بقلم: بشرى بوطيب
توطئة
ألقت كلمة الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الأستاذ محمد عبادي في ختام الرباط التربوي الصيفي بظلالها على قلوب المؤمنين والمؤمنات في جماعة العدل والإحسان، لتنزع ما يعتري الأنفس بين ركام الفتن، من شح وخمول وتنعش قيظها، وتبرئ عللها، وتوقظ هممها. كلمة بلسم وافقت أقدار الله في خلقه، تضمد ما تكالب على الفرد والجماعة والأمة من قهر الغلاء والبلاء وتوالي الابتلاء، والمتزامن مع تزايد العلو الصهيوني على المسجد الأقصى والهجمة الشرسة على قطاع غزة. فحواها ومرماها: ماذا قدمت وأخرت في سيري نحو خالقي ومولاي ثم لآخرتي؟ هي رحلة قصيرة لتشخيص موطن السقم ومنبع الدواء: القلب، محل نظر الله عز وجل، هو السالك إلى الله عز وجل في دروب الغفلة وغلبة الهوى والأثرة والنفاق لا الأبدان الطينية الفانية.
1-الغنيمة الفردية والجماعية:
افتتح ذ. محمد عبادي حفظه الله كلمته بتقويم تشخيصي كدأب كل معلم مرب يلامس أذهان وقلوب طلبته، يختبر فيهم حسن التلقي من محضن التربية الإحسانية للوصول للإتقان والإحسان سيرا وإنجازا. قام بتسليط الضوء على مجالس الذكر والضراعة والدعاء “الرابطات”. إحدى كبرى المدارس التربوية لهذه الجماعة منذ بداياتها إلى اليوم. انجماع فردي وجماعي على الله عز وجل؛ بالذكر والدعاء في صحبة مرابطة مع جماعة مرابطة. إنه هزيمة نكراء لشرور النفس، وفي المقابل مجلبة للخير والنعماء والبركات للفرد والجماعة والأمة ولكل أهل الأرض. يقول حفظه الله: “فما من نعمة نزلت إلا بسبب طاعة، وما من نقمة حلت إلا بسبب معصية”.
يستطرد في كلمته أن القهر لا يرفع والبأس لا يكشف بالتذمر وطول الشكاة، وإنما بلزوم قرع أبواب الافتقار إلى الله العزيز الوهاب والعكوف على مداومة الطاعات. يقول الله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض (سورة الأعراف 96). والبركات لا تنال بظلم أو تظالم وإنما بالطاعة، والمؤمنون ممتحنون بنقص في الأموال والأنفس والثمرات إن لم يفروا إلى مولاهم ويجددوا إيمانهم، ويشاركوا في جهاد التغيير. فالرباط زاد تربوي يلم شعت القلوب ويمسك لحمة الصف ويقوي متانة البنيان، ويصحح اعوجاج الجوارح بالخُلق القويم مع الأهل والإخوان والجيرة والناس أجمعين. التربية مع الذين آمنوا نقلة قلبية من خويصة النفس إلى خويصة الجماعة ثم الأمة، حيث لا فصام بين الغاية الحسانية والجهادية العدلية.
2-بأي قلب نغنم؟
حديث فضيلة الأمين العام عن القلب، تلك المضغة حال فسادها أوصلاحها، قبس نوراني من توصيات الإمام المجدد رحمه الله. وهو كان ومازال ديدن كل من تخرج من مدرسة العدل والإحسان التي أسس مشروعها الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله بمعية من صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه، وكل من بنى وأسس وجاهد واجتهد، وصدّق وصدَق في محبته لأهل السابقة في البناء والغناء في الدعوة إلى الله وعلى رأسهم مجلس إرشاد هذه الجماعة. صحبة نورانية تغرف من منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم طب القلوب وشفاؤها.
كان الإمام رحمه الله يربط تجديد الإيمان في القلب في واقع الفتنة والغفلة “بتجديد الدين في ساحة الجهاد”، يقول رحمه الله: «فعندما نلح على القلب وأسرار القلب، والإقبال على الله، والجهاد في سبيل الله وربط العلاقة بالله فإننا نفعل ذلك لأنه مقدمة ضرورية في تجديد الدين بمعنى إقامة خلافة الله في الأرض والحكم بما أنزل الله” 1. لذلك كان لزاما أن يكون القلب سليما معافى من أمراض تنكته بالسواد.
إن لم يكن الحرص على سلامة القلب، انفصمت لحمة الأخوة وضعفت المحبة في الله وهي أقوى وأصدق عرى الدين، وأساس البنيان المرصوص. ومن سلامة هذه المضغة تبسط أستار العفو والسماحة والإيثار والبذل والخدمة داخل الصف وتنبعث أنواره وسط سواد الأمة الأعظم. إن تسلل أمراض القلوب إلى الجماعة الإيمانية يحجب بركات المجالسة ورحماتها ويعكر المحبة الأخوية، وصفاء السرائر، بل الأدهى والأمر أن يعصف بالإيمان. فقد ورد عند الإمام رحمه الله أن أس الإيمان محبة، “وبالمحبة تنكسر الكبرياء وتنكسر أيضا بالجلوس على البساط في مجالس الإيمان وخدمة المؤمنين” 2عبد السلام ياسين، الإسلام غذا، ص632..
3-الصحبة مع الجماعة أس الإيمان
أشار الأمين العام في سياق كلامه إلى القلب الرفيق الحنون العفو الخدوم بين صفوف إخوانه قبل أن يخدم في ساح التغيير الجهادي، تأسيا بالرعيل الذهبي الخالد، في صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تعظيمهم لأهل السابقة بإيمان وإحسان. هي وصية نابعة من ثمار التمسك بالصحبة مع الجماعة المجاهدة، انتقلت من جهاد النفس إلى التغيير بالحال والمقال في ساحة الواقع بتوفيق من الله عز وجل. تربية القلب في صحبة مؤمنة مع جماعة مؤمنة هي المنقذ من استبداد الاختلاف واستكبار النفس وسيطرة الهوى وتربص الماكرين بهذا الدين الحنيف. يسمي الإمام رحمه الله وصية الله لحبيبه ومصطفاه بالتمسك بالمؤمنين في قوله تعالى: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم، “بالنصيحة العلية والوصية الربانية، وكل مؤمن منا مخاطب بهذه الآية كي يجتمع مع المؤمنين، ولكي ينقطع عن نشدانا زينة الحياة الدنيا وطلبها، ولكي يطلب وجه الله عز وجل بإرادة صحيحة ووجهة صادقة“ 3.
إن فحوى الوصية الصبر مع المؤمنين الذاكرين زمن الغافلين المفتونين، طريقه عقبات تقتحم وجهاد لا ينفك عنه العبد حتى لقاء ربه، أو كما عبر عنه فضيلة الأمين العام أن الله سائل كل امرئ عن صحبة ساعة.
4- الوصية الجامعة
الاستمساك بالصحبة في الله مع الجماعة المباركة وصية من سبق ومن لحق. ومن حسنات هذه الوصية أن يعطى لأولي الفضل فضلهم وتوقير سابقتهم في إعلاء كلمة الله والجهر بالدعوة زمن محاصرتها. كما دأب الإمام المجدد رحمه الله في تعظيم وتقريب إخوانه في مجلسه في كافة لقاءاته مع رجال ونساء الجماعة، والحث على لحمة الصف والتصافي والمحبة فهي جوهر البناء وروح المشروع التجديدي للمنهاج. وسار على الدرب من بعده مجلس الإرشاد وأهل السابقة في الإيمان. فالعمل الجماعي عمل منهاجي نبوي مفتاحه الصحبة لله في جماعة تخلص العمل لله محبة وزلفى إليه.
لا ترسخ قدم جماعة مجاهدة في هذه الأمة المحمدية والقلوب متنافرة متباغضة متناجشة لا تؤلفها المحبة والأخوة في الله، ولا يجمع فرقتها هم الآخرة، لذلك كان من وصاياه رحمه الله أن يلح كل محب صادق دعاء ورجاء أن يمسك الله وحدة الصحبة والجماعة كما يمسك سبحانه السماوات والأرض أن تزولا.