تقديـم
شهد المغرب على غرار بعض الدول العربية ما أطلق عليه الربيع العربي متمثلا في حركة 20 فبراير، فبادر النظام المخزني كعادته إلى الالتفاف حول مطالب الشعب المغربي فقام بتغييرات في الدستور شملت بعض نصوصه التي وسعت في زعم البعض في سلطات بعض المؤسسات.
إلا أنه بمجرد إلقاء نظرة عابرة في مضمونه يتضح جليا أن جوهره بقي كما كان، وأن كل السلط لا تزال في يد الملك، وهذا لا يختلف فيه اثنان، وعند النظر مليا في بعض النصوص الدستورية وربط بعضها ببعض ومقارنتها مع بعضها يتضح مدى التناقض الوارد بينها، وعدم الانسجام مع النظام المختار كنظام سياسي دستوري.
ينص الفصل الأول من الدستور في الفقرة الأولى على أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية، دستورية، ديمقراطية، برلمانية واجتماعية)، وما يفهم من هذه الفقرة أن النظام المختار في المغرب هو نظام ملكية دستورية، برلمانية. فهل فعلا نظام الحكم بالمغرب ملكية دستورية برلمانية؟
تقتضي الإجابة عن هذا السؤال الحديث عن الملكية المطلقة، ثم الحديث عن الملكية الدستورية، وبعد ذلك الحديث عن النظام البرلماني، ثم محاولة المقارنة بينهما للوصول إلى الإجابة عن السؤال المطروح أعلاه.
نظام الملكية المطلقة
نظام الملكية المطلقة هو نظام يكون فيه للملك أو الملكة (رئيس الدولة) سلطة مطلقة على كافة جوانب حياة رعاياه ولديه تحكم كامل وجامع لكل السلط، وقد نجد في بعض الملكيات المطلقة برلمانات ومؤسسات أخرى رمزية وصورية لا سلطة لها.
والملكية المطلقة ظهرت في الغرب بعد انهيار الديمقراطية في روما، ويعتبر لويس الرابع عشر ملك فرنسا مثالا جسد نظام الملكية المطلقة واشتهر بقولته “أنا الدولة”، وتكون السيادة في الملكية المطلقة بيد فرد واحد .
وفي غالب الأحيان كان الملوك في الأنظمة المطلقة خاصة في روسيا القيصرية يستندون في ممارسة السلطة المطلقة إلى “الحق الإلهي”، ولم يكن رعاياهم يملكون الحق في الحد من سلطتهم المطلقة. والملك في الملكية المطلقة رغم أنه يمارس سلطة مطلقة فهو غير مسؤول عن أي شيء وغير مسؤول أمام أية جهة. والأنظمة المطلقة قد لا تكون أنظمة ملكية كما كان عليه الحال في النظام الفاشي بإيطاليا والنازي بألمانيا أو في اليابان.
الملكية الدستورية والنظام البرلماني
تسمى الملكية الدستورية أو الملكية المحدودة، وقد جاءت بديلا عن الملكية المطلقة بعد الثورة الإنجليزية سنة 1688 والفرنسية سنة 1789. وكلا الثورتين كانت ضد أنظمة ملكية مطلقة، والملك في النظام الملكي الدستوري يكون دوره رمزيا ووجوده بالاسم فقط، ورئيس الحكومة والوزراء هم الممارسين الفعليين وذوي السلطات الفعلية لكونهم يستمدون قوتهم وسلطتهم من كونهم منتخبين من قبل الشعب. وهؤلاء، أي رئيس الحكومة والوزراء، مسؤولون أمام البرلمان. ويقدم النظام البرلماني على أساس مبدإ فصل السلطات، والتوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. لذلك نجد أغلب الملكيات الدستورية برلمانية مثل المملكة المتحدة مهد النظام البرلماني حيث تكرس مبدأ الملك يسود ولا يحكم)، وانتقل هذا النظام إلى دول أخرى مثل كندا واليابان وإسبانيا. ويعتبر الكثيرين إسبانيا حاليا الملكية الدستورية الأكثر تجسيدا للديمقراطية. وكانت فرنسا أول دولة أخذت بنظام الجمهورية البرلمانية سنة 1875.
هل نظام الحكم في المغرب فعلا ملكية دستورية برلمانية؟
للإجابة عن هذا السؤال أعرج على ما تنص عليه بعض النصوص الدستورية فيما يتعلق باختصاصات رئيس الدولة ليتبين لنا بالملموس هل منطوق هذه النصوص وما تخوله للملك من اختصاصات وسلطات توحي أن نظام الحكم المنصوص عليه بالدستور هو نظام ملكي دستوري برلماني فعلا أم لا؟
فالملك أمير المؤمنين وحامي الملة والدين -المادة 41- وهو رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدتها والحكم الأسمى بين المؤسسات -المادة 45- ويعين رئيس الحكومة ويعفي عضوا من أعضائها أو اكثر -المادة 47- وهو رئيس المجلس الوزاري وهو أهم مجلس -المادة 48- وله حق حل مجلسي البرلمان -المادة 51 و96- وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية وله حق التعيين في الوظائف العسكرية -المادة 53- وهو رئيس المجلس الأعلى للأمن -المادة 54- ويعتمد السفراء لدى الدول الأجنبية ويعتمد لديه السفراء ويوقع على المعاهدات -المادة 55- وهو رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية -المادة 56 و115- ويعلن حالة الاستثناء -المادة 59-…
بذلك يتضح جليا أن الدستور أسند وخول للملك السلطات الجامعة المانعة، سلطات مطلقة على عكس ما هو متعارف عليه في النظام الملكي الدستوري الذي جاء في الأصل للحد من سلطات الملك المطلقة، وبذلك سمي أيضا بنظام “الملكية المحدودة” حيث الملك يسود ولا يحكم ووجوده رمزي فخري وشرفي فقط وبدون سلطة فعلية، وبذلك فالنظام السياسي الذي يقرّه منطوق النصوص الدستورية المذكورة أعلاه هو نطام ملكية مطلقة على عكس ما نصت عليه المادة الأولى من الدستور في الفقرة الأولى من كون نظام الحكم في المغرب “ملكية دستورية برلمانية ديمقراطية”، ووجود بعض وسائل الأنظمة البرلمانية مثل البرلمان والحكومة والانتخابات… ما هو إلا وجود صوري غرضه تزيين واجهة النظام المطلق الذي تقره نصوص الدستور بغض النظر عن الممارسة اليومية التي لا تؤكد إلا أن النظام السائد هو نظام مطلق مستبد بامتياز.
وفي ظل دستور يجمع بين هذه المتناقضات فلا يمكن الجمع بين نظام ملكية مطلقة ونظام ملكية دستورية فيها وجود الملك شرفي فقط، كما لا يمكن الجمع في دستور واحد بين نظام ملكي فردي بطبيعته، السلطة فيه للملك وحده، وبين نظام برلماني متعدد السلط بطبيعته، ودستور كهذا من المستحيل أن ينتج ديمقراطية، ومن المستحيل أن ينتج برلمانا حقيقيا أو حكومة ذات سلطات فعلية حقيقية لأن للملك حل الأول وإعفاء أعضاء الثانية رغم أن الشعب هو الذي انتخبهما، ومن المستحيل أن تؤدي الانتخابات دورها الحقيقي لأن الفاعل الحقيقي هو رئيس الدولة، فما جدوى انتخاب “سلطات” لتشتغل أجيرة لدى رئيس الدولة؟