هل للمرأة المغربية دور فعال في الانتخابات؟ دة. صباح العمراني تجيب

Cover Image for هل للمرأة المغربية دور فعال في الانتخابات؟ دة. صباح العمراني تجيب
نشر بتاريخ

قالت الدكتورة صباح العمراني، الباحثة في العلوم السياسية – قضايا “المرأة والنوع”، أثناء دردشة عامة افتتح بها الإعلامي عبد السلام كليولة ندوة عن بعد تمحورت حول الإجابة عن سؤال: هل للمرأة المغربية دور فعال في الانتخابات أم تستعمل فقط لجلب الأصوات؟ مساء الأربعاء 1 شتنبر 2021، إنه في الدول المتخلفة التي تتسم بسيادة الفساد والاستبداد لا يختلف موقع المرأة عن موقع الرجل كثيرا. وأكدت أنه “فقط الفئة المستفيدة من الريع الاقتصادي والسياسي والمحسوبية.. من يسمع صوتها، أما ذوو المروءات وكل من يدافع عن مصالح المجتمع ككل، وضمنها مصلحة المرأة والطفل والشباب والشيوخ.. فتقمع أصواتهم، ويتهمون بكونهم خونة للوطن وغيرها من الاتهامات..”.

وأقرت العمراني بأن “الحركة النسائية في المغرب لعبت دورا كبيرا تحققت على إثره مجموعة من المطالب والمكتسبات للنساء”، غير أنها وصلت مرحلة تم فيها احتواء هذه الأصوات التي كانت في وقت ما تبحث فعلا عن مصلحة المرأة، فتم إدماجها، وخضعت لتدجين سياسي”. وأضافت: “طبعا هناك استثناءات، لكنها هي أيضا محاصرة، وأحيانا تحاصر نفسها بنفسها.. هناك عوامل ذاتية وموضوعية تمنعها من رفع صوتها وتبليغ كلمتها رغم أنها على حق، ذلك أن هناك من يحسسها أنها لا زالت لم ترقَ إلى مستوى الإفصاح عن هذه المطالب، التي يضمنها الشرع أولا ويضمنها القانون”.

وذكرت بعض مداخل التمكين للمرأة من المشاركة السياسية الحقة، ومنها “أن تتوفر لدينا إرادة سياسية داعمة للمرأة، بعيدا عن “الرتوشات” وجعلها قضية موسمية؛ في الحملات الانتخابية مثلا، بل يجب أن تسعى الاستراتيجيات ووضع الخطط إلى إعطاء القيمة للمرأة، باعتبارها شريكة الرجل في الوطن، وفي الأعباء.. إضافة إلى دورها الاستراتيجي داخل الأسرة”. وأيضا “فتح باب الاجتهاد في قضايا النساء، على أن لا يكون فرديا، بل مؤسساتيا؛ يضم: عالِم الدين والفقيه والأصولي وعالم الاجتماع والسياسة والاقتصاد.. كي نعطي حلولا فعلية لقضايا المرأة في إطار قضايا المجتمع التي تجمع الرجل والمرأة”.

وفندت الباحثة بمركز بن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية اختصار المشاركة السياسية في قضايا الانتخابات والتصويت.. وذكرت أن هناك من يعرف “المشاركة السياسية بكونها المشاركة في القرار السياسي؛ ترشيحا أو تصويتا أو استفتاء، وهناك أيضا تعاريف تدمج في العمل السياسي الاحتجاج والمقاطعة.. وأي فعل يمكنه أن يؤدي إلى تدبير وتسيير الشأن العام بصفة عامة.. بل أكثر من ذلك هناك من يعتبر لباس زي معين موقفا سياسيا، وهناك أحزاب في الغرب تتبنى العمل البيئي..” لتخلص إلى أن “العمل السياسي لا يمكن اختصاره فقط في مسألة الانتخابات”.

وأوضحت صاحبة كتاب “المرأة والمشاركة السياسية في المغرب” أنها تختار نهج مقاطعة الانتخابات، معرّفة المقاطعة بكونها “فعلا واعيا، أي الامتناع عن القيام بشيء لعدم جدواه أو لعدم الثقة في الممارسين له أو لعدم الثقة في الجهة التي تتبنى الانتخابات”. واعتبرت أن “مقاطعة الانتخابات جزء من المشاركة السياسية”، مبينة أنها تدخل في إطار “المشاركة السياسية غير الرسمية والتي ضمنها الاحتجاجات والمقاطعة والإضرابات”. وضربت المتحدثة المثال بما وقع في ثورات دول جنوب إفريقيا؛ مثلا نلسون مانديلا وما أحدثه من تغيير، وما وقع في الربيع العربي، حيث “تم تغيير أنظمة بالاحتجاجات لا بالانتخاب ولا بوسائل المشاركة السياسية الرسمية”.

وعللت العمراني خيارها بالأسباب التالية: “خلال الاستحقاقات الانتخابية التي عرفها المغرب منذ 1962، كان من المفروض أن يحظى من أفرزتهم صناديق الاقتراع بسلطة في تدبير الشأن العام؛ سواء المحلي أو الوطني من خلال البرلمان، وعندنا منذ 1962 أناس منتخبون وآخرون معيّنون، وسلطة المعيَّن أكبر من سلطة المنتخَب. والأدهى من ذلك أن المؤسسة الملكية هي التي تحكم، يمكن أن نسميها الدولة العميقة أو حكومة الظل، لكن هي من يصدر أغلب القرارات وتحتكر مجموعة من الاختصاصات، وحتى دستور 2011 وضع أيضا اختصاصات كبيرة في يد الملك وهو رئيس الدولة”. 

وأعطت الدليل بكون المؤسسة الملكية هي التي تحكم بالبلوكاج، والذي بقي فيه المغرب من دون حكومة مدة من الزمن، وبقيت الأمور تسير بشكلها العادي، ولما أفرزت الحكومة كانت هجينة؛ تضم اليسار واليمين وحزب إسلامي، وهذا يلقي بظلاله على البرامج التي تبنى على الخلفية الإديولوجية.

و”على المستوى المحلي، في القوانين التنظيمية التي برزت قبل 2014 فيما يتعلق بالجهة وبالجماعات الترابية تبقى سلطة المعيَّن أكبر من سلطة المنتخب، مثلا الميزانية، ونحن نعلم أن عضد تدبير الشأن العام هو المال، إن لم يوافق عليها العامل أو الوالي لا يمكن للجماعة أن تقوم بأي مشروع استثماري..”.

وأضافت العمراني معددة أعطاب مدخلات العملية الانتخابية في المغرب: “القاسم الانتخابي أصبح على أساس المسجلين لا على أساس الأصوات الصحيحة، الآن الإشكال المطروح هو أن القاسم الانتخابي في الانتخابات البرلمانية على أساس المسجلين، وفي الجهة وفي الجماعات الترابية على أساس عدد المصوتين وليس على أساس الأصوات الصحيحة، وبذلك قد يتساوى الحزب الحاصل على 4000 صوت مع آخر حاصل على 1000 صوت.. والعتبة أزيلت، فأصبحنا نضرب في الديمقراطية بسبب تبني هذا القاسم”.

وفي محور تقييم تجربة المرأة المغربية في الانتخابات والعمل السياسي بصفة عامة، قدمت العمراني بشكل سريع لمحة تاريخية بنت عليها تقييمها، فـ”أول دستور صدر في المغرب أعطى المرأة الحق في التصويت، ثم نادت مجموعة من الأصوات بمطالب دخول النساء المعترك السياسي وخاصة الانتخابات، في المجالس الجماعية آنذاك، ما يسمى بالجماعات المحلية والذي تغير مع دستور 2011 وأصبحت الجماعات الترابية، ثم البرلمان. لا نتكلم عن مجالس الأقاليم والجهات لأنها كانت عن طريق الاقتراع غير المباشر. فكانت الترشيحات لا تتجاوز 20 إلى  30 في البرلمان، ورغم ذلك لم تدخل النساء للبرلمان حتى 1993، حيث دخلت امرأتان بشكل تعيين أكثر منه انتخاب، وفقا لإرادة سياسية كانت موجهة للخارج أكثر منها للداخل، لأنه في هذه السنة كانت بداية ما سمي بمرحلة التناوب والتي حصلت فيها مجموعة من التحولات السياسية؛ كعودة المهجرين والإعفاء عن المعتقلين السياسيين.. ومن بينها دخول امرأتين للبرلمان.

في 2002 تم إقرار ما يسمى بالكوطا، المجلس الدستوري آنذاك رفض ما يسمى بالكوطا أو التمييز الإيجابي، فحصل توافق أخلاقي بين الأحزاب على لائحة وطنية تخصص للنساء، وفعلا تم ذلك، أي 30 امرأة نجحت في هذه السنة عن طريق اللائحة الوطنية و5 نساء عن طريق اللوائح الوطنية، فأصبح العدد 35 امرأة.

في الانتخابات البرلمانية الموالية نقص العدد في اللوائح الوطنية وأصبح عندنا 4 نساء، بمعنى أنه إن حذفنا اللائحة الوطنية سيكون فعلا هؤلاء الأربع هن من دخلن البرلمان؛ في 2007 كان العدد إذن 34. نفس الشيء بالنسبة للانتخابات الجماعية لم يكن هناك تواجد للنساء.

بعد دستور 2011 كان هناك تغييرات في النص فأصبحت اللائحة الوطنية تضم 60 امرأة و30 شابا، وجعلت الأحزاب الثلاثون شابا كلها ذكورا، فلم يرشح أي حزب امرأة في لائحة الشباب.

بعد انتخابات 2016 أصبح العدد 81 امرأة؛ 60 في اللائحة الوطنية و11 في لائحة الشباب، وما تبقى من اللوائح المحلية. نفس الشيء بالنسبة للجماعات الترابية هناك 12، تخصيص لائحة إضافية سواء بالنسبة للجهات بعد أن أصبح الاقتراع العام مباشر في الجهات بالنسبة للجماعات المحلية”.

واستدعت العمراني في بناء تقييم الحصيلة بعض المعطيات المعينة: “عدد النساء في المغرب هو 51,6 في المائة مقابل عدد الذكور، عدد ترشيحات النساء حتى اللواتي يرشحن في اللوائح المحلية يضعوهن إما في المرتبة الثالثة أو الرابعة على أساس أن اللائحة يأخذ منها الأول والثاني، بمعنى أنهم يؤثثون بهن المشهد السياسي فقط.

بخصوص رئاسة الجماعات المحلية؛ في 2009 كان هناك 12 رئيسة جماعة محلية، وفي انتخابات 2015 أصبح العدد 9 رئيسات، وللعلم فإنهن في العالم القروي أكثر عددا من العالم الحضري.

بالنسبة للجهات ليست هناك رئيسة جهة إلا عندما تم استبدال رئيس جهة كلميم أخذت مكانه امرأة.

بالنسبة للولاة هناك تغييب للمرأة.

العمال هناك نسبة شبه ضئيلة.. بمعنى أن المناصب السامية تعرف إجحافا للمرأة”.

وفي المقابل أوضحت الحائزة على وسام التميز العلمي في المؤتمر الدولي الأول للمرأة المتميزة أن “المرأة المغربية أثبتت كفاءتها على مستوى المناصب، هناك دراسة أجريت حول مردودية المرأة لاحظت وبالأرقام بأن مردودية المرأة في الإدارة العمومية أكثر من مردودية الرجل.. على مستوى التعليم تخبر نتائج البكالوريا والولوج إلى معاهد الهندسة والطب والصيدلة أن عدد الإناث يفوق عدد الذكور. بمعنى أنه من ناحية التحصيل الدراسي ومن ناحية العطاء في الوظيفة العمومية تفوق الإناث الذكور، ورغم ذلك هناك عقلية ذكورية تهيمن، والتي نساهم فيها نحن أيضا كنساء بنصيب أوفر فلا نعطي لبعضنا حتى الثقة”.

وعادت العمراني لمسألة الكوطا أو التمييز الإيجابي لتبين أنه “تم اعتمادها مرحليا ريثما تأخذ النساء طريقهن في العمل السياسي، ويبرزن على المستوى الإعلامي، غير أنه منذ 2002 ولمدة 19 سنة لم يحصل هذا، فلا نرى إلا استغلالا لجسد المرأة، حتى في الترشيحات، والأمر ظاهر في هذه الانتخابات بحيث توضع النساء الجميلات في الواجهة، وهناك بعض اللوائح غيبت صورة المرأة ووضعت مربعا فارغا.. إذن هناك استغلال وجودهن في الترشيحات. وأيضا في الحملات الانتخابية، فيتم استغلال فقر النساء وجهلهن ويتم استعمالهن في الحملات..”.

وأضافت باستنكار “الكوطا في المغرب أصبحت نوعا من الريع السياسي، حيث تجد أن رئيس الحزب يضع في اللائحة الوطنية زوجته وأخته وابنته.. في المراكز الأولى، فنجد لائحة كلها مخصصة لعائلة.. وهذا أمر خطير، أصبحوا يسترزقون بالسياسة على حساب هموم المواطنين”.

وقارنت أيضا وضعية تواجد المرأة في المؤسسات السياسية؛ البرلمان والجماعات الترابية في المغرب مع دول الجوار، فقالت: “المغرب يحتل المرتبة الأخيرة بالنسبة لدول الجوار – الجزائر وتونس – رغم أنه كان احتل المرتبة 67 عالميا في 2002”.

بناء على كل هذه المعطيات خلصت المتخصصة في قضايا “المرأة والنوع” أن “واقع المرأة المغربية أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه واقع مهين”.

ولفتت إلى أنه على مستوى الترسانة القانونية هناك تجدد، لكن على مستوى التنزيل هناك مشكل، وما يعبر عنه حسب قولها هي نسب الفقر، ونسب مشاركة المرأة في الجانب الاقتصادي، والنسب التي يحصدها المغرب في التعليم، ونسب أمية المرأة، وأيضا المستوى الصحي..

وردّت عوائق هذا الوضع “المزري” إلى “عوامل ثقافية ومنها الفهم الخاطئ للنصوص الدينية، وإلى مؤسسات التنشئة السياسية؛ الأسرة والمدرسة والإعلام، الذي يلعب دورا خطيرا بحيث لا يعطي المرأة المكانة التي تستحقها؛ فهي إما سلعة تقدم الإشهارات أو في المسلسلات امرأة مستكينة أو متسلطة، ولا نرى نوع النساء القياديات علميا وإداريا.. وهناك أيضا العائق السياسي؛ بحيث يحول الفساد السياسي دون وصول النساء إلى مناصب القرار، لأن الأحزاب تخدم الولاءات والزبونية والريع السياسي، وأيضا على المستوى الاقتصادي تكلمنا على نسب الفقر وتدني المشاركة في المقاولات، وعلى المستوى الاجتماعي هناك الهشاشة والأمية والجهل والاستغلال..”.

وبسطت العمراني في نهاية مداخلاتها بعض مداخل التمكين كما يلي:

– “أن نضع نحن كنساء يدنا في يد بعض ونفهم أن الحل يكمن في الوعي بوظيفتنا داخل المجتمع ووظيفتنا داخل الأسرة ووظيفتنا داخل الأمة، كيف أخدم الأمة من داخل برجي الاستراتيجي، كيف أكون أما حاملة للتغيير، أما تربي أجيالا للتغيير، وأحاول تأسيس وعي داخل المجتمع ابتداء من وسطي لأبلغ أن الله خلقني لتبليغ رسالة أزاوج فيها بين وظيفتي الأسرية وبين وظيفتي في التدافع داخل المجتمع، هذا الوعي المزاوج بين خلاصي الفردي وخلاص أمتي الجماعي يجب أن أحاول نشره داخل المجتمع.

– الترسانة القانونية مهمة، فإذا تكلمنا على الجانب التربوي القيمي الأخلاقي ولم ينفع، فيلزم تنزيل القوانين. مشكلتنا أننا نستورد قوانين في قوالب غربية ونحاول تنزيلها في مجتمع لا يتناسب معها، نأخذ مثالا من قانون الأسرة: رفع سن زواج الفتيات إلى 18 سنة، وعندنا في العالم القروي يتم تزويج البنات في سن مبكر، المشكل أنه لا يتم دراسة الأثر حتى فيما يخص القوانين.. التطور جميل لكن يلزم دراسة أثره لنرى هل ما ينفع في منطقة الجنوب الشرقي أو جبال الأطلس هو نفسه ما ينفع في منطقة أخرى، كي نضع نوعا من التوازن. يجب إذن ملاءمة الترسانة القانونية مع مجتمعنا، لتكون استجابة لمتطلبات مجتمعنا.

– دور الإعلام، رأينا ما سمي الاستراتيجية الوطنية من أجل الإنصاف والمساواة بين الجنسين، ولكنها منذ 2006 لم تتفعل إلى الآن. بل نرى برامج تهين المرأة، وهنا نسائل سلطة الدولة في مراقبة الإعلام”.

وختمت ببعض الملاحظات الهامة في الموضوع: أولها أنه “لتجاوز هذا الواقع يلزمنا مقاربة شمولية يتداخل فيها الجانب القيمي والأخلاقي والسياسي والاقتصادي.. يجب الرفع من هذه الجوانب كلها بمشاركة الرجل في الإصلاح والتغيير، وهو الذي يهمه ما يهم المرأة، لأن واقعه ليس بعيدا كثيرا عن واقع المرأة”.

وأن “تمكين المرأة في الجانب السياسي ينطلق من تمكين المجتمع برمته؛ بتغيير العقليات، وبدمقرطة المشهد السياسي، ثم تملك المواطن لقراره السياسي دون تدخل الدولة”.

وبأن “قضية تمكين المرأة المغربية قضية مركبة، يتداخل فيها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.. وأي استراتيجية يجب أن تستحضر كل هذه الجوانب”.

وأخيرا فإن قضية تمكين المرأة بالنسبة للعمراني “ليست معزولة في شكلها ومضمونها عن قضايا المجتمع ككل، وأي تفكير في تسوية مشاكل المرأة بمعزل عن النهوض بالمجتمع ككل، لن تكون نتائجه إلا محدودة قاصرة عن تحقيق الأهداف. فالإصلاح والتغيير لابد أن يكون عاما وشاملا”.