لا يسع المتتبع للشأن السياسي والأوضاع الاجتماعية المغربية اليوم، إلا أن يقر بتصاعد وتيرة الاحتجاجات في كل المدن المغربية وبتزايد الاحتقان الاجتماعي الذي ينذر بموجة من الاحتجاجات والتمرد الشعبي على سياسات الدولة، التي لم تستطع رغم مناوراتها المفضوحة لملمة جراح شعب مقهور، يكتشف يوما بعد يوم أنه لعبة تستغلها طغمة حاكمة لأجل مآربها الشخصية، يكتشف أن ما بعد عشرين فبراير إنما كان وهما، كان التفافا على المطالب الحقيقية للشعب، عندما لعب المخزن لعبته الخبيثة وسانده في ذلك من سانده، فبقيت جمرة الغضب متقدة في قلوب الجماهير المطحونة، التي لن ترضى بديلا عن الحرية والكرامة والعدلة الاجتماعية.
الكل كان يتنبأ بتصاعد وتيرة الاحتجاجات، خصوصا بعد أن نفذت كل أوراق النظام التي يحاول من خلالها إحكام سيطرته على كل مداخل الإصلاح والتغيير بهذا البلد، والتي كانت آخرها “حكومة إسلامية” سرعان ما أقر الكل بعجزها، وتجاوزها من طرف الماسكين بدواليب الدولة العميقة، إلا أن الفراغ التأطيري الذي يمكن أن تشهده الاحتجاجات الشعبية المفترضة، وعدم توجيه موجة الغضب من طرف كل الفاعلين السياسيين لتمكين الشارع للمتظاهرين بعقلانية ورفق ودون عنف، قد يجر الشارع المغربي إلى مآل قد لا يرضاه أحد منا، مهما اختلفت قناعاته وتوجهاته. فنماذج الثورات ترسخت في أذهان كل الشعوب التواقة للحرية والكرامة، وجنود العولمة احتلت من ثقافاتنا حيزا يصعب معه التنبؤ بطريقة ووتيرة تفاعل الشعوب، ولو سجل التاريخ سيرتها في فصل من فصول الطيبوبة والتسامح (وكأن التسامح هو رديف العجز والرضا بالدونية).
موجة الربيع العربي عمت حمولتها الايجابية وثقافتها الثورية كل الشعوب المقهورة والمظلومة، فلا سياسة القمع والترهيب عادت تجدي، ولا المراوغة والمماطلة تسكن آلام الشعوب، ولا التقليل من أولوية المطالب بميزة، ولا إقصاء المعارضة ومنعها من حقها الطبيعي في التواصل والتأطير العلني والقانوني بحكمة.
حركة 20 فبراير كسرت حاجز الخوف عند كل المغاربة، ونمت بفعلها ثقافة الاحتجاج والمطالبة بالحقوق المشروعة، ومع توالي الأيام وتردي الأوضاع انتشرت ثقافة الاحتجاج وطفا بعض من خبئها، في الحسيمة وطنجة ومراكش والبيضاء، واللائحة طويلة. واليوم نسمع عن احتجاج عام تلقائي بكل المدن المغربية انتصارا للمظلومين من أبناء الشعب المغربي، وانتفاضة بائع السمك مثال على ذلك.
من يصم أذنه عن دبيب الشارع ومطالب فئاته الاجتماعية، لا شك لم يفهم الرسالة بعد، رغم وضوحها.
فما يحدث الآن من حراك جماعي، إنما يدل على نضج المجتمع وعلى ارتفاع مستوى الوعي بالقضايا المصيرية، على أن العجلة لا يمكن أن تعود للوراء. فهي موجة من النهوض نحو آدمية الإنسان وسموه إلى صف الكرامة الذاتية التي لا ترضى الذل والظلم والاحتقار. هي دورة الحياة التي ترفع أقواما وتضع أقواما. بكل بساطة، إنه الطوفان قادم.