تشخيص واقع
الإسلام يكرم المرأة، الإسلام يمنح المرأة حقوقها، الإسلام يحمي المرأة… تلك هي العبارات المتكررة التي يسمعها كل شخص يطرح أسئلة حول وضع المرأة في العالم الإسلامي.
لا يسعنا الوقت للتفصيل ولجرد الفوارق الفعلية الموجودة بين امرأة وأخرى في عالم واسع ومركب ومتنوع مثل العالم الإسلامي. من المؤكد أن الواقع اليومي لامرأة من الطوارق لا يمت بصلة لواقع امرأة من البورجوازية اللبنانية، اللهم كونهما يشتركان نفس العقيدة.
حقا إن الاختلافات كبيرة بين حالة وأخرى لكن هناك فعلا خصوصية لوضع المرأة في العالم الإسلامي، تتجلى في تقاليد وذهنيات وبرامج دراسية، والأدهى من ذلك في قوانين وإحصائيات آن الأوان للاعتراف بأنها أعطت مصداقية لكثير من الخطابات التي طالما نفاها وأنكرها المسلمون. المرأة المسلمة مقهورة باسم الإسلام، وتعتبر قاصرة باسم الإسلام، وتطلق وترمى في الشارع باسم الإسلام، وتهمش باسم الإسلام، نعم تخفض باسم الإسلام.
تساؤلات
هل النصوص الشرعية -الكتاب والسنة- هي التي تؤصل لدونية المرأة؟ أم أن ابتعادنا عن هذا النبع الصافي هو الذي يجعل هذه الدونية تنسب للإسلام؟ هذا هو السؤال الذي أصبح يطرح نفسه بإلحاح متزايد.
وبمجرد ما نتخلص من الأغلال الإيديولوجية التي صنعت على مدى قرون من القراءات الفقهية المتراكمة والمتباينة وننهل مباشرة من نبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتضح جليا أن الدينامية اللصيقة بالتربية النبوية قد غيبت تدريجيا. ونكتشف أننا ابتعدنا عن روح التشريعات الإسلامية نظرا لعدة أسباب مرتبطة فيما بينها سنحاول إبرازها في تبسيط شديد قصد الإيضاح:
1- إن الانكسار السياسي المتمثل في الانقلاب الأموي هو الذي عطل الدينامية التحريرية التي أرستها التربية النبوية.
2- ثم إن الانشقاقات الناتجة عن الانكسار السياسي أضعفت هذه الدينامية أكثر فأكثر وشتتت القوى الحية للأمة، وجعلت أي تفكير شامل حول الوضع الجديد للمرأة، ذلك الوضع المكتسب في العهد النبوي، يتراجع ليصبح في أدنى سلم الأولويات.
3- كما أن الاجتهاد، تلك القوة الحية التي تبحث في أنسب السبل من أجل المحافظة على روح الشريعة، تحول شيئا فشيئا إلى محاولة لتفادي ما هو أفظع ليتلاشى تماما ويختفي ليحل محله التقليد (القراءات الحرفية للنصوص). هكذا انتقل العالم الإسلامي من أنوار الاجتهاد إلى ظلمات التحجر الفكري والروحي الذي أدت المرأة ثمنه باهظا، إذ وجدت نفسها سجينة أعراف مبنية على فقه “سد الذرائع” عوض أن تتمتع بحقوقها الشرعية المكفولة لها بالكتاب والسنة.
4- بالإضافة إلى استيقاظ العديد من العصبيات القبلية التي أصلت لها -عن وعي أو غير وعي- بعض القراءات الفقهية بغية إضفاء الشرعية عليها.
5- وأخيرا أدى التوسع الإسلامي إلى ظهور ظاهرتين أساسيتين ومرتبطتين :
– تعثر دينامية القضاء على الرق ، التي أرساها القرآن .
– تفاقم النزوع نحو حبس النساء المسلمات في البيوت لتمييزهن عن الإماء والنساء الوضيعات، فأصبح “حبس المرأة من أجل حمايتها” هو الشعار.
المشروع
إن الواقع جد معقد وكذلك الحلول التي يمكن اقتراحها من أجل العودة إلى النبع الصافي. إن أي مجهود في هذا الشأن يجب أن يتم في ثلاث اتجاهات:
– على مستوى القلب: إن التربية الروحية أساسية من أجل إعادة الارتباط بالنصوص الشرعية التي تذكر أساسا بمعاني الإحسان وبأهمية الدأب عليه.
– على مستوى اكتساب أدوات الشريعة، بمعنى آخر إعادة إحياء الاجتهاد والحرص على إسهام المرأة فيه، وجعله مجهودا جماعيا، لأن الحلول المرجوة لمشاكل هذا العالم المعقد، لا يمكنها أن تكون ثمرة مجهود فردي.
– على مستوى تجاوز الإرث السياسي، لأن الاجتهاد لا يمكن أن يتم إلا في مجتمعات ديمقراطية حقة متحررة من أنظمة الجبر التي كانت في الأصل وراء استعباد رجال ونساء هذه الأمة.
إن العمل المطلوب إذن عمل تربوي وسياسي في آن واحد، يحتاج طول نفس والمراهنة على المدى البعيد والحذر من منزلق السقوط في النسوية التقليدية، الغربية إذن والمادية بالضرورة. لا يجب أن تحركنا الرغبة في الثأر من المجتمع الذكوري، بل الرغبة في تحقيق التكامل بين المرأة والرجل في إطار الولاية التامة التي تجعل من كل واحد منهما عنصرا فاعلا في مجتمع أكثر عدلا وإنسانية وإحسانا: مجتمع الثقة.
إن أي تشجيع للنسوية على النهج الغربي سيكون خطأ في التاريخ والمعالم، بل أكثر من ذلك سيكون تعنيفا على مسار تاريخنا وسببا في خلق المزيد من المقاومات وإذكاء المزيد من المفارقات.
إن الإلمام بما ينص عليه الإسلام في مجال حقوق المرأة ضرورة ملحة، لكن التسرع في تنزيلها في الوقت الراهن دون تريث سيكون بمثابة انتحار على المستوى الاجتماعي وسيتعرض للذم بشكل منهجي.
* نص المداخلة التي أرسلتها الأستاذة ندية ياسين إلى مؤتمر النسوية الإسلامية المنظم ببرشلونة من 27 إلى 29 أكتوبر 2005.