لا تحسب أن الحب في الله المقبول عند الله، الذي يتقرب به إلى الله استراحة وتبادُل وُدّي للعواطف في مجالس الرخاوة والبطالة، بل لِلْحُبِّ في الله مُقتضيات وواجبات أدناها إماطة الأذى عن طريق من تحبهم في الله، وأعلاها مواجهة الـمُبْغَضين في الله في صف الأحباب في الله حتى الاستشهاد. ولكل مرتبة من مراتب العاصين لله، والجاهلين بالله، والـمُحادّين لله، والضالّين عن سبيل الله، المستكبرين في أرض الله، نوعٌ ودرجة من إبغاضك، ونوع ودرجة من مقاومتك ومحاربتك. وما سَواءٌ ما يطلبه منك الشرع والحكمة في حق المبتدعين الجهلة، والعاتين الظلمة، والكافرين العادين على الناس. للحب في الله والبغض في الله ميزان في القلوب خفي، لكنَّ لهما في ظاهر تصرُّفِ الفردِ والجماعة معاييرَ شرعيَّة وحدوداً، لكيلا تستحيل المسألة إلى عاطفية عائمة فوضوية.
في صميم صميم قلب المؤمن الموفق يستقِرُّ حب الله ورسوله، ويخرُج حب الدنيا وأهلِها إلى مراتبهم التي وضعهم فيها الشرع، ليُعْطِيَ المؤمن كلّ ذي حق حقَّه، وهو دائما لله لا لغيره. من علامات محبتك لله ظهورُ تلك المحبة في تصرفك. قال الإمام الشيخ عبد القادر قدّسَ الله سره العزيز: “ويحَك قد ادعيت محبة الله عز وجل ! أما علمت أن لها شرائط؟ من شرائط محبته موافقتُه فيك وفي غيرك. ومن شرائطها أن لا تسكن إلى غيره، وأن تستأنس به، ولا تستوحش معه. إذا سكن حب الله قلب عبد أنِسَ به، وأبغض كل ما يشغل عنه.” (الفتح الرباني ص 32). وقال: “المحب لا يملك شَيئا. يسلم الكل لمحبوبه. محبةٌ وتملُّكٌ لا يجتمعان، المحب للحق عز وجل، الصادق في محبته، يسلم إليه نفسه وماله وعاقبته، ويترك اختياره فيه وفي غيره. لا تتهمه في تصرفه! لا تستعجله! لا تُبَخِّلْه! يحلو عنده كل ما يصدر إليك منه. تَنْسدّ جهاتُه. لا تبقى له إلا جهة واحدة” (نفس المصدر ص 167).
تابع تتمة شذرات الإمام عن الحب في الله من كتاب “الإحسان” ج 1، على موقع سراج.