كنت ممن أنعم الله تعالى عليهم بحضور حفل التأبين الذي نظمته الهيئة العامة للعمل النسائي للفقيدة الأستاذة حبيبة الحمداوي- رحمها الله- يوم الثالث والعشرين من الشهر الجاري (نونبر 2024)، وعشت أحوالا قلبية يعجز اللسان عن وصفها ولا تسعف الكلمات للتعبير عنها، وكان حفلا ربانيا عظيما عمته السكينة والهدوء وتنزلت فيه الرحمات، وتلاقت فيه أرواح الأحياء بالأموات، كما كانت نفحات الحفل فرصة ثمينة للوقوف مع الذات ومساءلتها لتصحيح المسار وتوجيه العبور من هذه الدنيا الفانية الزائلة إلى دار الخلود والبقاء توجيها يتوافق مع المنهج الرباني الحكيم.
اختلطت المشاعر في لحظات التأبين بين الحزن العميق وألم الفراق، وبين الفخر والاعتزاز بإنجاب جماعة العدل والإحسان امرأة عظيمة كالأستاذة حبيبة حمداوي، لاسيما وكل الشهادات الخيرة في حقها من القريب والبعيد تؤكد أن هذه المرأة فقهت أن علمنا في الجماعة علم خطوة لا علم خطبة، وأن المنهاج النبوي الذي جدده الإمام عبد السلام ياسين – رحمه الله – يربي في المؤمنة إرادة جهادية قوية لا تهزم، وأن الرجولة الإيمانية صدق وثبات وصبر ومصابرة وحمل وتحمل وسير على خطى الكاملات…
لقد تواترت الشهادات وتناغمت الكلمات الصادقة من الجميع لتثبت أن هذه المرأة نالت حظا وافرا من عطاء الله وكرمه وتوفيقه، وأنها صدقت ربها في القصد والطلب، وأخلصت النية له سبحانه دون سواه، واستفرغت الجهد لخدمة دعوة الله، واستجابت لأمر الحق عز وجل: فلا اقتحم العقبة.
وكانت هذه الشهادات عزاء طيبا لأحباب الأستاذة حبيبة -رحمها الله-، وخففت ألم الفقد والفراق وحملت في طياتها ثناء حسنا تسكن له النفس وتقر به العين، وعبرت في مجموعها عن وصف الفقيدة بـ: “الكنز الثمين” و”النخلة الشامخة” و”الأمومة الحانية” و”الصورة المصغرة لأبيها في العطاء” و”انخراطها في الدعوة ليس انخراط تطوع وإنما انخراط عبادة” و”هي كالغيمة” و”لها سر مع الله تعالى”.
وغير هذه الأوصاف كثير مما يؤكد أن الأستاذة حبيبة نموذج للمؤمنة الصادقة التي أثمرت فيها الصحبة داخل جماعة العدل والإحسان واكتسبت المجموع الطيب من شعب الإيمان، وحققت التوازن المنشود، فكانت زوجة حكيمة وأما رحيمة وداعية متفانية في الصبر والعطاء.
سيرة الأستاذة حبيبة رحمها الله تضرب عرض الحائط المثل القائل: “مغني الحي لا يطرب”، وتثبت أن المغني إذا كان ذا صوت شجي عذب يطرب الحي ومن حوله، ويصدح صوته في الآفاق؛ فقد بلغ أثر رحمتها ورفقها ولين جانبها وحسن قولها كل من عرفها وتواصل معها، سواء في الحي والعمل أو في الحقل الدعوي، ولعل شهادة داعية من الجزائر الشقيقة كافية شافية في هذا الباب، إذ قالت: “أثر الأستاذة حبيبة أثر يذكر ويشكر ويؤجر”.
وهذا الأثر الذي تركته الأستاذة حبيبة -رحمها الله- على جميع الأصعدة تحدث عنه الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الأستاذ محمد عبادي وقال إنه يحقق الخلود المعنوي للمؤمن ولا يجعل لذكراه الطيبة انقطاعا. وقال: إن الخلود أمر محبوب عند البشرية جمعاء، ولا يمكن أن يتحقق إلا بالأثر الطيب والعمل الصالح الذي يخلف المؤمن بعد موته.
ويبقى تأبين الأستاذة حبيبة – بالنسبة لي- باعثا قويا حرك في خاطري تساؤلات كبرى:
كيف نعظم المؤمنات والمؤمنين قبل رحيلهم عنا إلى الدار الآخرة؟
كيف لا نحرم فضلهم وخيرهم بسبب ما تحجبه عنا المعاشرة اليومية؟
كيف نتقرب إلى الله تعالى بحب بعضنا لبعض؟
وكيف تتحول محبتنا في الله إلى قوة اقتحامية تخدم دعوة الله وتنهض حال الأمة من الغفلة؟