بمناسبة الذكرى السادسة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين، أطلقت قناة بصائر الإلكترونية، برنامجا جديدا، يدور حول وصية الإمام عبد السلام ياسين الأخيرة، التي كتبها رحمه الله تعالى قبل ارتحاله عن الدنيا.
يعد ويقدم البرنامج صاحب الإمام وتلميذه الدكتور عبد العالي المسئول؛ أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة فاس، وهو في الحلقة الأولى من برنامج “وصيتي” يقدم لسلسلته ببيان مكانة الوصية في الدين وبمضامينها العامة.
“جرت عادة علمائنا وصلحاء هذه الأمة أن يكتبوا وصيتهم قبيل وفاتهم، وقد كتب الأستاذ الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى وصيته قبل وفاته بإحدى عشرة سنة، جريا على هاته العادة، التي هي عادة ثابتة وراسخة في هذه الأمة”.
بعد هذه المقدمة، عمد الدكتور المسئول إلى تعريف الوصية قائلا: “والوصية كما قال الراغب الأصفِهاني في “المفردات” هي “التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ”. وهذه الوصية قد تكون أمرا أو نهيا لطلب فعل أو لترك أمر لمصلحة ومنفعة المأمور، ذلك أن صاحب الوصية يريد أن يترك شيئا لأتباعه ولأحبائه وللناس أجمعين، فهو يكتب هذه الوصية لمصلحة هؤلاء. وهذه الوصية هي عهد بينه وبين الموصى لهم، وفي الوقت ذاته هي صلة بينه وبين هؤلاء، حتى إذا ما مات صاحب الوصية بقيت هذه الوصية وُصلة بينه وبين الناس”.
وعن وقت كتابة الوصية أوضح المسئول أنه “عادة هذه الوصية يكتبها الإنسان إذا خشي الفوت أو حضره الموت، حينما يخشى الإنسان أن تفاجئه الوفاة فإنه يكتب هذه الوصية ويتركها لمن بعده”. مستدلا بالحديث الشريف الموجود في “سنن ابن ماجة عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجِلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم: هذه موعظة مودع فأوصنا، فأوصاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم”. ومعلقا عليه بالقول: “الشاهد عندنا من هذا الحديث بأن الوصية تكون خشية الفوت”، ومضيفا: “وقد تكون عند حضور الموت، ذلك ما حكاه الله سبحانه وتعالى عن سيدنا إبراهيم حينما أوصى بنيه وعن سيدنا يعقوب عليه السلام حينما أوصى أبناءه، قال الله تعالى: وَأوصىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فحينما حضرته الوفاة قال هذه الوصية لأبنائه”.
واسترسل المسئول مؤصلا فعل كتابة الوصية من الكتاب والسنة “عادة الوصية هي من الباري سبحانه وتعالى، الله تعالى في كتابه العزيز أوصى عباده بعدد من الوصايا؛ أوصاهم بأن لا يقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، أوصاهم بالوالدين إحسانا.. أوصاهم بعدد من الأمور. والأنبياء توجهوا إلى قومهم بعدد من الوصايا. والعلماء العاملون والمجددون المصلحون يتركون وصايا لأتباعهم ولمحبيهم”.
وبخصوص محتوى الوصية أخبر المسئول أنه “عادة هذه الوصية هي دعوة إلى مكارم الأخلاق، هي دعوة إلى محاسن العادات، هي تذكير بأوامر الله تعالى، وبأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، تذكير باجتناب النواهي. والشريعة إذا ما نظرنا إليها هي مجموعة من الأوامر والنواهي، ولذلك قال سبحانه وتعالى: إن الله يامر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ولذلك قالوا إن أجمع آية في كتاب الله هي هذه الآية، لأنها تجمع كليات الأوامر وتجمع كليات النواهي”.
وعاد المسئول لتبيين نهج رسول الله صلى الله عليه بهذا الخصوص، قائلا: “عدد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ياتونه فيقولون له: يا رسول الله أوصنا، كما عند الإمام البخاري في صحيحه: جاء رجل فقال: يا رسول الله أوصني، قال: لا تغضب، وكررها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا. وفي الأدب المفرد للإمام البخاري: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أوصني، قال: اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا. فعدد من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي لها علاقة بمكارم الأخلاق وبمحاسن العادات، وبعدد من الأوامر والنواهي التي هي في مصلحة الفرد والجماعة، رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوصي الأفراد وكان يوصي الأمة بعدد من الأمور التي تصلح حالهم، وتجعلهم صالحين مصلحين في هذه الأمة”.
ووضح المسئول في ختام حلقته هذه أنه “فيما سيأتي إن شاء الله تعالى من حلقات سنتحدث بحول الله تعالى عن الوصية؛ متى كتبت؟ وعن مقاصدها وعن مطالبها وعن تفاصيلها”.