*الرابطة القلبية بمن سبقنا بالإيمان علاج لداء الصراع الطائفي الخبيث.
يا من انتعلت همته الثريا، وجمعت عزيمته بين الرحمة والحكمة، وطمعت في أخوة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتشوفت لإقامة موعود شرف إسلام دولي يضمن السلام والعدل والإيمان لكل إنسان، ولجأت إلى باب الله تدعو لمن سبقنا بالإيمان دعاء المضطرين، تنشئ دعاءك إنشاء، تدعو الله لهم ولهن، وفي محطة من محطات دعائك، وقفت على ذكريات تاريخية أليمة عكرت صفو صفائك الروحي ومزاجك العاطفي بينك وبين من تجمعك بهم ولاية عامة من المؤمنين والمؤمنات.
وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً 1.
*فتنة!
انفرطت الجماعة المؤمنة الأولى المكونة من المهاجرين والأنصار، بعدما كانت تشكل جسم الأمة المركزي، وتشكلت مدارس ومذاهب لها فهم للدين، تحت جناح حكام إرهابيين متسلطين على رقاب المسلمين..
الشيعة تحمل السنة مسؤولية تحول الخلافة إلى ملك عاض..
نتفهم واجب التضامن الحزين مع آل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحن السنة أولى بمحبة العترة النبوية،
ومن يستطيع منا نسيان مأساة كربلاء وغيرها من مآسي تاريخ دموي لحكام وراثيين انقلابيين جثموا على أمتنا المغلوبة على أمرها باسم الدين؟
لكن، لا ننسى أن من الدين التقرب إلى الله بمحبة أمهات المؤمنين وذرية نبينا المصطفى الكريم، صلى الله عليه وسلم، والآل والصحب الكرام رضوان الله عليهم وإخوانه وحزبه، كما لا ننسى استشرافنا للمستقبل الموعود للإسلام، كما أخبرنا في الحديث:
“مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ” 2.
الدعاء الجامع بين الآل والصحب، تربية وقائية وعلاجية لأزمة الصراع المذهبي المقيت، تسري سمومه في أوصال الأمة منذ قرون.
الدعاء الجامع لشمل الأمة، مقاومة لمن يتلاعب بدماء المسلمين وكرامتهم وخيرات بلادهم بإشعال نار الفتن في بقع التوتر ليضمن مصالح هيمنته علينا، بدعم حلفائه المتحكمين في رقابنا من بني جلدتنا.
يريدون من المسلمين أن يتخندقوا في طائفيتهم وعدوانيتهم، فيكون المخالف في المذهب هو العدو الأول والشيطان الأكبر!
*كيف نفسر [احتفال الصحافة الغربية ومثقفيها الإعلاميين بالجهاد “الأفغاني” طيلة فترة القتال ضد السوفيات في أفغانستان (1989-1979) مع انتقادهم اللاذع للمكانة المتدنية التي تمنح دينيا للمرأة الأفغانية! بل يعتبرونها “غرائبية ثقافية” مثيرة للفضول بشكل ما؟] 3
*… ويأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه بإذن السميع العليم، تعي أذنهم الواعية قول الحق عز وجل:
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ 4.
أجيال تسترشد بفقه تجديدي مساعد على فحص الأمراض التاريخية والنفسية للأمة وتشخيصها، يدعون الله لمن سبقهم بالإيمان من المؤمنين والمؤمنات من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وأمهات المؤمنين والصحب والآل وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، من أئمة الفقه والحديث والصوفية، والمجتهدين والمجاهدين والمجددين وكل من ساهم في إعلاء كلمة الله وخدمة القرآن واتباع نبينا المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم.. يدعون لجيل الخلافة على منهاج النبوة المنتظرة الثانية سائلين الله أن يستعملهم كمساهمين في إقامتها دعوة ودولة بإذن الله، يدعون دعاء من يوقن بالكرم الإلاهي بالنظر إلى وجهه الكريم.
*بتربية مثل هذه الأجيال يمكن للمتمذهبين من المسلمين أن يتقاربوا، لا تنتظر من المنتديات الفكرية ودعوات المراجعات والشعارات المنفعلة من هنا وهناك فقط، أن تؤتي ثمارها ما لم تستوعب الأطراف المتنازعة من المسلمين جوهر الأزمة المنهاجية في فهم الدين وكيفيات تجديده تجديدا إيمانيا عاما بتربية إيمانية شاملة.
ما زلنا نتذكر يوم سقوط نظام صدام حسين رحمه الله، كيف خرج العلماء والمثقفون وباقي النخب، العراقية المسلمة، إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة يهتفون وهم مستبشرون، رافعون لافتات مكتوب عليها بخط جميل:
” لا شيعية لا سنية إسلامية إسلامية.”
*علمنا التاريخ آفات اختزال شعارات تغييرية لأمان معسولة ليس وراءها مشاريع ممتدة في الزمن عبر محاضن تربوية رافعة يقتحم المسلمون عبرها فتنتهم التاريخية.
مواظبة الأجيال على الدعاء بظهر الغيب للآل والصحب جزء من دعاء الرابطة الأساسي الذي جدده الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، كما جدد غيره من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطرائق تجديد الإيمان وفق مقتضيات علم المنهاج النبوي لتغيير الإنسان.
*كان الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله يؤكد على اتخاذ الدعاء لمن سبقنا بالإيمان من الموكب النوراني سلوكا ترتفع به هممنا وعزائمنا مع الاقتداء بمن ندعو لهم بأخلاقهم وأفعالهم الحسنة، لا نقف عند التبرك بهم فقط، بل نطلب ما كانوا يطلبون من حب الله والفوز به سبحانه وتعالى عسى الله أن يجمعنا بهم مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا.
[2] رواه الترمذي.. عن قُتَيْبَةُ عن حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى الأَبَحُّ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنهم أجمعين.
[3] دينيس سوشونDENIS SOUCHON،”عندما كان الجهاديون أصدقاءنا”، لوموند ديبلوماتيك، فبراير 2016 ، منقول بتصرف من مقال حول حرب الديانات SERGE HALIMI م.د عدد22 دجنبر 2017
[4] الآية (10) الحشر.