعالى “أن يرزقنا الشهادة جميعا في سبيل الله”.
بعد الخروج من الرباط ينبغي لنا أن نستحضر روح العبادة
وفي حديثه عن الرباط ومعانيه، أكد أن ما ينبغي أن نصطحبه معنا مما عشناه في هذه الأيام، بعد الافتراق من هذا الجمع المبارك “هو رح العبادة وعلى رأسها مراقبة الله سبحانه وتعالى عز وجل في السراء والضراء، في المنشط والمكره، في العسر واليسر”.
وأكد أن مراقبة الله التي تعلمناها في هذا الرباط والانجماع على الله تعالى عز وجل، لا ينبغي أن يتشتت عند خروجنا، بما نرى وما نسمع ولما يروج من أحداث ومن أهوال ومن فتن. فعلينا أن نحافظ على هذا الانجماع بكثرة ذكر الله سبحانه، ومع نصيب من هذه العبادات وعلى رأسها القرآن قراءة وحفظا وقيام الليل، مشددا على أن هذا “هو زادنا الذي تتغذى به أرواحنا”.
الصيف موسم خصب لنشر دعوة الله
وخص الأستاذ عبادي الصيف بكلمة، فقال: “نخرج ونحن في فترة الصيف، والصيف هو موسم الحصاد فلا نجعله موسم تبذير لما جنيناه خلال الفصول الماضية”، موضحا أن الصيف موسم ملائم لنشر هذا الخير الذي جمعنا الله سبحانه وتعالى عز وجل عليه.
فإذا كان هناك فراغ فهو نعمة ويجب أن نملأه بطاعة الله تعالى عز وجل. يقول الأستاذ عبادي، ثم يضيف: “هناك فرص لنشر دعوة الله تعالى عز وجل لا تتأتى في الفصول الأخرى من التزاور ومن الالتقاء مع الأحباب الذين يأتون من أوروبا ومن حفلات للنجاح ومن أسفار ومن مواسم الأعراس وغيرها، وكلها فرص لنشر دعوة الله سبحانه وتعالى عز وجل ينبغي أن نستغلها”.
وأكد أن خصوصية الصيف لا ينبغي أن تمنع استمرار الدعوة فقال: “نعم يحتاج إلى ترتيب آخر لبرنامج اليوم والليلة، فلا نعقد جلسات بعد العشاء، وإنما نعقدها في النهار بعد العصر أو بعد المغرب إلى العشاء”.
ولْنكنْ نموذجا تقتدي به الأمة ونغير العادات الجارفة
ولفت إلى أن الحفلات لا ينبغي أن تستمر إلى الثانية أو الثالثة ليلا، وإنما ينبغي أن تختم في الحادية عشرة، أو في الثانية عشرة على أقصى تقدير حتى يتأتى للحاضرين أن يأخذوا قسطا من النوم ليستيقظوا لأداء الوتر النبوي ولصلاة الصبح في وقتها.
وأضاف: “إذا كنا ندعو الضيوف ونسجنهم معنا إلى الصبح وضيعوا صلاة الصبح فنحن مسؤولون عن هذه الإضاعة ونحن آثمون”، مشددا على أنه لابد من أن نقدم نموذجا آخر لتقتدي به الأمة وأن نغير العادات الجارفة التي تحصد ما زرعناه فيذهب قيام الليل وغيره…
والأمر نفسه يقوله عن الصيام، إذ علينا أن نداوم على صيام الاثنين والخميس والأيام البيض في الصيف كما في بقية الفصول ولا نودعه إلى أن تبتدأ السنة الدعوية الأخرى، لأن أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه، كما كان يفعل آل البيت، الذين “إذا عملوا عملا اثبتوه”.
إذا افترقت الأجساد بعد الرباط بقيت الأرواح موصولة بالله
فإذا افترقت الأجساد والأشباح بعد الرباط بما عاشته من نفحات، فينبغي أن تبقى أرواحنا موصولة بالله موصولة بكتاب الله، موصولة بالصحبة، موصولة ببعضنا حتى نفد على الله سبحانه وتعالى عز وجل جماعات، يضيف الأستاذ عبادي.
ثم أثنى في نهاية كلمته على فريق الخدمة إخوانا وأخوات، وهم “الذين حرموا أنفسهم من النوم وحرموا أنفسهم من الراحة ليضمنوا لنا راحة البال وطمأنينة النفس وسعادة القلب ولا شك أنهم أكثر أجرا منا، حازوا على القسط الأوفر مما أفاض الله سبحانه وتعالى عز وجل على هذا الجمع من خيرات ورحمات وبركات”.
وأورد في هذا السياق، ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيمن كان يسهر في خدمة الصحابة لما كانوا ذاهبين لفتح مكة في شهر رمضان، إذ كان منهم من أفطر. ففي وقت الإفطار قال صلى الله عليه وسلم: “لقد ذهب المفطرون اليوم بالأجر كله”، وذلك لأنهم كانوا في الخدمة والخدمة ترفع صاحبها إلى مقام السيادة.
إمامة الأمة معناها خدمة الأمة
وذكر قولا للإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله يعلق فيه على حديث رسول الله صلى الله عليه “سيد القوم خادمهم”، قال: “إن هذه السيادة لا تظهر في الدنيا” متى تظهر هذه السيادة؟ في الآخرة.
ولذا ينبغي جميعا أن نكون في خدمة أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في خدمة دين الله تعالى عز وجل، وإمامة الأمة معناها خدمة الأمة، وبهذا ختم فضيلة الأمين العام كلمته، ثم دعا قائلا “جعلنا الله وإياكم خداما لدعوة الله تعالى”.