لا سعادة للإنسان إلا في الظلال الوارفة للفطرة السليمة التي تعني استقرار الإنسان، الذي يعرف خالقه، داخل أسرة. الفطرة هي الزواج بما يعنيه من المساكنة والمودة والرحمة، ونقيضها العبث والعربدة والشقاء، بعض الشباب تستهويه أفكار الغرب عن الأسرة والزواج والمرأة، ويريد إسقاطها على مجتمعاتنا وكأنها البلسم والشفاء وهي في الحقيقة السم الزعاف.
سيمون دي بوفوار، فيلسوفة فرنسية وزعيمة الحركة النسوية وحاملة لواء تمرد المرأة على الرجل والقضاء على الأسرة وهي القائلة: “ستظل المرأة مستعبدة حتى يتم القضاء على خرافة الأسرة وخرافة الأمومة والغريزة الأبوية”، عرفت بعلاقتها مع رفيقها الدائم زعيم الوجودية والإلحاد جون بول سارتر، علاقة عشق وفكر ونضال، كلاهما رفض فكرة الزواج، لكن علاقتهما كانت في إطار فلسفتهما التي تضمن لكل واحد منهما إقامة علاقات خارج إطار عشقهما.
توفي سارتر سنة 1980 وبعده بست سنوات توفيت خليلته ورفيقة دربه سيمون، ليتم دفنها في نفس قبر سارتر، ليبقى شاهد القبر دليلا على تفاهة أفكار الحركات النسوية المتطرفة، وأن الإنسان لن يجد راحته وسعادته إلا في إطار الزواج. فالإنسان بفطرته يميل للزواج. وحياة العربدة والزنا والعلاقات العابرة حياة مناقضة للاستقرار والسعادة والسكينة. صورة قبرهما منقوش عليه اسمهما يعتبر لوحة فنية ساخرة من هروبهما من الارتباط بالزواج وتكوين أسرة تحت مبررات فلسفية مادية ليجمعهما بعد وفاتهما قبر واحد.
حياة العشيقين وفكرهما وفلسفتهما ويساريتهما وثوريتهما تحمل في طياتها الكثير من الدروس لمن فكر يوما في السير ضد فطرته وأخلاقه ودينه، فهما نموذج للإنسان التائه والشارد والمتناقض، لقد رفضا فكرة الزواج ليختارا الارتباط تحت يافطة أخرى وبمسميات أخرى، ليعيشا العبثية والاضطراب، ويعالجا الغيرة بالشفافية المزعومة، وقد كان سارتر ضعيفا أمام النساء ويعاملهن كما يعامل أدراج خزانته، وهو المدمن على الكحول، وليرحلا بدون أبناء ولا خلف ولا مستقبل عدا ما خلفاه من أفكار ضد الأسرة والزواج والعفة والوفاء، وليقولا للعالم أن البديل عن الأسرة والأبناء هو توقف النسل والزوال. فهل يقبل الغرب بتوقف نسلهم استجابة لأفكار عبثية فلسفية؟ وهل يقبل الشباب المسلم الاقتداء بحضارة تائهة عن فطرة الإنسان؟
وفي حياة زعيمي الفلسفة الوجودية تناقضات كثيرة في مواقفهما السياسية والفكرية، من أهمها موقفهما من القضية الفلسطينية، مما يجعلهما محل سخرية المواقف التي تجعل الإنسان أسير شهواته ورغباته وميولاته وعرقه.
ودائما في إطار موضوعنا، قامت سيمون دي بوفوار أثناء زيارتها للقاهرة باستنكار ما تعيشه المرأة المصرية لكنها في زيارتها للكيان الإسرائيلي أبدت إعجابا بوضع المرأة الإسرائيلية مع غض الطرف عن معاناة المرأة الفلسطينية، وهي التي دعمت قيام دولة إسرائيل صحبة عشيقها سارتر ولم يقفا إلى جانب المقاومة الفلسطينية كما وقفا إلى جانب الثورة الجزائرية.
إن عبثية دعاة تحرير المرأة من أنوثتها ومن الرجل، أو تحرير المجتمع من الأسرة، أو تحرير عاطفة الرجل والمرأة من الوفاء والحب والإخلاص، كانت لها تداعيات خطيرة على الفطرة البشرية، حيث دعت إلى فوضى عارمة تدمر الإنسان، وتصيره دابة تزحف على الأرض، في حلقة صراعية عبثية لا نهاية لها إلا الانتحار أو التمرد كما يرى الفرنسي ألبير كامو، فيلسوف العبثية والثائر على الدين والأخلاق، أفكاره العبثية في رواياته، منها روايته “الغريب” تجعل المرأة سلعة لممارسة اللذة، ولا تستحق الشفقة، والرجل مستعد لقتل عشيقته إذا خانته كشكل من أشكال التملك والانتقام. وحياته الشخصية عرفت وجود زيجات وعشيقات ذاق معهن، كما أذاقهن، طعم الخيانة والإدمان.
ويكفي للدلالة على عبثية الحركات النسوية وتخريبها لجيل من النساء ما صرحت به الكاتبة البريطانية “بترولينا وايت” في صحيفة “ديلي ميل” وهي التي تشربت أفكار الحركة النسوية مبكرا، حيث كانت عمتها تهدي لها في عيد ميلادها كتب أم النسوية الحديثة “سيمون دي بوفوار”. قالت الكاتبة الضحية أنها عزباء وبلا أطفال ووحيدة و”أن النسوية خذلتني وخذلت جيلي”، ويكفي النقر على اسم الكاتبة لتجد أقوالها في صفحات ومواقع إلكترونية. ويمكن اعتبار انقلابها على الحركة النسائية صرخة الفطرة الإنسانية في أواخر العمر، وطبعا هي صرخة جاءت بعد فوات الأوان وإن كانت صرخة تحذير للأجيال القادمة. فهل تنصت بنات المسلمين لهذه التحذيرات أم سيجعلن أصابعهن في آذانهن عن سماع نداء الفطرة؟
الخلاصة أن المرأة والرجل هما ضحية العبث الغربي بمفاهيم الأسرة والزواج والأمومة، والمرأة المسلمة يجب أن تكون على وعي بوظيفتها ومكانتها، وأن تختار بين طريقين: إما أن تكون زوجة مُكرّمة فتعيش حياة الاستقرار والسكينة والسعادة مع رجل يجمعهما رباط المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف، أو أن تختار طريق العبث العاطفي لتكون عشيقة مستعبدة من عشيق يبصق عليها ويقتلها إذا خانته كما يصور ذلك ألبير كامو في روايته أو كما عاش في حياته. وللأسف فالغرب يبذل جهده لتصدير تصوراته وقيمه وإلحاده وعفنه إلى المجتمعات الإسلامية.
بعد كل هذا تجدر الإشارة إلى ضرورة الحفاظ على الفطرة في أبعادها الإيمانية والاجتماعية والسلوكية، وأنه لا سعادة للرجل والمرأة إلا في ظل قيم الوفاء والعفة والمودة والرحمة داخل مؤسسة الزواج وإنشاء أسرة مستقرة، وكل طلب للسعادة بمعناها العاطفي والحميمي خارج هذا الإطار ما هو إلا عبث وشقاء وضياع.