“وَلَيَالٍ عَشْرٍ”

Cover Image for “وَلَيَالٍ عَشْرٍ”
نشر بتاريخ

يُقسم عز وجل، ويبر قسمه وهو البر الرحيم سبحانه، بليال هي تاج على رؤوس الذاكرين الملتمسين نفحات مولانا عز وجل، الباحثين عن مرضاته، يترقبون هدأة الليل فيقومونه، وغفلة الناس في حر النهار فيصومونه، وقد تكفل سبحانه بتصفية قلوبهم من الميل والزيغ، ونفوسهم من التضجر والملل، فهم في عبادة تلو عبادة، رباط قائم دائم، وعلى الله أجرهم.

هي عشر ليال تتوج بيوم العيد. عشر من الابتهال والتهليل والتكبير. بتعظيمها يعظُم حب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ويصغُر كيد الشيطان وأعوانه ويخيب..

العشر الأوائل من شهر الله الحرام ذي الحجة والحجاج في البقاع المقدسة، فقلوبنا معهم تحج، وتُيَمِّم نحو مكة والمدينة، وكأنهم هناك سفراء عنا؛ إذ لم نستطع اللحاق جسدا، فالأرواح هنا تتعبد فتتأكد الصلة.

سبحان الكريم الوهاب. لا محروم إلا من تغافل ففاته الركب إذ ينادي: حي على رب رحيم وعطاء جزيل وموسم للجوائز يأخذها من اتسع قلبه، وصفت روحه، وراقت نفسه.

في العشر سر عجيب؛ هو حب الحبيب عز وجل يدخل البيوت فيرتد إليها أنسها وبركتها وتتنور جنباتها.

في العشر تتمتن العشرة الطيبة بالصحبة المباركة، ويظهر ذو النية الخبيثة لعله ينزجر.

وككل مواسم الله في أرضه، تذكير لأحبابه بما أعد لهم في الجنان العالية، من سكينة وهناء وتصاف وإخاء.

اتقى الله من عظم شعائر الله، وحبب خلق الله في الله، وسعى جابرا للقلوب؛ مفتاح خير مغلاق شر. فما هذه الدنيا بدون وصله عز وجل سوى سراب. وهذه حقيقة التذكير الدائم للعباد؛ أن المراد هو التزود من هذه السوق الوشيكة الزوال، ليفوز المسارعون، وليذوق أولئك الأحباب طعم العشق والوصل والفناء والبذل والحب في الله، وصلة أهل الله والسعي لرفع كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله في القلوب تشربا، وفي الظاهر استقامة وتمثلا، وما هو على الله بعزيز أن يبدل حال الأمة بعد العسر يسرا، كما نتنسم في هذه الأوقات السنية من تغير حال الفرد المتوجه لله من البعد إلى القرب، ومن الوحشة إلى الأنس، ومن الذلة إلى العزة به عز وجل.

يعقد مؤمن وتعقد مؤمنة في هذه الأيام عزمات تتصل بدوام التضرع والالتجاء والدعاء أن يثبت الله القلوب على الصراط المستقيم، هنا في دار الابتلاء وهناك في دار الجزاء. قال عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.

الله أكبر، تتكسر عند تردادها أصنام خفية من شهوات ونزوات. الله أكبر لا إله إلا الله، تتأكد وحدانيته في نفس ضعيفة ليقوى اليقين. الله أكبر تخرج من لسان الذاكر فتزلزل عرش الظالمين، جهاد وأي جهاد، ونور ساطع يواجه ظلمة الشياطين وسعيهم لطمس كلمة الله من قلوب عباده. الله أكبر، تحقيق للرجاء، فهنيئا لمن وقف هنا حاجا بقلبه، سائرا بروحه، ملبيا بكليته، متنسما في كل أحواله، فإذا وقف الحجيج بعرفات، عرف وذاق ما ذاقه القوم.

فالبدار البدار.. أيام غُنم واجتماع خيرات وتحصيل للفضائل. اللهم إننا وجهنا قلوبنا إليك، فاكتبنا من الأحبة لديك.