هل أشرقت بداية الحوار الوطني بشأن المجتمع المدني لتشرق نهايته؟

Cover Image for هل أشرقت بداية الحوار الوطني بشأن المجتمع المدني لتشرق نهايته؟
نشر بتاريخ

لقد بلغ الحوار الوطني بشأن المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة نهايته في الموعد المحدد بعد سنة كاملة من انطلاقه. والآن جاء موعد النتائج والتقييم، رغم أن المنتظر أكبر من النتائج في حد ذاتها، والمنتظر الأهم، هو أثر النتائج على الواقع. السؤال الجوهري المطروح، هو ماذا بعد الحوار؟ لو افترضنا أن هناك حوارا مدنيا جادا ومعقولا. هل يمكن لنتائج المبادرة أن تفرض واقعا آخر؟ أم إن دار لقمان ستبقى على حالها. لا شك أن الحوار قد وقف على جزء كبير من المشاكل التي يتخبط فيها العمل الجمعوي بالمغرب لأنها واضحة ولا تخفى على أحد وليس فيها جديد. المشكل الكبير والخطير الذي لن تقدر المبادرة على معالجته، في تقديري، هو سرطان التسلط المخزني الذي يضرب بعرض الحائط كل القوانين ليفرض هيمنته وتعليماته، وتحويل الحق الجمعوي إلى امتياز ومنحة للموالين دون المعارضين. نسمع كل يوم عن منع نشاط هنا وهناك، وحصار جمعية هنا وهناك، كلما كان لصنف المعارضة ذكر فيها. ستكون المبادرة ناجحة لو عالجت هذا الإشكال لوحده، وستكون فاشلة لو أخفقت في ذلك، وليكن هذا حكما مسبقا إن شئتم.

الحوارات المجتمعية مطلب ملح وقناة ضرورية للتواصل والتفاهم وطريق نحو الميثاق في جوانبه المتعددة. تبدو الحوارات مصيرية وفي غاية الأهمية لضمان الاستقرار، وأساسية للتوافق والاتفاق على المبادئ المؤطرة للحياة السياسية والثقافية والمدنية وغيرها. إن مبادرة الحوار الوطني بشأن المجتمع المدني كادت أن تكون مبادرة طيبة لو سبقها تهيئ الشروط اللازمة للحوار الحقيقي، ولو انفتحت كما ينبغي على كل مكونات المجتمع المدني، لكن يبدو أنها ضلت الطريق وانطلقت متسرعة قبل إنضاج الشروط الكفيلة بإنجاحها وبذلك فقدت إشراق بدايتها. وهذا جزء من الفشل الذي سيلقي بظلاله على نتائجها.

يلاحظ أن عددا وازنا من الجمعويين لم يهتموا ولم يتفاعلوا كثيرا مع المبادرة التي لم يقتنعوا بجدواها، ولا بطريقة تدبيرها من أول يوم. لا أقصد الذين لم يشاركوا أصلا، ولكن حتى من بين الذين ساقتهم الأقدار وحب الاستطلاع للمشاركة، فالغالبية العظمى منهم إما متفرج أو ملاحظ. كما أن نسبة الجمعيات المشاركة، حسب الأرقام الرسمية المتضاربة، تبقى ضعيفة وغير كافية. الحوار مهم، لكن لا بد له من أساس وشروط لكي ينجح. قبل الحوار، ينبغي تطبيق القانون واحترامه، نريد الحرية حتى نستطيع التعبير. هل يمكن فعلا أن يفيد الحوار وفيما يمكن أن يفيد إذا كان المخزن متمسك بنمطه التعسفي وغير مستعد لتحرير المجتمع المدني ورفع الحيف عنه. الحوار مع المجتمع المدني لا يستقيم مع السكوت عن آلاف المضايقات التي تتعرض لها العديد من الجمعيات من طرف أعوان الداخلية ورجال الأمن والمخابرات باستمرار، رغم العمل في إطار القانون المنظم للحريات العامة.

المجتمع المدني متميز دائما بتنوعه وغناه واختلافه وتناقضه أحيانا وكل ذلك من حياته وحيويته. ومن لا قدرة له على القبول بالاختلاف واستيعاب التنوع لا يمكن أن يكون حواريا ولا ديمقراطيا. يستحيل الحديث عن مجتمع مدني بدون حرية وبدون حق الاختلاف. لذلك لا بد لكل مبادرة تستهدف المجتمع المدني أن تأخذ بعين الاعتبار كل مكوناته وإلا انتفت عنها مجتمعيتها ومدنيتها. نحن أمام مبادرة تستهدف المجتمع المدني بالمغرب، لكنها في الحقيقة لا تستهدف إلا مساحة ضيقة منه، لإقصائها لمكونات كثيرة وأساسية. أتساءل إذا كان سليما أن نتحدث عن مجتمع مدني في المغرب يستثني العديد من مكوناته الأساسية والفاعلة كالجمعيات الأمازيغية والنسائية والتنظيمات المجتمعية الأخرى. لو كانت المبادرة جادة حقا ما كانت لتستثني أحدا، لأن إنجاح أية مبادرة مجتمعية من غير فعاليات المجتمع وتنظيماته المدنية كلها، من آكد المستحيلات، إلا أن يكون الهدف منها هو إلهاء الشعب، وقطع الوعود الزائفة له، وإغراقه في الأحلام. ما أكثر المبادرات في هذا البلد، وما أضخم الميزانيات التي تصرف عليها، لكن، ما أخيب النتائج. ينتظر أن تكون مخرجات الحوار عبارة عن أوراق وملفات ونصوص مداخلات ومشاريع المذكرات التي تقدمت بها بعض الجمعيات وغيرها. لكن السؤال المحرج هو هل ستحل نتائج الحوار إشكالية العقدة التسلطية للمخزن؟ أكيد لا. هل نوقشت هذه الإشكالية أصلا بكل جرأة وشجاعة؟ أكيد لا. أحاول أن أفترض العكس لكن لا استعداد لدى المخزن للتنازل عن مخزنيته والمساهمة في تأسيس مجتمع الحرية المنشود.

المحاور الأساسية للحوار المنتهي، تشمل تفعيل الدستور في كل ما يتعلق بالمجتمع المدني، وتشخيص الحياة الجمعوية، واقتراح الحلول عبر القواعد القانونية التي من شأنها أن تؤهل الحياة الجمعوية وتمكن من بلورة ميثاق شرف للديمقراطية التشاركية. لن أخوض في مسألة الدستور الممنوح لأن المجال لا يسمح بذلك وقد قيل في شأنه الكثير رغم أن أصحاب “الحال” لا يعيرون ذلك أي اهتمام. إذا كان الأصل فاسدا فالفروع إلى زوال. أما بخصوص التشخيص فلا بأس منه لو أن كل المشاكل والأمراض المعلومة تمت معالجتها وأصبحنا بصدد تشخيص الوضعية الجديدة لوضع حلول جديدة وأخرى استباقية. إن الذي ينقصنا هو الإرادة الحقيقية للعلاج وليس الأكوام من المقترحات.

أرجع إلى البداية مرة أخرى لمحاولة فهم النهاية. إلى جانب موقف المشاركة، كان هناك ما لا يقل عن ثلاثة مواقف موازية من الحوار: موقف مقاطع منذ البداية والثاني منسحب بعدما صدمته الحقائق التي وجدها وهو يهم بالمشاركة، أما الثالث فمقاطع للعبث وللعملية كلها. وهناك أسباب تبدو مشتركة بين المواقف غير المشاركة كلها ومنها على الخصوص:

– الشك في جدية المبادرة أصلا، فالنظام في المغرب يريد المجتمع المخزني وليس المجتمع المدني.

– بعض المكونات غير مدعوة أصلا للمشاركة فهي مقصاة كما جرت العادة كلما كانت المبادرة رسمية، كما أن هناك أطرافا أخرى إما مقصية وإما منسحبة.

– شروط الحوار الجاد منعدمة منذ البداية واللجنة مغرقة بممثلي المؤسسات الرسمية تحت غطاءات متعددة.

– غياب الضمانات اللازمة لإنجاح حوار وطني شامل.

– الدستور المراد تفعيله ممنوح وغير شعبي فهو بلا روح والحياة بلا روح مستحيلة.

– غياب إطار مرجعي متفق عليه.

– الحوار الذي يقصي الغير غير جاد وغير ديمقراطي.

– الغرض من المبادرة هو محاولة إلهاء جزء من أبناء الشعب وثنيهم عن قضاياهم الأساسية لربح مزيد من الوقت.

المجتمع في يقظة مهما حاول النظام تنويمه. والشعب يعلم حيث توجد مصلحته، وله أولويات وعلى رأسها الحرية والخبز والعدل والكرامة… خلاصة القول، سنرى ماذا يمكن لحوار مشلول أن يقدمه مع نهايته، من نتائج على الأرض لا على الورق. وأتمنى صادقا أن أكون مخطئا في تقديري وأن يأتي الحوار بالمأمول وبما هو أفضل.