واقع التنمية الإنسانية بالمغرب: قراءة في المؤشرات الرئيسية 2/2

Cover Image for واقع التنمية الإنسانية بالمغرب: قراءة في المؤشرات الرئيسية 2/2
نشر بتاريخ

ثانيا: واقع التنمية الإنسانية بالمغرب في أرقام

سأقتصر في قراءتي هاته لواقع التنمية الإنسانية بالمغرب على تحليل المؤشرات ذات العلاقة بثلاثة مجالات تجسد الجوانب الأساسية في الموضوع. وتتعلق الأمر أولا بالمؤشرات السوسيواقتصادية، ثانيا: وضعية التربية والتعليم وأخيرا واقع الحرية السياسية.

ويعود اختيارنا لهذه المجالات لاعتبارين اثنين:

• يتعلق الأول بإكراه المجال المخصص للموضوع حيث إنه يتعذر الإحاطة بكافة الجوانب بتفاصيلها؛ بل إن نيل هذه الغاية يحتاج لتأليف كتاب بكامله.

• بينما يتعلق الاعتبار الثاني بأهمية ومحورية هذه المجالات كونها تعتبر الحريات الموضوعية المركزية ضمن المفهوم الإنساني للتنمية كما هو متعارف عليه عالميا.

أ‌- المؤشرات السوسيواقتصادية

نقصد بالمؤشرات السوسيواقتصادية، تلك الأرقام المتعلقة بوضعية الاقتصاد الوطني في علاقته مع الوضع الاجتماعي للمواطن المغربي. وفي سياق هذا التحليل، سنركز على المعطيات المتعلقة بنسبة استفادة المواطنين من توزيع إجمالي الدخل الداخلي الخام، نسبة البطالة وكذا الآثار الاجتماعية والسياسية التي نجمت عن ذلك.

تشير مختلف التقارير الاقتصادية الوطنية والدولية إلى أنه على الرغم من بعض التقدم الطفيف الذي يمكن أن يكون قد حققه الاقتصاد الوطني في فترات محددة إلا أن ذلك لا يرقى إلى المستوى الذي يمكن معه أن نتحدث عن اقتصاد مواطن وصلب. فإذا كانت سنة 2009 مثلا تميزت باستمرار تحقيق نتائج حسنة في الفلاحة واستقرار نسبي في قطاعات الصناعة التقليدية والسياحة والصادرات؛ إلا أن هذه النتائج لم تنعكس إيجابا على نمو الناتج الداخلي الخام الذي لم يتجاوز معدله %5,1 حسب ما هو مصرح به رسميا، أي بنسبة تقل عما تم تحقيقه في سنة 2008 (%5,9) وهو ما يفسر تراجع المعدل الفردي من الناتج الداخلي الخام من 2748 دولار سنة 2008 إلى 2655 دولار سنة 2009 1 .

إن صورة الوضع الاقتصادي تبدو أكثر قتامة عند الحديث عن البطالة. فرغم الحديث الرسمي المتكرر عن تراجع معدل البطالة، إلا أن هذا المعدل لا يقل حسب ذات التصريحات عن %8,5 مع العلم أن هذا المعدل يرتفع في الوسط الحضري ليصل %17 في مقابل %3 في الوسط القروي.

إن هذه الأرقام الرسمية التي قد تبدو في ظاهرها أقل إقلاقا هي أرقام مخادعة؛ ذلك أن العاطل وفق المفهوم الرسمي يتحدد في الفرد الذي يتراوح عمره ما بين 18 و60 سنة ويبحث عن العمل ولم يجده، كما أن ذات المفهوم لا يعتبر العمال المياومين – بغض النظر عن عدد أيام العمل السنوية- من العاطلين وهذا ما يستبعد عددا كبيرا من المواطنين العاطلين فعلا من الإحصاءات الرسمية. وإذا أردنا تدقيق الأرقام فإننا نجد أن أكثر من ثلاثة أرباع نساء العالم القروي عاطلات عن العمل كما أن حوالي %50 من العمال المياومين هم في الحقيقة عاطلون عن العمل وهذا ما يرفع النسبة الحقيقية للعاطلين عن العمل إلى حوالي %46 كما تشير إلى ذلك العديد من الدراسات والتقارير ذات الصلة 2 .

ولمزيد من التوضيح، نشير إلى أن الناتج الداخلي الخام المغربي لم يتجاوز سنة 2007 حوالي 50 مليار درهم؛ مع العلم أن هذا المبلغ يزداد ضحالة تحت وطأة أعباء الدين الخارجي الذي يجثم على البلاد والعباد خاصة بعد تقليص النفقات، كما أنه لا يتناسب إطلاقا لا مع الموقع الاستراتيجي للبلد، ولا مع قدراته البشرية والفلاحية والبحرية والصناعية والمعدنية والسياحية. وهذا الاقتناع يزداد رسوخا إذا علمنا أن نسبة نمو هذا الناتج لم تتجاوز %3,81 طيلة الأربعين سنة الأخيرة 3 . وهي دون معدل النمو في الدول النامية في الفترة نفسها والتي تتعدى 4,47 في المائة.

إن الخلاصة التي يمكن الخروج بها من خلال هذا التحليل السريع هي أن السياسة الاقتصادية المغربية، لم تورث العباد إلا مزيدا من البؤس الاقتصادي ولم تزد البلاد إلا مزيدا من الغرق في التخلف. وهو ما دفع ولا زال يدفع بجحافل من الشباب المغربي نحو قوارب الموت كما أدى إلى ارتفاع نسبة الجريمة والانحراف الاجتماعي. و يكفي أن نشير في هذا الصدد إلى أن معدل الجرائم التي ترتكب شهريا في المغرب بلغ حسب تقرير أمني رسمي 28 ألف جريمة سنة 2009 حوالي %65 منها بسبب الاتجار في مختلف أنواع المخدرات والخمور كما أن أكثر مرتكبيها هم من الشاب واليافعين 4 .

إن هذه السياسة القائمة على الإفقار والتفقير بغرض الاسترقاق والاستغلال، والتي طبعت أكثر من نصف قرن من السياسات الاستكبارية لحكام مغرب ما بعد الاستقلال كان من نتيجتها تزايد توجه المجتمع المغربي نحو مزيد من الاحتجاج والمطالبة بالحقوق أكثر من أي وقت مضى. وفي هذا الإطار نذكر ببعض الاحتجاجات التي عرفتها الساحة المغربية والتي كانت ذات طابع اجتماعي والتي كان القاسم المشترك بينها تأكيدها على الكوجيطو الاحتجاجي: ” أنا أحتج إذن أنا موجود” وذلك في كل من صفرو، الحسيمة وسيدي إفني؛ وهي الاحتجاجات التي وصلت المواجهة فيها إلى ردهات البث الفضائي حيث حوكم مدير مكتب الجزيرة بتهمة نشر أخبار زائفة اثر تغطية أحداث سيدي إفني كما منع العمل بالمكتب 5 . وهذه الاحتجاجات التي عرفها المغرب سواء خلال سنة 2008 أو بعدها لم تكن أبدا في عموميتها بدافع مطالب قطاعية، بل كانت من أجل حماية القدرة الشرائية والمطالبة بخفض الأسعار، التي ما فتئت ترتفع وتخلف وراءها فقرا وعسرا في الوصول إلى أدنى مستويات العيش الكريم بالنسبة لغالبية المغاربة.

إن السبب الأساسي في هذا الوضع السوسيواقتصادي المتدهور يرجع إلى كون النظام المخزني الماسك بزمام الأمور، ليس مجرد طرف مستبد بأمر السياسة في هذا البلد بل هو بنفس الدرجة وأكثر طرف اقتصادي رئيسي في معاناة هذا الشعب بتصرفه في ثروة وطنية كبيرة ودخوله (عبر شركات أخطبوطية معروفة منها أونا…) في معاملات اقتصادية تستحوذ على أغلب القطاعات الإستراتيجية في هذا المجال، ومنها الصناعات الغذائية الأساسية والتأمينات والتوزيع والقطاعات المنجمية والمالية ويحقق من خلالها أرباحا خيالية تتجاوز %10 من الناتج الداخلي للبلد، بمعنى أنها تتجاوز 5 ملايير دولار أي أكثر من 4 آلاف مليار سنتم، في نفس الوقت الذي تشهد فيه هذه المواد الغذائية غلاء متصاعدا وغير مسبوق وغير خاضع لأية معايير أو تنظيم، ويسحق الفئات الشعبية الضعيفة الدخل وحتى المتوسطة منها سحقا لا مكان فيه للشفقة أو الرحمة) 6 .

إن هذه الجمع الغريب بين السلطة والثروة لا يقتصر تأثيره على المواطنين فقط بل إن أثره يصل حتى إلى الفاعلين الاقتصاديين غير الدائرين في فلك المؤسسات الاقتصادية المخزنية الذين وجدوا أنفسهم محاصرين في أكثر من موقع استثماري وفي أكثر من سوق نتيجة المنافسة غير المتكافئة وغير الشريفة بين الطرفين، مما أثر سلبا على الحركية الاقتصادية التنافسية التي لو كانت تجري في أجواء من العدل والحرية وتكافؤ الفرص لكان لها آثار إيجابية واضحة على الاقتصاد الوطني وعلى دخل الفئات الاجتماعية المتضررة) 7 .

إن الجمع بين دخل الأسرة الملكية من الاقتصاد الوطني وبين ثروتها داخل المغرب وخارجه والمتوقعة في حدها الأدنى تجعل ما تتصرف فيه هذه الأسرة من مال الشعب العام يشكل أكثر %20 من الناتج الداخلي الخام وهي نسبة أغرب ما تكون في تاريخ البشرية على الإطلاق.

وإذا أردنا أن نلخص بعضا من الآثار المباشرة وغير المباشرة لهذه السياسة، فيكفي أن نذكر بما يلي:

• استمرار تدفق المهاجرين المغاربة على متن قوارب الموت دون أية مبالاة من النخبة الحاكمة بمعاناتهم ولا بآدميتهم.

• تهجير الأعراض المغربية عبر شبكات من العصابات تتحرك بكل حرية وتتاجر في تهريب الفتيات المغربيات لكل أنحاء العالم لممارسة الدعارة بما في ذلك تصديرهن إلى إسرائيل، وذلك بالموازاة مع حملة إفساد الأخلاق داخليا بغية تسطيح الوعي وإبعاد الشباب عن الاهتمام بما يجري في بلدهم.

• تضاعف التفاوت بين الأجور ليصل بين 1 و1000 في سلك الموظفين والمأجورين، أما غير الموظفين فلا مجال للمقارنة بين أجورهم وأجور سدنة الاستكبار المخزني.

• ارتفاع عدد الأطفال المشتغلين حيث أن أزيد من %30 من الأطفال ما بين 7 و17 سنة يشتغلون، و%90 من هؤلاء لهم من العمر ما بين 10 و14 سنة كما تقول الإحصاءات الرسمية، كما أن %30 من هؤلاء الأطفال لم تر أعينهم قط سبورة و%31 منهم يشتغلون بدون مقابل و%53 منهم تبتعد أجورهم عن الحد الأدنى بكثير وما أدراك ما الحد الأدنى؟

….

كارثة وأية كارثة…!

ب‌- التربية والتعليم… أم الكوارث!

إذا كان هذا هو الوضع على المستوى السوسيواقتصادي، فماذا عن قطاع التربية والتكوين بعد هذه السلسلة من الإصلاحات المتتالية؟ ما هي حقيقة الوضع في هذا المجال الحيوي الذي يرهن مستقبل المغرب وأبناءه لعقود قادمة؟ هل استطاعت مختلف البرامج المعتمدة أن تنفذ إلى عمق المشكل فيه وتعالجه بطريقة تحمي الأجيال القادمة الذين لم تستطع السياسات الاقتصادية حماية آبائهم وتوفير الحياة الكريمة لهم؟

يعد التعليم، من جهة أحد أبرز المؤشرات المعتمدة في قياس مدى تقدم التنمية الإنسانية على مستوى أي بلد؛ ومن جهة ثانية فإن هذا المجال يشكل الكارثة الوطنية الأولى بالمغرب بامتياز. إنها مأساة أشبه ما تكون بحرب شرسة تشن على أعز وأغلى ما تمتلكه الأمم، الأطفال والشباب: انقطاع عن الدراسة بنسب مروعة في التعليم الابتدائي والثانوي، اكتظاظ أفقد العملية التعليمية كل طعم إلا طعم المرارة، بيع للمؤسسات التعليمية، نقص كبير في الأطر بكل الأسلاك مدرسين وإداريين وأعوانا، في الوقت الذي توزع فيه العصا بالسخاء المخزني المعهود على الأطر المعطلة، رغم اشتداد الحاجة لكفاءاتهم وقدراتهم بعد نزيف لم يتوقف في أطر الأمة نتيجة هجرة أدمغة ممتازة) 8 .

وإذا أردنا الحديث بلغة الإحصاءات، فلنتأمل جميعا هذه الأرقام بعيدا عن طنين الإعلام الرسمي الذي لا ينفك يصم أذان المغاربة ويحول دونهم ودون رؤية الصورة الحقيقية: 9

• 21,1% من مؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي تحتوي 41 تلميذا في القسم فما فوق بينما بلغت هذه النسبة% 18,4 و% 15 في الثانوي الإعدادي والابتدائي على التوالي مما يعني أن التلاميذ كلما تقدموا في التعليم كلما وجدوا أنفسهم في وضعية أسوأ من حيث جودة التأطير وظروف التحصيل.

• تبلغ نسبة الأمية %38 لدى البالغين 10 سنوات فأكثر؛ وهي تصل %54,4 في الوسط القروي و%46,8 لدى الإناث وهو ما يجعل الحديث عن الوصول إلى عتبة تقل عن %20 بحلول 2012 كما يتطلع إلى ذلك التقرير الأول والفريد للمجلس الأعلى للتعليم ضربا من الخيال.

• نسبة تعميم التعليم الأولي لم تتجاوز خلال الموسم 2008/2009 نسبة % 63,8؛ وهذا ما يجعل الحديث عن تعميم تعليم أولي جيد لجميع الأطفال المغاربة بعيد المنال خاصة إذا علمنا أن النسبة التي ذكرت أدمجت الكتاتيب و”كراجات الأطفال” التي تفتقر إلى أدنى مواصفات التعليم الأولي.

• في الموسم الدراسي 2008/2009 بلغ عدد التلاميذ الممدرسين بالتعليم الابتدائي 3.863.838 تلميذا؛ وبذلك فإن نسبة تمدرس الفئة العمرية (6-11 سنة) بلغت حوالي % 91,6 غير أن إحصائيات قطاع التعليم المدرسي تبين أن % 50 فقط من التلاميذ يتمكنون من مواصلة الدراسة إلى نهاية التعليم الإعدادي. والنتيجة أنه من أصل كل 100 تلميذ يلج السنة الأولى ابتدائي 13 تلميذا فقط يحصل على الباكالوريا إذا اعتبرنا التكرار؛ أما إذا أردنا عدد الذين يحصلون على هذه الشهادة دون تكرار فإن العدد لا يتجاوز 3 من أصل كل 100 تلميذ يسجلون في السنة الأولى ابتدائي.

• وفيما يخص المردودية الداخلية، نشير إلى أن نسبة التكرار تصل بالابتدائي %12,5 بالمائة و%15,2 في الإعدادي مع العلم أنها تصل في السنة الثالثة إعدادي %27,3 . غير أن اللافت للانتباه أن الهدر المدرسي لا تسببه فقط ظاهرة التكرار بل إن ظاهرة الانقطاع عن الدراسة لها مساهمتها القوية حيث باغ عدد المنقطعين 180.000 تلميذا وذلك من مجموع المغادرين البالغ عددهم 390.000 حسب جواب وزير التربية الوطنية على سؤال شفوي بمجلس النواب في 23 أبريل 2008 .

إن هذه الأرقام وغيرها التي لم يتسع المجال لذكرها، تنبأ بأن هذا القطاع الاستراتيجي لم يسلك بعد الطريق الذي ينبغي أن يسلكه مما يعني أن مستقبل هذا البلد ومستقبل أبناءه لا يزال في كف عفريت. وهذا ما أجمعت عليه التقارير الوطنية والدولية ذات الصلة بموضوع التعليم التي أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الوضع التعليمي بالمغربي كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ويكفي أن نذكر بالمعلومات التالية: 10

• في سنة 2008، احتل المغرب المرتبة الأخيرة بين دول المغرب العربي وفق تقرير البنك الدولي حول وضع التعليم بالعالم العربي وصنف تلامذة الابتدائي المغاربة في المرتبة الأخيرة في العلوم والقراءة.

• البرنامج الدولي لقياس مدى تقدم القراءة في مدارس العالم (بيرلز ومقره بالكيبيك في كندا) أثبت أن أداء التلاميذ المغاربة تراجع سنة 2006 عما كان عليه قبل خمس سنوات والمغرب بالتالي في وضع جد متأخر بالمقارنة مع جيرانه.

• منظمة اليونسكو تدعو المغرب خلال اجتماع عقد مؤخرا بتونس غلى تغيير جذري لسياسته لضمان التعليم للجميع عام 2015.

• الجامعات المغربية تغيب في الترتيب العالمي لأفضل 500 جامعة عالميا سنة 2008 في الوقت الذي احتلت فيه جامعات إسرائيلية مراتب بين 152 و200.

• المغرب يغيب أيضا من القائمة التي أعدها معهد العليم العالي بجامعة جياو تونج بشنغهاي بالصين.

• في 2008، المغرب يحتل المرتبطة الرابعة من ذيل لائحة دول المنطقة في تقريره “الطريق غير المسلوك: إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.

• المغرب يحتل المرتبة 106 من أصل 128 بلدا حسب تقرير لليونسكو حول التعليم في مستهل سنة 2010.

• حسب ذات التقرير المغرب يحتل المرتبطة 115 في معيار تمدرس الفتيات وهي ذات الرتبة التي احتلها في معيار الأمية في صفوف الذين يتجاوز سنهم 15 سنة. كما وضع التقرير المغرب ضمن 30 بلدا الأكثر تخلفا في مجال التعليم.

هذه باختصار وضعية التعليم بالمغرب. فماذا عن واقع الحريات السياسية؟

ت‌- وضعية الحريات العامة وحقوق الإنسان بالمغرب:

يراد بالحرية السياسة في المفهوم العالمي للتنمية الإنسانية ضرورة توافر خمسة عناصر أساسية، أعتقد أن غياب واحد منها في مجتمع من المجتمعات كاف لنصدر الحكم بانعدام هذه الحرية في الحقل السياسي لذلك البلد. وهذه العناصر هي: 11

1. قدرة الناس في مجموعهم على تحديد من يحكم وعلى أية مبادئ يحكم.

2. إمكان النظر نظرة فاحصة للسلطات الحاكمة وانتقادها.

3. القدرة على التعبير السياسي وإصدار الصحف والدوريات ونشر المعلومات خاصة السياسية دون رقابة.

4. القدرة على الاختيار بين أحزاب وتوجهات سياسية مختلفة.

5. القدرة على الولوج أو اختيار من يلج إلى المؤسسات الحاكمة محليا ومركزيا وفق شروط متعاقد عليها داخل المجتمع.

إن أول سؤال بديهي ينتصب أمام من يتبنى هذا المفهوم هو: هل فعلا يتمتع المغاربة بالقدرة على تحديد من يحكمهم؟ وهل باستطاعتهم هم أو المؤسسات التي ينتخبونها أن تحدد أسس الحكم التي يجب أن يحكم وفقها مسيرو الشؤون الوطنية ومدبرو السياسات العمومية؟

إن نظرة، مهما اتسمت بالسطحية، للنسق السياسي المغربي تؤكد على أنه نظام شمولي لا مجال فيه للمشاركة الشعبية سواء في تحديد قواعد ومبادئ الحكم أو في تسيير المرافق العمومية وتدبير السياسات. فالبرلمان بغرفتيه المجالس الملكية المتعددة 12 ليست لها صلاحيات حقيقية كما أن الانتخابات، إذا سلمنا بوجود مؤسسات منتخبة انتخابا حقيقيا، لا تعبر عن الإرادة الشعبية البتة. ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على مفارقتين ذاتي علاقة بنتائج الانتخابات لندرك أزمة التمثيل السياسي داخل المغرب:

• المفارقة الأولى في هذه النتائج تتمثل في احتلال حزب السلطة الجديد وحديث النشأة (الأصالة والمعاصرة) للمرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد بشكل غريب جدا( 6015 مقعد في الوقت الذي لم يستطع فيه حزب الاستقلال أن يحصد أكثر 3890 مقعدا في انتخابات 2003). إن الذي يهم في سياق هذه المفارقة هو أن هذه النسبة التي حصدها حزب صديق الملك تبين أن النظام المخزني لا زال يستحوذ على الحياة السياسية كما تؤشر على غياب أية بوادر أو حتى نية للدفع نحو الانتقال الديمقراطي وإشراك قوى الشعب حتى في الهامش الضيق جدا الذي ربما تتيحه قوانين النسق السياسي.

• المفارقة الثانية التي نود الإشارة إليها هنا تتعلق بنسبة المشاركة؛ فعلى الرغم من كل الجهود المبذولة لم تتعدى نسبة المشاركة %52,4 حسب المعلن. غير أن ما تخفيه هذه النسبة وراءها يظهر حقيقة أكثر تعبيرا وإيلاما، فهي تتعلق بنسبة المشاركين من بين المسجلين البالغ عددهم 13 مليون و360 ألف و219 ولم تحتسب من مجموع الكتلة الناخبة التي تتجاوز 20 مليون ناخب كما أن ضمن هذه النسبة توجد نسبة مهمة من الأوراق الملغاة وهذا كله يجعل هذه النسبة لا تتعدى %20 في أحسن الأحوال.

إن هذه الإحصائيات رغم كونها كافية للحكم على وجود خلل كبير في النسق المغربي إلا أنها تصبح غير ذات معنى أصلا إذا أردنا أن نتناول الحرية والمشاركة السياسية كما يقدمها مفهوم التنمية الإنسانية. ذلك أن المؤسسات لا قيمة لها في ظل استحواذ المؤسسة الملكية على مطلق السلطة ووجودها بنص الدستور والقانون فوق أية محاسبة. وهذا كله يجعل أية مشاركة في المؤسسات الموجودة مجرد تلميع لا أكثر لنظام سياسي مغرق في الشمولية والدكتاتورية على الرغم مما يحاول الإعلام الرسمي أن يوهمنا به من شعارات الحداثة والديمقراطية وغيرها من العبارات الرنانة التي صمت آذاننا منذ انتقال الملك في يوليوز 1999.

خلاصة على سبيل الختم

لم أجد كلمات أختم بها هذا التحليل أفضل من هذه الفقرة الجامعة من وثيقة “جميعا من أجل الخلاص” التي أصدرها المجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان سنة 2007، والتي تقول إن مغربنا الحبيب يتعرض لحملة غاية في الضراوة والوحشية وتضرب في كل اتجاه من نهب للمال العام والتضييق على القوت اليومي لعموم الشعب، ومن تفويت للمؤسسات العمومية خاصة الإستراتيجية منها، وتفويت للأراضي، واستنزاف للفرشة المائية، وتهريب للأموال، ومن تخريب لمؤسسات فاعلة في المجتمع، وخصوصا السياسية منها، من حصار اجتماعي وسياسي واقتصادي مضروب على جغرافية واسعة محرومة، وتهميش قروي لا تزال عواقبه الوخيمة تتضاعف منذ الخمسينات اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وتربويا، ومن محاربة للدين والتدين والدعوة إليهما، عبر نشر الرذيلة وفتح بيوت الدعارة و….، ومن انتهاكات لحقوق الإنسان وإهانة مستمرة لكرامة المواطن، لا فرق بين عهد أدانه الجميع وبين عهد صفق له المتملقون والمستفيدون، فلا نزال نشهد مآسي الاعتقالات الألفية، والمحاكمات الصورية، والأحكام الخيالية. وقبل المحاكمات والأحكام ومعها بعدها التعذيب بكل الأشكال التي تمليها الأنفس المريضة والعقول المخبولة) 13 .

نحن أيها الشرفاء أمام مأساة حقيقة… وأمام هذا كله ليس أمامنا إلا أحد حلين إما أن نشارك جميعا في التغيير عبر التداعي إلى ميثاق يجمع الجميع ويوزع الثروة بالعدل ويمكن كافة الشعب من الحرية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان سامية وإما…


[1] المغرب في سنة 2009، ص: 150.\
[2] نشرت الصحف الوطنية خلال سنة 2010 مجموعة من التقارير تستند إلى اقتصاديين مغاربة تؤكد هذه المعطيات.\
[3] الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، المجلس القطري، وثيقة: “جميعا من أجل الخلاص” ص: 7 و8.\
[4] المغرب في سنة 2009.\
[5] عبد الرحيم العطري، ضمن حالة المغرب 2008/2009، كراسات إستراتيجية رقم 5، منشورات وجهة نظر، ص: 169.\
[6] وثيقة: “جميعا من أجل الخلاص”، م.س. ص: 14 و15.\
[7] نفسه، ص: 15 و16.\
[8] نفسه، ص: 9 و10.\
[9] عن هذه الأرقام وغيرها، راجع التقرير السنوي 2008 للمجلس الأعلى للتعليم، موجز الاحصائيات التربية لموسم 2008/2009 الصادر عن الوزارة الوصية وكذلك المغرب في سنة 2009، م.س. ص: 93- 120.\
[10] لمزيد من التفاصيل حول هذه المعلومات، راجع: المغرب في سنة2009، ص: 96-97.\
[11] من كتاب لنا تحت عنوان: “المقاربة التشاركية في التنمية” قيد الإعداد للطبع..\
[12] في المغرب، لكل ملف لجنة أو مجلس ملكي لكن مهمته لا تتعدى تقديم الرأي الاستشاري للملك.\
[13] وثيقة جميعا من أجل الخلاص”، ص: 23-24.\