وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ

Cover Image for وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
نشر بتاريخ

عندما تنحني الجبال أمام صلابة الإرادة، وتنكسر جحافل الظلم على صخرة الصمود، يُكتب للتاريخ فصلٌ جديد عنوانه العزة والكرامة.

سلامٌ على كل قلب في غزة ينبض بالإيمان والصبر، وسلامٌ على أيدي المقاومين التي أمسكت بزمام العزة، فلم تساوم ولم تهادن. وسلامٌ على الأمهات اللواتي صبرن على الفقد، وتحملن لوعة الغياب ومرارة الحرمان، فكنَّ أعمدة البيوت المهدمة وصمام الأمان وسط العواصف. سلامٌ على المرأة الغزاوية التي حملت الألم ولم تفقد الأمل، وواجهت الموت وهي تُحيي الحياة في قلوب أبنائها، وعلى الطفل الغزاوي الذي كبر قبل الأوان، فتعلم لغة الصمود بدلًا من الحكايات، ونشأ وسط الركام بعينين لا تعرفان إلا الحلم بالحرية.

في وجه الطغاة وقفوا، في زمنٍ ظن فيه المعتدي أن إرادته لا تُقهر، ولكن أبطال غزة أبانوا عن الحقيقة الكبرى: أن الحق يُنتزع، وأن الأرض تُسترد، وأن النصر هبة لمن صدقوا الله وعده.

سلامٌ على من رأى في الظلم وقودًا للإصرار، وفي الدماء الطاهرة طريقًا للحرية. سلامٌ على شهداء عانقوا السماء بدمائهم، وعلى أسرى جعلوا من القيود أداةً للتحرر، وعلى نازحين يتلهفون للعودة إلى بيوتهم وأراضيهم وحقولهم التي بقيت شاهدة على قصصهم وبطولاتهم، وشاهدة على صمودهم أمام العدوان الغاصب.

اليوم نقف شاهدين على هذا النصر، وقد جثا العدو صاغرًا، بعد أن عجزت آلياته وطائراته عن كسر إرادة شعبٍ صغيرٍ في عدده، عظيمٍ في صموده. انتُزعت الحقوق بالقوة، وكتبت غزة للعالم دروسًا بليغة: أن الحرية لا تُطلب، بل تُنتزع، وأن العزة لله جميعًا.

ومع كل صيحة نصر تُرفع في غزة، يجب أن نستذكر أن هذه ليست إلا بداية النهاية لكيانٍ غاصب. ولو بدا للوهلة الأولى أن الظاهر يخفي حجم هذا الانتصار، فإن بصائر أولي البصيرة تدرك أن ما حدث اليوم هو درس بليغ، سيظل عالقًا في أذهان الأجيال.

إن هذا النصر الكبير لا يحمل فقط بشائر التحرر، بل يضع حجر الأساس لسقوط الاحتلال، ويبعث برسالة واضحة: أن الظلم مهما علا وتجبر، فإن له نهاية، وأن وعد الله حق. والرجاء كبير أن يتحرر المسجد الأقصى وسائر أرض فلسطين، وأن ندخلها فاتحين كما وعد الله في قوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) (سورة النور)، يومها يهتف النداء بالفتح المبين ويعم الأمن ربوع الأرض المباركة.

ونسأل الله أن تكون الأيام القادمة لأهل غزة بلسماً لجراحهم ودواءً لأوجاعهم، رغم الألم الكبير والفقد للمال والأهل والولد.

سلامٌ على من فقدوا أحباءهم وبقيت ذكراهم نوراً يشع في قلوبهم، وسلامٌ على من أعادوا بناء الحياة وسط الدمار، فكانوا عنواناً للصمود.

يا رب، كن لهم عوناً وسنداً، واجعل ما مروا به ذخراً لهم في الدنيا والآخرة، وأبدلهم خيراً مما فقدوا، واملأ قلوبهم بالسكينة والصبر.

اللهم اجعل فرجك قريباً، ونصرك دائماً حليفاً لأهل الحق، وأقر أعينهم بالنصر المبين، وبالحرية التي طال انتظارها.
اللهم اجعل لهم من بعد العسر يسراً، ومن بعد الحزن فرحاً، ومن بعد الظلم عدلاً وكرامة.

آمين يا رب العالمين. والحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.