وباء العنف ضد النساء في ظل الجائحة

Cover Image for وباء العنف ضد النساء في ظل الجائحة
نشر بتاريخ

يطل علينا اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء هذه السنة في ظروف استثنائية غير مسبوقة بسبب جائحة كورونا، هذه الأخيرة دفعت جل دول العالم إلى إقرار الحجر الصحي في بداية الأزمة كإجراء احترازي من انتشار الوباء، لاعتبار البيت المكان الأكثر أمانا للوقاية من انتشار الفيروس، إلا أن هذه البيوت لم تكن آمنة للكثير من النساء اللواتي تعرضن للعنف المنزلي بشتى  أنواعه، فقد توالى صدور التقارير التي تشير إلى ارتفاع حالات العنف المنزلي ضد النساء والفتيات في هذه الفترة في أماكن مختلفة من العالم، واتخذت الظاهرة أبعادا دولية وإقليمية ومحلية.

البعد الدولي للظاهرة

حضر العنف ضد النساء بشكل قوي في الخطاب السياسي والإعلامي الدولي خلال الحجر الصحي، حيث أطلق الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريتش يوم الأحد 15 أبريل نداء عالميا طالب من خلاله بحماية النساء والفتيات في المنازل، جاء فيه: “ولذا فإنني أوجه نداء جديدا من أجل السلام في المنازل في جميع أنحاء العالم.. فمع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية وتنامي المخاوف شهدنا طفرة عالمية مروعة في العنف المنزلي”.

– ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وحسب بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي، فإن نحو ثلاث نساء تعرضن للقتل على أيدي شركائهن كل يوم في هذه الفترة، ومع تعرض عشرة ملايين امرأة للعنف من قبل شركائهن كل عام فإن هذا لا يقل خطورة عن الوباء.

– وفي الأرجنتين قتلت 18 امرأة على أيدي أزواجهن خلال العشرين يوما الأولى من الحجر المنزلي، كما ارتفعت نسبة الاتصالات بأرقام الطوارئ طلبا للمساعدة إلى 39 في المائة.

– والوضع ليس أفضل في المكسيك والبرازيل وتشيلي ودول أخرى، إذ بدا أن التدابير التي اتخذتها السلطات والجمعيات في بعض الأحيان لحماية النساء من العنف لم تكن كافية.

– ولا يختلف الأمر كثيرا في أوروبا؛ فمثلا في مدينة ليون الفرنسية تلقت جمعية “المعلومات حول العنف داخل الأسرة”، و هي جمعية مدافعة عن النساء معروفة بمناهضتها للعنف الأسري، 1070 مكالمة هاتفية خلال فترة الحجر الصحي.

– وفي إسبانيا تم الإبلاغ عن زيادة الحالات طلبا للمساعدة بنسبة تقدر بـ18 في المائة.

البعد الإقليمي للظاهرة

شكل العنف الأسري ظاهرة كونية لم تستثن قارة أو بلدا إلا وأصابته، ولم تكن جائحة كورونا إلا تلك الشرارة التي أشعلت السهل كله.

– ففي جارتنا الجزائر دقت جمعيات حقوقية ناقوس الخطر نتيجة تزايد عدد المعنفات خلال هذه المرحلة العصيبة، وفي هذا الإطار أكدت شبكة “نسيم” تزايد عدد الجزائريات اللواتي أصبحن يعانين من جحيم الاضطهاد وضيق فضاء الحجر… حيث استقبلت أكثر من سبعين شكاية في الأسبوع.

– وفي تونس أعلنت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن التونسية أن عدد البلاغات المسجلة، والمتعلقة بحالات العنف ضد المرأة خلال فترة الحجر الصحي، تضاعفت بنحو خمس مرات مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، وصرحت وزيرة العدل بتسجيل أكثر من 4 آلاف حالة عنف ضد المرأة والطفل خلال نفس الفترة.

– وفي العراق تراوحت زيادة العنف ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي ما بين 30 في المائة إلى 50 في المائة في بعض الأماكن، حسب ما أكد لوكالة فرانس برس مدير الشرطة المجتمعية العميد غالب عطية.

– ولم يختلف  الأمر في العديد من البلدان العربية والإسلامية حيث سجلت ارتفاعا ملحوظا في عدد ضحايا العنف الأسري.

البعد المحلي للظاهرة

في بلدنا المغرب  أيضا ارتفعت حالات  العنف الممارس ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي المفروض ابتداء من 20 مارس الماضي، وقد سجلت فيدرالية رابطة حقوق النساء معطيات شملت الفترة ما بين 16 مارس و24 أبريل الماضيين تفيد أن العنف الزوجي طغى على أنواع العنف الممارس ضد النساء خلال هذه الفترة؛ حيث شكل 91,7 في المائة، يليه العنف الأسري بنسبة 4,4 في المائة الذي يتضمن أفعال العنف الممارس على النساء من قبل أفراد الأسرة.

وفي نفس السياق رصد تقرير لاتحاد العمل النسائي أكثر من ألف حالة عنف في صفوف النساء، استقبلها  13 مركزا تابعا للهيأة عبر مكالمات هاتفية ورسائل نصية بالواتساب.

وعلى خلاف هذه الإحصائيات، أفادت النيابة العامة أن عدد المتابعات من أجل العنف ضد النساء انخفض إلى 10 مرات عن المعدل الشهري لهذا النوع من القضايا.

لكن الأرقام التي جاءت بها النيابة العامة لا تعكس الواقع الحقيقي لما عانته النساء من عنف في زمن الحجر، وربما مرد هذا الانخفاض إلى صعوبة تنقل النساء المعنفات بسبب حالة الطوارئ الصحية بالإضافة إلى عدم توفر أغلبهن على وسائل التكنولوجيا الحديثة لتبليغ شكاياتهن عن بعد.

وقد نبه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إحدى تقاريره إلى احتمال تزايد العنف بمختلف أنواعه ضد النساء بسبب الظروف المرتبطة بالحجر الصحي والحد من التنقل وصعوبة الولوج إلى المساعدة وطلب الحماية.

مبادرات وإجراءات للحد من تداعيات  الحجر الصحي على النساء

تماشيا مع الإجراءات التي دعا إليها الأمين العام للأمم المتحدة، قامت عدد من جمعيات المجتمع المدني وكذا بعض القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية المختصة باتخاذ مجموعة من المبادرات الإيجابية في زمن الحجر الصحي للتخفيف من وطأة العنف المنزلي، وكأمثلة على ذلك:

– وضعت الحكومة الفرنسية مجموعة كاملة من التدابير التي تهدف إلى حماية النساء ضحايا العنف المنزلي، كما تم إنشاء نظام داخل الصيدليات لتنبيه قوات النظام بحالات العنف الممارس، وأيضا لتسهيل المهمة على النساء ضحايا العنف لطلب المساعدة.

– وفي إسبانيا تم وضع تدابير استثنائية؛ منها خدمة الرسائل الفورية مع تحديد الموقع الجغرافي، وكذلك خدمة الدردشة الفورية مع فرق الدعم النفسي.

– وفي الأرجنتين تم اتخاذ عدة إجراءات لدعم النساء ضحايا العنف من خلال الاتصال برقم مجاني لتقديم شكاياتهن.

– وفي تونس أعلنت السلطات عن إطلاق خط ساخن مجاني يعمل على مدار الساعة لتلقي الشكايات، وروجت لهذا الخط عبر وسائل الإعلام المختلفة.

– وفي بلدنا المغرب أطلقت جمعيات حقوقية وفاعلون في مجال حماية النساء في المغرب حملات كثيرة من أجل مساندة النساء المعنفات والمتضررات من الأزمة وتقديم الإرشاد والتوعية والتحسيس، وخدمات توزعت بين الاستماع وتقديم الاستشارة والدعم النفسي، بالإضافة إلى التوجيه والتدخل والتنسيق والتعاون مع مختلف الفاعلين المؤسساتيين وغيرهم.

وفي نفس سياق المبادرات المدنية طالبت 30 جمعية مغربية من السلطات تقديم استجابة طارئة للنساء المعنفات أثناء أزمة كوفيد 19.

وفي ختام هذا التقرير يتضح جليا أن ظاهرة العنف  ضد المرأة ظاهرة كونية متجذرة، فبالرغم من الجهود التي تبذل لمناهضتها إلا أنها لا زالت تتناسل وتتسع وتأخذ أشكالا متنوعة في حالة الأزمات وغيرها، مما يصعب مجاراتها وضبطها.

لأجل ذلك فإن عملية محاربة العنف ضد المرأة يجب أن تكون متكاملة؛ تتآزر فيها أنظمة التشريع القانوني والحماية القضائية والنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي وتنشئة اجتماعية سوية.. فلا يمكن وقف النزيف الذي يخلفه العنف على المرأة، وبالتالي على المجتمع بكامله، باعتماد المقاربة القانونية فقط، والتي رغم أهميتها باعتبار القانون أداة ضبطية وزجرية للمعنفين وحافظا لحقوق الضحايا من النساء المعنفات، إلا أن هذه المقاربة تبقى عاجزة عن الحد من تنامي ظاهرة العنف ضد النساء، لذلك وجب استحضار المقاربات والمداخل الأخرى، ومن أهمها المقاربة الوقائية والتربوية لدورها المحوري في توجيه وتربية الناشئة على قيم التعايش والتسامح والرفق والاحترام ونبذ العنف، وهي قيم نابعة من صميم ديننا الحنيف الذي أوجب على أفراد الأسرة الواحدة أن يقيموا علاقاتهم على أساس المودة والرحمة، قال الله تعالى في محكم تنزيله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم، 21).

وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشفي الغليل من توصيات بالرفق والإحسان إلى النساء، منها قوله عليه الصلاة والسلام “خيرُكم خيرُكم لِأَهْلِهِ، وأنا خيرُكم لِأهْلِي، ما أكرَمَ النساءَ إلَّا كريمٌ، ولَا أهانَهُنَّ إِلَّا لئيمٌ” (1).

أملنا في الجيل الصاعد أن يتشبع بقيم الرفق والإحسان، فهي الكفيلة بمناهضة كل أشكال الظلم والحيف والعنف، ليس فقط ضد المرأة بل ضد الإنسان بصفة عامة.


 (1) أخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (13/312).