وضعية المرأة بالمغرب بين النص القانوني وإشكالية التنزيل

Cover Image for وضعية المرأة بالمغرب بين النص القانوني وإشكالية التنزيل
نشر بتاريخ

تمهيد لابد منه

جرت العادة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بتقصي ومناقشة المستجدات القانونية المتعلقة بوضعية المرأة في المغرب، والوقوف على مدى استجابتها للمتطلبات أو الحاجيات التي يستلزمها تغيير وضعها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتردي.

وفي هذه السنة ارتأينا أن نسلط الضوء على واقع تنزيل هذه النصوص القانونية ليس لعدم صدور أي تشريع خاص بالمرأة، وإلا فقد شكل القانون رقم 62.17 المتعلق بأراضي الجماعات السلالية الذي نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 26 غشت 2019 خطوة مهمة توجت نضالا طويلا من أجل رفع الحيف عن المرأة السلالية في المغرب، وإنما لتوجيه الاهتمام إلى مضامين القوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة، وتسليط الضوء على الإشكاليات المرتبطة بتنزيلها، خاصة بعد صدور القوانين التي قال عنها أغلب المتتبعين الحقوقيين أنها قوانين حداثية تساير ما وقّع عليه المغرب من اتفاقيات دولية، وإن كانت لا تسمو إلى الواقع الذي تطلعت إليه نضالات فعاليات المجتمع  المدني والمؤسسات الحقوقية، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن مكمن الخلل، وما إذا كان يتعلق الأمر بقصور في النص القانوني، أم بعدم توفر البيئة الملائمة لتنزيل هذا النص؟

أسئلة وإشكاليات سنحاول مقاربتها من خلال محورين، نتناول في المحور الأول مظاهر القصور في النص القانوني، فيما نعرج في المحور الثاني على إشكاليات تنزيل هذا النص.

المحور الأول: إشكالية قصور النص

بتقصي النصوص القانونية المتعلقة بتنظيم وضعية المرأة في المغرب، نلاحظ أنه في السنوات الأخيرة حاول المشرع في إطار ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المصدق عليها من قبل المغرب، وأيضا في إطار استجابته للعديد من نضالات المؤسسات الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني، إصدار مجموعة من القوانين من أجل تحسين وضعية المرأة، بدأ بمدونة الأسرة، ومدونة الشغل، فقانون العمال المنزليين، ثم القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وأخيرا القانون المتعلق بأراضي الجماعات السلالية، دون أن نغفل الوثيقة الدستورية لسنة 2011، والتي اعتبرت وثيقة حداثية، شكلت، حسب العديد من المتتبعين الحقوقيين، طفرة نوعية في الحقوق والحريات التي نصت عليها، وحاولت حمايتها في نصوص الدستور من 19 إلى 40 في الباب المتعلق بالحقوق والحريات.

بالرغم من أن هذه النصوص قعدت لمجموعة المكتسبات التي لم تكن المرأة تتمتع بها من قبل، إلا أن هذا لا ينفي وجود بعض جوانب القصور التي اعترت هاته النصوص، التي سنستعرض بعضها على سبيل المثال لا الحصر؛

فبخصوص مدونة الأسرة، فقد نصت المادة 4 على أن “الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة”.

وبمقتضى هذه المادة، أصبحت الزوجة ملزمة بالإنفاق في حالة عسر الزوج ويسرها، وأداء تكاليف التعليم الخاص في حالة إذا ما كانت هي بادرت إلى تسجيل الأبناء في مؤسسات التعليم الخاص، طالما أن التوجيه الدراسي أضحى من حق الزوجين معا بعدما كان في قانون الأحوال الشخصية حكرا على الزوج، وهو ما يعد إرهاقا للذمة المالية للمرأة، التي أصبحت محل اعتبار في جميع المساطر المعروضة على القضاء من نفقة وطلاق وتطليق… إلى غيرها من المساطر، التي يقوم فيها القاضي بالتقصي حول الوضعية المادية للزوجة قبل الحكم بالنفقة وبالمستحقات المترتبة على الطلاق، الشيء الذي أدى إلى هزالة الواجبات المحكوم بها من طرف القضاء الأسري مع ما يستتبع ذلك من تزايد تدهور الوضع الاقتصادي للأسر التي يصبح المعيل الوحيد لها هو المرأة المطلقة.

وفيما يتعلق بالتطليق للشقاق الذي عد مكسبا حقوقيا للمرأة، حيث أتاح لها إمكانية التطليق دون كبير عناء  في إثبات الضرر، فقد ذهبت محكمة النقض بعد خمس سنوات ونيف من تطبيق مدونة الأسرة واستقرار محاكم الموضوع على تمتيع المطلقة بكافة المستحقات المترتبة عن التطليق، من واجب المتعة والسكن وواجب النفقة خلال العدة، إلى حرمانها من واجب المتعة في حالة تقدمها بطلب التطليق للشقاق ابتداء من القرار عدد 433 الصادر بتاريخ 21 شتنبر 2010 في الملف عدد 623/2/1/2009، المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 72، الصفحة 83، الذي جاء في إحدى حيثياته: “المتعة لا يحكم بها إلا في حالة الطلاق أو التطليق الذي يتم بناء على طلب الزوج، أما في حالة التطليق للشقاق بناء على طلب الزوجة فإنه لا يحكم لها بالمتعة، وإنما يحكم لها بالتعويض بعد أن تثبت مسؤولية الزوج عن الفراق”.

وثالثة الأثافي ما نصت عليه المادة 49 من مدونة الأسرة من أنه لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، وأنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها، ويضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، وأنه إذا لم يكن هناك اتفاق، فيتم تطبيق القواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة.

فنص المشرع على أنه في حالة عدم وجود اتفاق على تدبير الأموال المكتسبة بعد الزواج، يتعين تكليف من يدعي المساهمة في تنمية أموال الأسرة بعد إبرام عقد الزواج بإثبات ذلك طبقا للقواعد العامة، وهذا فيه إرهاق للمخاطب بهذا النص بالنظر لصرامة قواعد الإثبات المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، التي تجعل البينة على من يدعي القيام بعمل معين، هذا ناهيك عن عدم تثمين العمل المنزلي وتقويمه بمال انطلاقا من كون الزوجة ملزمة بتربية الأبناء والخدمة المنزلية، والحال أن جمهور الفقهاء استقر رأيهم على عدم إلزام المرأة بذلك، ومن تم متى قامت الزوجة بذلك فهي تستحق مقابلا عنه، وبالتالي تكون قد ساهمت بعدم تقاضيها ذلك المقابل في تنمية الأموال المكتسبة بعد الزواج. الأمر الذي يعتبر بنظرنا تراجعا عن نظرية الكد و السعاية التي أثلها الفقه الإسلامي لتمكين المرأة من نصيبها في الأموال المكتسبة بعد الزواج انسجاما مع العرف.

أما فيما يتعلق بمدونة الشغل، فقد نص المشرع المغربي في المادة 172 على إمكانية تشغيل النساء ليلا، مع الأخذ بعين الاعتبار وضعهن الصحي والاجتماعي، وبشروط يجب توفيرها لتسهيل هذا التشغيل، وهذا المبدأ يرد عليه استثنائيين في المادة 179 من مدونة الشغل، ويتعلق الأمر بمنع تشغيل النساء في المقالع، وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم.

وإنه لئن كان بعض المهتمين بالمادة الاجتماعية وبقضايا المرأة قد اعتبر تشغيل النساء ليلا ضمانة تبناها المشرع تكريسا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة و انسجاما مع الاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فإن المشرع المغربي تراجع بنظرنا تأثرا بالاجتهاد القضائي المقارن عن مبدأ منع تشغيل النساء ليلا، الذي كان منصوصا عليه في ظهير 2 يوليوز 1947، حيث كان يقر تمييزا إيجابيا لفائدة المرأة، أخذا بعين الاعتبار تكوينها الفسيولوجي من جهة، ووضعها الاجتماعي من جهة أخرى كأم وزوجة، إذ أصبح الأصل هو تشغيل النساء ليلا، والاستثناء هو عدم التشغيل في حالات محدودة جدا، بالنظر إلى التوسع الكبير الذي أورده المشرع في الاستثناءات الدائمة والمؤقتة على مقتضيات المادة 172 من مدونة الشغل،(المواد 173 و175)، وبالنظر لهزالة العقوبات المفروضة في حالة المخالفة، الشيء الذي نعتبره عصفا بمقتضيات حمائية كانت تستفيد منها المرأة.

بل حتى عندما حاول المشرع التلطيف من المبدأ الجديد – تشغيل النساء -، بمقتضيات النص التنظيمي المنصوص عليه في المادة 172 من مدونة الشغل، ويتعلق الأمر بالمرسوم رقم  2.04.568 الصادر في 29/12/2004، والمتعلق بتحديد الشروط الواجب توفيرها لتسهيل تشغيل النساء في أي شغل ليلي، انحصر الأمر في اشتراط ضرورة توفير وسيلة نقل للأجيرة عند عدم توفر النقل العمومي، وبراحة نصف ساعة تعتبر ضمن مدة الشغل الفعلي، علاوة على توفير وسائل الراحة.

وفيما يتعلق بالقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة، فعلاوة على كون القانون جاء في صيغة تعديل لبعض مقتضيات القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، فإنه لم يأت بمقتضيات خاصة بالمرأة فحسب، وإنما تضمن مقتضيات تروم حماية مجموعة من فئات المجتمع كالأزواج والأصول والقاصرين والطليق والكافل أو الولي … كما أنه حينما عرف أنواع العنف التي تطال المرأة في المادة الأولى، أورد تعريفا حصريا لا يسمح بتجريم أنواع أخرى من العنف، من قبيل العنف الرقمي الذي أصبح يشكل أخطر أنواع العنف الممارس على المرأة، كما أن هذا التعريف استلزم ضرورة ترتب نتيجة عن العنف، الأمر الذي يوحي بعدم إمكانية تجريم العنف الذي لا يترتب عليه ضرر خلافا للقانون الجنائي الذي يجرم في الفصل 400 منه العنف والإيذاء الذي لم يترتب عليه عجز أو ضرر، ناهيك عن الإشكال الكبير المطروح على مستوى إلزام الضحية بإثبات الضرر طبقا للقواعد العامة للإثبات.

والأدهى والأمر أن المشرع قيّد المتابعة في حالة ارتكاب الأفعال المجرمة في هذا القانون بضرورة تقديم شكاية من الشخص المتضرر من الجريمة، كما جعل من التنازل على الشكاية سببا يحد من المتابعة ومن آثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره. الأمر الذي يضع الضحية، والتي في الغالب الأعم هي المرأة، بين خيارين أحلاهما مر؛ بين أن تتقدم بالشكاية من أجل رفع الظلم والحيف عنها مع ما يستتبع ذلك من انتقادات اجتماعية وأسرية، على اعتبار أن المشتكى به يمكن أن يكون أخاها أو زوجها أو طليقها أو أحد أصولها أو كافلها أو شخص له سلطة أو ولاية عليها، وبين ألا تتقدم بالشكاية أو تتنازل عنها في حالة تقديمها من أجل الحفاظ على كيان الأسرة وصورتها داخل المجتمع، وما واقع شكاية إهمال الأسرة، التي تتقدم بها الزوجة في مواجهة زوجها أو طليقها من أجل عدم الإنفاق والتي تنتهي في غالب الأحيان بالتنازل، عنا ببعيد.

ما طرحنا أعلاه مجرد غيض من فيض القوانين التي تعج بالمقتضيات التي شابها قصور في معالجة قضية المرأة في مختلف مجالات القانون، الأمر الذي يقتضي التدخل التشريعي على وجه الاستعجال لتدارك مكامن التناقض أو النقص أو الغموض…

ولئن كانت وضعية المرأة قد تأثرت بجوانب القصور التي اعترت المنظومة القانونية المنظمة لها، إلا أن جزءا غير يسير من المسؤولية عن هذه الوضعية يرجع إلى غياب الشروط الموضوعية لتنزيل تلك القوانين، وهو ما سنتناوله في المحور الثاني من هذا المقال.

المحور الثاني: إشكاليات مرتبطة بالتنزيل

أدى التزام المغرب بملاءمة قوانينه الوطنية مع مضامين الاتفاقيات الدولية التي وقّع عليها إلى تضمين مجموعة من المقتضيات المستوحاة من بنود هذه الاتفاقيات في القوانين الداخلية، دون الاهتمام بتهييء البيئة الملائمة لتنزيل هذه المقتضيات، سواء تعلق الأمر بالعنصر البشري أو العنصر اللوجستيكي، مما أدى إلى عدم تحقيق النتيجة المرجوة من هذه القوانين.

 فبدخول مدونة الأسرة سنة 2004 حيز التنفيذ، تعالت الأصوات القائلة بأن هذه  المدونة ستحقق نقلة نوعية في وضعية المرأة بالمغرب، على اعتبار أنها تضمنت مجموعة من المقتضيات الإيجابية، من قبيل إقرار مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، توثيق عقد الزواج، إعطاء المرأة الحق في التطليق للشقاق، وضع الطلاق والتطليق والتعدد بيد القضاء، إقرار الوصية الواجبة لأبناء البنت… إلى غيرها من المقتضيات، مع ما رافق ذلك من ضجة إعلامية تنوه بالحقوق التي أصبحت تتمتع بها المرأة في المغرب على المستوى الأسري، بل واعتبرتها مجموعة من فعاليات المجتمع المدني طوق النجاة الذي كانت تنتظره الزوجة والمطلقة للوصول إلى بر الأمان.

إلا أنه سرعان ما بدت معالم الخلل والعوار في الظهور بمجرد دخولها حيز التنفيذ، ذلك أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يعيشه المجتمع المغربي لم يترك للقائمين على تنزيل مقتضياتها مجالا من أجل استقراء النصوص، ومحاولة تقصي إرادة المشرع من وراء وضعها، فعمد القضاء إلى تنزيل هذه المقتضيات مستحضرا الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر، إذ لا يمكن الحكم للمطلقة بمستحقات كافية للأبناء، إذ أن دخل الزوج، ورغبته في الزواج مرة ثانية، هذا إن لم يكن لديه أبناء من زوجته السابقة، لا يسمح بذلك.

كما لا يمكن الحكم للمرأة المطلقة بنصيب من الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية، وإن كانت تشتغل وقدمت مجهودات، وتحملت أعباء لتنمية أموال الأسرة، لأنها لم تستطع أن تثبت ذلك طبقا لقواعد الإثبات العامة، فبالأحرى تثمين عمل المرأة داخل البيت، التي تبذل مجهودات مضاعفة من أجل الاهتمام بشؤون الأسرة والزوج.

ناهيك عن المعيقات المرتبطة بتأهيل العامل البشري القائم على تطبيق بنود هذه المدونة، فكثرة الملفات، وعدم تخصص المشتغلين عليها، أدى إلى إفراغ مؤسسة الصلح من فعاليتها، حيث لم يعد يتجاوز الأمر التحقق من هوية الأطراف، والسؤال عن سبب التطليق، دون إمكانية إعطاء فرصة لإجراء محاولة الصلح على الوجه الذي توخاه واضع المدونة.

هذا التنزيل لم يستحضر الوضعية المزرية للمرأة المغربية على جميع المستويات؛ حيث تسجل أعلى نسبة للأمية في صفوف النساء، نتيجة تفضيل الأسر المغربية تعليم الذكور في مقابل تشغيل الفتيات من أجل المساهمة في إعالة الأسرة، أو تزويجهن قاصرات خوفا من الاغتصاب أو الفساد، وفي أحسن الأحوال حبسهن في البيوت من أجل القيام بالأشغال المنزلية والاهتمام بالشؤون الداخلية للأسرة إلى أن يأتي الزوج الذي سينقلها من وضعها السيء إلى وضع أسوأ منه، ستضطر فيه إلى تكوين أسرتها الصغيرة دون أن تكون مكتسبة للمؤهلات التي ستساعدها على تحسين وضعها الاقتصادي والاجتماعي، والرقي بمستوى تفكيرها وتنمية قدراتها الذاتية، ناهيك عن تكوين أسرة، ورعاية أبناء وتربيتهم مع ما يستلزم ذلك من تعليمهم وتوعيتهم بما يؤهلهم ليكونوا أشخاصا فاعلين في المجتمع، وهي التي تفتقر لما هي مطالبة أن تمنحه، الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل كيف يمكن لمرأة تعيش مثل هذه الظروف أن تكون واعية بمقتضيات مدونة الأسرة؟ كيف لها أن تفهم أن المشرع أعطاها الحق في طلب التطليق للشقاق، وفي الوقت نفسه حرمها الاجتهاد القضائي من حقها في المتعة؟ كيف لها أن تثبت مساهمتها في تنمية أموال الأسرة، وهي التي كانت تعطي دون أن تطلب وثائق تثبت ما ساهمت به، أو تطلب مقابل  عن الأشغال المنزلية التي تعتبرها بحكم العادة والتنشئة أمور ملزمة بالقيام بها في مقابل الإنفاق عليها وعلى أبنائها؟ كيف لها أن تفهم أنها بعد انفصام العلاقة الزوجية تكون هي الحاضنة لأبنائها والمسؤولة عن رعايتهم، وتضطر إلى الخضوع لابتزاز الزوج من أجل عدم المطالبة بإسقاط حضانتها عنهم في حالة زواجها، أو من أجل الحصول على الإذن في جميع الأمور المتعلقة بالسفر بهم من أجل الإجازة أو لإتمام دراستهم خارج أرض الوطن عند الضرورة؟ كيف لها أن تفهم أنها ملزمة بإعالة أبنائها في حالة عسر الزوج حتى وإن كانت تشتغل في ظروف شغل قاسية وبأجور زهيدة؟

أما فيما يتعلق بالقانون 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والذي أخذ سنوات طويلة من النقاش والجدل قبل المصادقة عليه، ففضلاً عما اعتراه من أوجه النقص على مستوى مقتضياته، إذ لم يستحضر واضع النص جميع الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع المغربي، كما لم توفر الجهات المعنية بتطبيقه الوسائل الكفيلة بحسن تنزيله على أرض الواقع، إن على مستوى وسائل الإثبات؛ بعدم المصادقة على مشروع قانون الطب الشرعي، وعدم إقرار نوع من المرونة في إثبات العنف، وإن على مستوى سريان المسطرة، والتي لا تختلف عن باقي المساطر وشكايات العنف الأخرى، التي يمكنها أن تطول إلى درجة تشرد الأسر لعدم توفير مراكز الإيواء المنصوص عليها في القانون، والاكتفاء بالإمكانيات المحدودة التي تقدمها بعض الجمعيات حيث لا يمكن أن تتعدى مدة الإيواء أياما معدودة، الشيء الذي يمكن معه العصف بجميع بنود هذا القانون، طالما أن ضحية العنف التي في الغالب الأعم هي المرأة ستجد نفسها وأبناءها في الشارع بمجرد التقدم بالشكاية في مواجهة مرتكب العنف، الزوج أو الأب أو الأخ،أو الكافل…

وينطبق نفس الأمر على جميع الترسانة القانونية المتعلقة بوضعية المرأة، ليس لعدم جدوى النص القانوني في الرقي بمكانة المرأة داخل المجتمع المغربي، وإنما لعدم كفاية النص القانوني وحده من أجل القول بتحقيق ما نصبو إليه.

ذلك أن تنزيل النص القانوني ليس أقل أهمية من المصادقة عليه وإخراجه إلى حيز الوجود، فالأمر لا يتطلب إقرار نصوص بقدر ما يتطلب توفير البيئة الملائمة لتطبيقها، إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الأخلاقي، وقبل كل ذلك على مستوى توفر الإرادة السياسية، التي يجب أن تكون مقتنعة بأن تغيير وضعية المرأة المغربية لا يمكن أن يتم إلا بتغيير وضع المجتمع المغربي ككل، وذلك لن يتم إلا بإقرار إصلاح شمولي على جميع المستويات، إصلاح يتحمل فيه الجميع مسؤوليته، ويساهم فيه كل واحد من موقعه، حتى يمكننا القول فعلا بأننا نؤمن بالتغيير وننشد الإصلاح، ليس فقط لوضعية المرأة المغربية، بل لوضعية المجتمع المغربي ككل، إصلاح يكون للمدخل التربوي والأخلاقي فيه دور الريادة، إصلاح يسترجع فيه جميع أفراد المجتمع المغربي كرامتهم وإنسانيتهم، لأنهم المعنيون بتنزيل جميع المقتضيات القانونية، بل والمعنيون بتقبل التغيير المنشود سواء كان بالمدخل القانوني أو بباقي مداخل التغيير الأخرى، وتقديم كل التضحيات اللازمة من أجل ذلك.