هل السّنّة كلام؟

Cover Image for هل السّنّة كلام؟
نشر بتاريخ

مدخل:

وضعت مقابلة بين كلمتي “الصمت” و”الكلام”، في سياق بناء الشخصية المتوازنة في زمن الصخب وخلط الأوراق بقصد أو غير قصد.

ولم أسع لحظة لإحداث سجال لغوي ولا تنابز اصطلاحي ولا نبش في مأساة تاريخ علم الكلام التي أسست لصراعات فلسفية تحولت إلى صراعات مذهبية.

أجدني مضطرا لتوضيح الواضحات ووضع المسلمات والبدهيات، حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود.

ماهي السنة؟

قال الله عز من قائل: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ (المائدة، 48). فسر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الشرعة بأنها ما جاء به القرآن، والمنهاج ما جاءت به السنة. فعلى هذا تكون الشريعة أو الشِّرْعَةُ أمر الله المنزل الضابط للتكليف وشروطه وأحوال المكلفين، ويكون المنهاج هو التطبيق العملي للشريعة، وإنزالها على أحداث التاريخ في الإطار الزماني والمكاني والاجتماعي الاقتصادي السياسي المتغير المتطور، الذي تمثل السيرة النبوية نموذجا فذا له، لكن نموذجا حيا قابلا للتجدد في روحه وإن تنوع الشكل. وبهذا الفهم الواسع المتحرك للسنة يمكننا أن نتجاوز ضيق من يفهم السنة تكرارا حرفيا تعبديا للشكل، تكرارا يضيع معه ومن جرائه روح السنة وأهدافها. فما كان من السنة تعبدا من أقوال الرسول ﷺ وأفعاله وتقريراته ثوابت لا يجوز عليها التحويل. وما كان منها سلوكا سياسيا ومعالجة لحياة الناس وسياسة للمال والجهاد دخل في حيز الصناعة التي تستقي الحكمة من معين الوحي والنبوة، والحكمة العملية من خبرة التاريخ.

وهي صناعة يساعد على فهمها صيغة «مِفْعال» التي جاء عليها «منهاج» الدالة في لغة العرب على الآلة كمسمار، أو مجال الحركة كمضمار، أو أداة القسمة والعدل كميزان. سنة إذا هي المنهاج بشمولية قابلياتها في الفعل والحركة ووضع الأمور في مسارها الشرعي.

السنة شورى في الحكم، ثم لا بأس إن جلس المؤمنون في المسجد يدبرون أمرهم أو جلسوا في بيت خاص سموه برلمانا أو غير ذلك يتفرغون فيه لشأنهم.

السنة إخاء وعدل. وذلك يقتضي حسن الخلافة عن الله في ماله، وحسن القسمة، وحسن التضامن والمواساة. لا دخل في ذلك لنوع إدارة الاقتصاد وتشجيع الإنتاج ما دام ذلك لا يتعدى حدود الله إلى الإسراف والتبذير وأكل أموال الناس بالباطل.

السنة قوة. لا يسألنا الله كيف صنعنا السلاح ولا كيف نظمنا مدارس العلم ومعامل الصناعة، ولا عن تقنيات كل ذلك. إنما يسألنا وتلعننا السنة إن لم نُعِدَّ ما أُمِرْنا به من قوة، وإن لم ننظم وسائلنا البشرية والعلمية والمادية لنصنع اقتصاد القوة والكفاية ولننظم مجتمع القرآن ودولة العز بالله القوي العزيز.

وبعد:

بعد هذا التبيان، يتضح جليا أن السنة النبوية ببعدها الشوري في الحكم والعدلي في المجتمع والإحساني عند الأفراد تحول الإرادة إلى قوة اقتحامية. فالسنة النبوية بهذه الأبعاد تشكل منهاج حياة وصوى في الطريق تخرج العقل من محنة الهوى وتفتح السبيل للقلب لينبض على إيقاع الوحي.

السنة تنافي البدع، تنافي الشرك المتسرب إلينا مع كل خيط يربطنا برباط التبعية والتلمذة والانكسار الانهزامي أمام الجاهلية.

فالسنة ليست كلاما مجردا يتبخر أثره بفعل عوامل تعرية الزمان والمكان والأحوال. فهي إذن منهاج تغيير الإنسان والمجتمع.