كان لافتا في تصريحات رئيس أمريكا القديم/الجديد ترامب تهديده المتكرر بجحيم في الشرق الأوسط ما لم تتوقف الحرب في غزة، التي دخلت يومها الـ470 في ظل انهيار أخلاقي وقيمي وقانوني عالمي بعد أن عجزت كل المؤسسات الدولية عن إيقاف آلة الحرب الصهيونية كل هذه الفترة. اليوم، وبعدما عجز الكيان الصهيوني الدخيل عن تحقيق أي من أهدافه التي دعمتها الإدارة الأمريكية على جميع الأصعدة، بل لم يجدوا ما يلوح في أفق تحقيقها، ترضخ أمريكا لاتفاق بشروط كانت ترفضها بالأمس، ولا يجد الكيان المسخ بُدّا من متابعتها.
1- وقف إطلاق النار في غزة.. ثمرة صمود أسطوري
بعيدا عن بنود الاتفاق وتفاصيله التي تشي بمعركة كانت تدور رحاها على طاولات المفاوضات منذ 470 يوما تقريبا، تكاد توازي في شراستها المعارك الميدانية، يبرز السؤال: من انتصر ومن انهزم؟
جواب هذا السؤال يرتبط أساسا بمدى تحقق الأهداف المعلنة لقادة العدوان الصهاينة: “القضاء على حركة حماس، واستعادة الرهائن بدون شروط، وضمان أن غزة لن تشكل تهديدا للكيان مجددا”.
عجرفة وغرور القوة عند نتنياهو دفعاه ليقول: ما ستواجهه حماس سيكون صعبًا ورهيبًا، وسنغيّر الشرق الأوسط. وتحدث مرّة عن تمزيق حماس، وأخرى عن تصفيتها.
الآن وبعد توقيع ممثلي الكيان على الاتفاق يشهد العالم أن الرهائن سيعودون على مراحل في عمليات تبادل نتيجة مفاوضات غير مباشرة، وأن حماس لم ترفع الراية البيضاء، بل كبدت العدو الغاصب من الخسائر ما لم يحلم به في أقسى كوابيسه، وبقيت شامخة ملهمة لكل شعوب الأرض وحركات التحرر.
أما هدف محو التهديد الذي تمثله غزة فلن يفارق عقول قادة العدو الذين تمنى أحدهم (إسحاق رابين) ذات يوم أن يصحو من نومه فيجد أن غزة قد ابتلعها البحر.
2- معايير النصر والهزيمة في الحروب غير المتكافئة
عادة في الحروب النظامية يعتبر استسلام الزعماء وتوقيعهم على اتفاقيات تقر بالهزيمة ودخول العواصم والسيطرة على أهم مراكز السلطة والسيادة وتفكيك الجيش والإدارة الحكومية أبرز معالم الهزيمة والنصر.
أما في الحروب غير المتكافئة أو غير المتناظرة بين جيش نظامي مدرب ومجهز بأحدث تكنولوجيا الحرب والدمار برا وبحرا وجوا، وبإسناد غربي وتواطئ عربي رسمي، في مقابل حركات مقاومة محاصرة لسنوات وفي جغرافيا محدودة ومفتوحة لا توفر حماية طبيعية، فمجرد عدم الاستسلام والبقاء في الميدان والتحكم في مفاصل القيادة والسيطرة يعد انتصارا.
أما إخفاق نتنياهو وأركان نظامه في تحقيق أي من أهدافه الثلاثة وجلوس وفده المفاوض لطاولة الحوار مرة تلو المرة حتى إنجاز الاتفاق مع ممثلي حركة مقاومة لا زالت صامدة ميدانيا وخلفها شعب محتضن وصابر وصامد بشكل أسطوري، فهو بمثابة هزيمة استراتيجية لا تقاس بمدى ما أحدثه من دمار وخراب وشهداء ومفقودين وجرحى بقدر ما تقاس بعدم استسلام المقاومة وفعلها الميداني الباهر.
3- خسائر الكيان بالأرقام
بحسب أرقام وزارة المالية، تكبد الكيان 125 مليار شيكل (34.09 مليار دولار) منذ بدء الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فيما نشرت صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية إلى أن تكلفة الحرب على قطاع غزة بلغت نحو 250 مليار شيكل (67.57 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024.
فيما تظهر التحليلات أن العجز المالي يصل إلى 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي، أي حوالي 142 مليار شيكل (37.7 مليار دولار).
إذا أضفنا لكل ذلك تراجع قيمة صفقات الاستثمار الأجنبي في النصف الأول من 2024 بنسبة 28% على أساس سنوي إلى 11.8 مليار دولار، وانهيار قطاع السياحة بتراجع أكثر من 80%، وتفاقم معدلات الفقر حيث ربع عدد السكان يعيشون تحت خط الفقر، وشلل قطاع البناء الذي سجل خسائر أسبوعية بـ644 مليون دولار.. نكون بصدد كيان يسير نحو الهاوية بخطى ثابتة ما لم ينزل لطاولة المفاوضات.
4- انتصار المقاومة
القيمة الاستراتيجية للمقاومة تجلت في قدرتها على إحداث زلزال 7 أكتوبر بقرار ذاتي مستقل، طوفان الأقصى الذي قلب موازين القوة بشهادة نخب العدو الفكرية والعسكرية والاستراتيجية المحايدة خصوصا، وما تبعه من صور صمود المقاوم الفلسطيني وشجاعته وإبداعه في الميدان.
وبذلك نجحت المقاومة في إحداث شرخ كبير في الجبهة الداخلية للعدو وكبدته خسائر بشرية واقتصادية ومالية كبيرة وجعلته منبوذا عالميا، تلاحق زعماءه وعساكره وجنوده المحاكم الدولية والوطنية عبر المعمور.
في مقال له نشره موقع القناة 7 العبرية، قال عميت هاليفي: “الجيش الإسرائيلي لم يهزم كتيبة واحدة ولا سرية واحدة في رفح. لماذا يختار الجيش الإسرائيلي مرة بعد مرة عدم قول الحقيقة للجمهور؟ ابقوا معي حتى النهاية وسأبدأ من جديد بالحقائق التي أعرفها كعضو في لجنة الخارجية والأمن ويعرفها كل حمساوي يعيش في رفح”.