وحشية الغلاء

Cover Image for وحشية الغلاء
نشر بتاريخ

لم نسمع عن امتصاص الدماء البشرية والعيش على الاقتيات من تعاستهم وكآبتهم وسحق كيانهم وهدر كرامتهم إلا في أساطير مصاصي الدماء، التي يظهر فيها الوحش في صفة آدمية يلبس كما يلبس البشر ويتكلم كما يتكلمون، فيخدع ويموه ويحتال على فئات عريضة من الناس لأن المظاهر خداعة، لكن سرعان ما تبرز أنيابه عند أول فرصة فيستنزف دماء ضحاياه بدم بارد، ويسمع أنينهم كسمفونية تطرب مسامعه وتزكي وحشيته التي يخفيها في جنح الظلام.

لكننا اليوم نرى هذا التشبيه حاصلا في لهيب الأسعار الذي أحرق جيوب الناس وامتص دماءهم وأهدر عرق جبينهم واستباح ماء وجههم وما بقي من كرامتهم. غلاء بعد غلاء ولا تزيد به الأيام إلا ارتفاعا في خرق سافل لإنسانية الإنسان، ناهيك عن حرمة الإنسان المسلم التي هي أعظم عند الله عز وجل من حرمة الكعبة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: “ما أطيبَكِ وأطيَبَ ريحَكِ! ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرمتَكِ! والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لحُرمةُ المؤمنِ أعظَمُ عندَ اللَّهِ حرمةً منكِ مالِهِ ودمِهِ، وأن يُظنَّ بهِ إلَّا خيرًا” (رواه ابن ماجة) ونظر ابن عمر رضي الله عنه يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: “ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك” (رواه الترمذي).

فمن يعيش على تعاسة الناس وألم الناس وآهات الناس؟ هل يا ترى خرجت شخصيات مصاصي الدماء من رفوف المكتبات وقاعات السينما لتعيش معنا وتصنع هذا الواقع؟ أم أن ابتعاد الإنسان عن ربه يهوي به دركات بعد دركات فتنقض عرى فطرته وإنسانيته عروة عروة حتى يصير أصم وأعمى وأبكم عن أوجاع الناس؟ بل ويزيد الخنجر غرسا لتوسيع جراحهم. أنانية مستعلية ما بعدها أنانية أن يبقى سعر المحروقات مرتفعا رغم انخفاضه -أحيانا- في السوق العالمية، وقس عليه لائحة طويلة من المنتجات من مواد غذائية وخضراوات وفواكه وألبسة و.. ولا ننسى الأضاحي التي أصبحت هما ثقيلا عند أصحاب الدخل المحدود ونحن على مشارف عيد الأضحى المبارك..

إلى أين نسير؟ إلى أي هاوية يجرنا القائمون على هذا البلد وهم يمتصون أموال المسلمين بغير حق؟ لماذا يصرون على الضغط المستمر على المواطنين؟ ألا يخافون يوما يكون شره مستطيرا؟ هل يظنون أن الطوفان إن جاء -لا قدر الله- يخضع لحساباتهم وسلطتهم؟

معروف في تتمة الأسطورة أن نور الشمس يحرق مصاصي الدماء كما يحرق العدل في توزيع الأرزاق روح الاستبداد والفساد، ولا يزال أملنا كبيرا في موعود الله ببزوغ نور الحق والعدل المستمد من شمس الإسلام، ليحمي حقوق الناس في العيش الكريم، ويرعى الضعيف والمسكين والمحتاج والسقيم، ويعتني بجميع أطياف المجتمع من خلال نظام زكاه الله من فوق سبع سموات.