سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله.
وظل الله لا يعلمه إلا الله، غير أنه يوم مهول مخيف تشيب له الولدان ذاك الذي يلقي فيه الله بظله على سبعة أصناف من عباده.
عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمالٍ، فقال: إني أخافُ الله، ورجلٌ تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينهُ، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه” [متفقٌ عليه].
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.
قد يكون هذا الخلو ساعة من ليل أو نهار تكون فيها وحدك مجالسا ربك مستحضرا الحديث القدسي “أنا جليس من ذكرني”، تستغرق في ذكره حتى يفيض عليك بجمال تجليه فتذرف عيناك دمعات دافقة لا يعلم جمالها إلا من ذاق فاشتاق.
تجالسه لتأخذ من كرمه إلى بخلك ومن غناه إلى فقرك ومن قدرته إلى ضعفك ومن صمديته إلى حاجتك ومن كماله إلى نقصك.
تجالس من بيده ملكوت كل شيء.
وقد يكون معنى خاليا: التخلي من الأغيار في كل وقت وحين ليفوز بالتجلي ويزدان بالتحلي ويضع أجمل خطوات عمره في الطريق الصحيح.
ذكر الله خاليا من نفسه وأوصافها الخفية؛ فلا يراها وهي تحجب عنه أسرار الكينونة مع الله.
خاليا من المناصب؛ فلا يرى نفسه إلا عبدا تحت سلطان الله، لا يملك إلا أن يجثو على ركبتيه بين يديه متذللا لسلطانه مستمطرا توفيقه مستمدا رحماته.
خاليا من علمه؛ فلا يرى لنفسه حولا ولا قوة، بل يمحو كل ما ترسب في عقله مما يعتقد أنه يميزه عن غيره ويطرق باب رحمته صفرا من كل شيء.
ذكر الله خاليا من الأغيار؛ فلا يشركهم مع الله معتقدا فيهم نفعا ولا ضرا.
خاليا من الأحداث؛ فلا ينشغل بها عن المحدث سبحانه لأنه لا فاعل حقيقة فيما يجري سوى الله.
خاليا من انتظار الفرج من عند غير الله؛ فلا يستنصر مخلوقا ولا يعلي من شأنه إلا أن يكون من جند الله الذين لا يعلمهم سواه.
خاليا من الأكوان؛ فلا تنسيه في المكون البارئ المصور بديع السماوات والأرض وما بينهما.
خاليا مما سوى الله؛ حتى يكون الله أحب إليه مما سواه، ويبيع في سبيل البقاء في معيته معية الأغيار.
ذكر الله بقلب خال من كل شيء، لكنه ممتلئ كله بالله؛ لتشرق عليه أنوار الحب فتفيض العين من شدة القرب وتسكب عبراتها حتى لكأنها تسقط في كف الرحمان فتزداد تلألؤا وإشراقا، ثم يجد بردها في قلبه ولا يبالي بعدها بما يلقاه.
التخلي منتهى الإقبال على الله..
هكذا فهمت بعضا من معاني “خاليا”..