وأقم الصلاة | 7 | حي على الفلاح.. أرحنا بها يا بلال

Cover Image for وأقم الصلاة | 7 | حي على الفلاح.. أرحنا بها يا بلال
نشر بتاريخ

“أرحنا بها يا بلال 1!” … الاسم اسم ثبات، ونداء شموخ.

“بلال” العبد الحر، الشامخ الثابت، يفوز بشرف النداء للصَّلاة، وتاج الدعوة للفلاح.

“بلال” سيِّدُ المؤذنين، سيدُ مَن شرَّفهم الله تعالى بطول أعناقهم يوم القيامة، تشوُّفاً إلى رحمة الله تعالى وفضله، عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» 2.

هذا بلال الصوت الأول الذي نادى للصلاة، نادى للقاء بالله رب العالمين، في حياته عِبْرةٌ لكل مؤذن، ودرسٌ بليغٌ لكل منْ يُريد أن يكون ذا شأن في الآخرة، مع الذين يتشوفون ويفرحون بما يرون من فضل الله تعالى.

نعم قارئي العزيز!

عطِّرْ صوتك بالآذان كلما سنحتِ الفُرصة، وسمِّع أبناءَك مرَّة بعد مرةٍ صوت نداء المفلحين. واستمع لمنادي الفلاح بأذنك، وأنصت له بقلبك، وهو يردد الأذان: الله أكبر، الله أكبر…

لحظة خشوع في بيوت السكينة، ومنازل  المودة والرحمة، حين تجتمع الأسرة على ترداد الأذان مع المؤذن، عَنْ عبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرِو بْنِ العاصِ رضِيَ اللَّه عنْهُما أَنه سَمِع رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: «إِذا سمِعْتُمُ النِّداءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا علَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى علَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ بِهَا عشْراً، ثُمَّ سلُوا اللَّه لي الْوسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنزِلَةٌ في الجنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلاَّ لعَبْدٍ منْ عِباد اللَّه وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُو، فَمنْ سَأَل ليَ الْوسِيلَة حَلَّتْ لَهُ الشَّفاعَةُ» 3، ومن صيغة هذا الدعاء: “وأنا أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربّاً وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا. اللهم ربَّ هذه الدعوة التامَّة، والصَّلاة القائمة، آت سيدنا محمَّداً الوسيلة والفضيلةَ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته” 4

وعَنْ سيدنا عبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرِو بْنِ العاصِ رضِيَ اللَّه عنْهُما أَنه سَمِع رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: «إِذا سمِعْتُمُ النِّداءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا علَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى علَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ بِهَا عشْراً، ثُمَّ سلُوا اللَّه لي الْوسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنزِلَةٌ في الجنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلاَّ لعَبْدٍ منْ عِباد اللَّه وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُو، فَمنْ سَأَل ليَ الْوسِيلَة حَلَّتْ لَهُ الشَّفاعَةُ» 5.

وَعنْ جابرٍ رضَي اللَّه عنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: «من قَال حِين يسْمعُ النِّداءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعوةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ الْقَائِمةِ، آت مُحَمَّداً الْوسِيلَةَ، والْفَضَيِلَة، وابْعثْهُ مقَامًا محْمُوداً الَّذي وعَدْتَه، حلَّتْ لَهُ شَفَاعتي يوْم الْقِيامِة» 6.

ها قد انتهى الإنصات السمعي والإصغاء والقلبي لعبارات الأذان ترتفع في السماء وتعلو، وتشرئب معها الأعناق إلى ما عند الله تعالى، ثم ترفع أكف الضراعة، ثم تنحن الهامة لعظمة الله تعالى وتدرك تمام الإدراك أن ما بين الأذان والإقامة لحظات استجابة الدعاء،‏ ففي حديث أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: “إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا” 7.

اللهم استجب دعواتنا، وحقق رجاءنا وبلغ مقصودنا… آمين.

هنا تسري الإرادة الإيمانية في القدمين المتوضئتين لتنهضا حاملة الجسد المؤمن إلى بيت الله، حيث يكرم الكريم ضيفه، ويرحب به أيما ترحيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تطهر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته، إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة» 8، وعن بريدةرضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» 9.

ها هي الخطوات تقترب من بيت الكريم المنان، وتذكر بسيد ولد عدنان، سيد المرسلين، فتخطو القدم اليمنى متقدمة لباب المسجد، واللسان يقول والقلب حاضر: “أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك” 10.

بهذا الدعاء، تجد نفسك، أيها المؤمن، أيتها المؤمنة في بيت الله الكريم، فبعد ركعتي تحية المسجد تتداعى الأعضاء للقيام لرب العالمين، حين تعلن تكبيرة الإحرام وترفع الحجب بين العبد وربه.

الله أكبر.. فاتحة الكتاب.


[1] كنيته أبو عبد الله، من الحبشة، كان مولىً لأبي بكرٍ، من أول سبعةٍ أظهروا الإسلام، تحمل، بعد إسلامه، تعذيباً أليما وظلماً شديداً من سيّده أميّة بن خلف، بقي صابراً محتسباً،  ثابتا شامخا، لسانه لاهج بـ:”أحدٌ أحدٌ”، اشتراه أبو بكر وأعتقه لوجه الله تعالى. وقد شهد بلال رضي الله عنه المشاهد كلّها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. بشّره النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالجنّة، حيث قال: (يا بلالُ، حدِّثْنِي بأَرْجَى عملٍ عَمِلْتَهُ في الإسلامِ، فإنِّي سمعتُ دُفَّ نعليْكَ بينَ يديَّ في الجنةِ، قال: ما عملتُ عملاً أَرْجَى عندي: أنِّي لم أَتَطَهَّرَ طَهوراً، في ساعةِ ليلٍ أو نهارٍ، إلّا صلَّيتُ بذلكَ الطَّهورِ ما كُتِبَ لي أن أُصلِّي). كان بلال -رضي الله عنه- أوّل من أذّن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبقي صائماً عن الأذان بعد وفاة النبي، إلى يوم قدوم عمر بن الخطاب إلى الشام، فطلب منه أن يؤذّن، فأذّن، ولم يُرَ باكياً كيوم أذّن في ذلك اليوم، لشدّة تأثّره بذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم، توفّي رضي الله عنه سنة عشرين للهجرة، ودُفن عند الباب الصغير، في مقبرة دمشق عن عمر بضعٍ وستين سنةً.
[2] رواه مسلم، قال النووي: “أَعْنَاقاً”: هو بفتح همزة، أعناقاً جمع عنق، واختلف السلف والخلف في معناه، فقيل معناه: أكثر الناس تشوفاً إلى رحمة الله تعالى؛ لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه… وقال النضر بن شميل: “إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق. وقال ابن الأعرابي: “معناه أكثر الناس أعمالاً”. وقال القاضي عياض وغيره: “ورواه بعضهم (إعناقاً) بكسر الهمزة أي إسراعاً إلى الجنة، وهو سير العنق”. شرح النووي لمسلم 4/ 313.
[3] رواه مسلم في كتاب الصلاة.
[4] نفسه.
[5] نفسه.
[6] رواه البخاري كتاب الصلاة، باب الأذان.
[7] رواه الترمذي  وأبو داود و أحمد، واللفظ له.
[8] رواه مسلم، كتاب الصلاة.
[9] رواه أبو داود والترمذي. الراوي: عبدالله بن عمرو، المحدث: السيوطي، المصدر: الجامع الصغير، الصفحة أو الرقم : 6651، خلاصة حكم المحدث: حسن.
[10] الجامع الصغير السيوطي،  وهو حديث حسن وله شواهد كثيرة.