آي الله كلها عظيمة جليلة مهيبة، كيف لا وهي كلام رب العالمين.
ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك آيات معينة تتوقف عندها طويلا، تحدث أثرا طيبا في نفسك، وتشعرك بالسكينة والطمأنينة، تحب تكرار قراءتها باستمرار، وتتأمل في مبناها، وتغوص في معناها.
ومن هذه الآيات آية تستوقفني كثيرا، خصوصا بعد موجات التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل التي ابتلينا بها مؤخرا في العديد من دولنا العربية، هي قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139].
في هذه الآية الكريمة يتحدث المولى عز وجل عن صفة من صفات المنافقين، وعن جانب من طبيعتهم المنكوسة، التي كانت السبب في أن استحقوا العذاب الأليم من رب العالمين، وذلك لأنهم يوالون الكفار ويتخذونهم أعوانا، ويتركون ولاية المومنين ويعرضون عن مودتهم.
ساء ظنهم بالله، وضعف يقينهم بنصره، وابتغوا العزة والغلبة من غيره. فجاء الاستفهام في قوله تعالى: أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّة للإنكار والتعجب والتهكم من تصورهم المغلوط وسوء حكمهم على الأمور.
استفهام جاء الرد الحاسم عليه مباشرة من رب العالمين، فقال سبحانه: فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا.
جواب يخبرهم أن من اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة هم الأذلاء الأقلاء، وأن لا عزة إلا بالله سبحانه، ومن اعتز بغيره هان وذل.
فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا: آية كلما قرأتها استحضرت عظمة المولى سبحانه، وقدرته على نصر عباده المومنين وعزتهم.
ويكفي أن تستقر هذه الحقيقة في أي قلب ليقف به صاحبه أمام الدنيا كلها عزيزا، كريما، شامخا، ثابتا لا يتزعزع، ولا يحني رأسه لأي مخلوق مهما كان.
حقيقة هي وحدها القادرة على أن ترفع النفس البشرية وتحررها وتسمو بها وتحلق بها عاليا. فسبحان الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء.