أساس الأسرة المتماسكة: قيادة المرأة لبرجها الاستراتيجي

Cover Image for أساس الأسرة المتماسكة: قيادة المرأة لبرجها الاستراتيجي
نشر بتاريخ

هي الأمُّ والأخت والزوجة والصديقة، وهي نصفُ المجتمعِ الذي يلدُ النصفَ الآخر ويُربّيه، لهذا تُعدّ المرأة عمادَ المجتمعات وكيانَها، فإن صَلُحَت صَلُحَ هذا الكيان، وإن فَسدت كان كلُّ الجيل فاسدًا.

لنتخيل سيدتي معا كمَّ المسؤولية التي تنتظرنا كأمهات للجيل القادم في زمن تضرب فيه المبادئ وتتبدل فيه القيم وتتزعزع فيه الثوابت. يتضح جليا كم الجهد المفروض أن يبذل حتى يتعرف أبناؤنا على المبادئ والقيم والإسلام الصحيح النقي من الشوائب والمغالطات، وكيف لنا أن نجعلهم أسوياء الأنفس. يؤكد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى على أهمية صيانة الروابط الأسرية والعناية بالتربية وبصناعة الإنسان، تربية نوعية هي وظيفة الأبوين وشرفهما كل بحسب اختصاصه ودوره، وهي خصوصية المرأة التي لا يزاحمها فيها أحد. واجب المرأة وشرفها وغايتها الأسمى هي تربية الإنسان؛ جسدا وروحا وعقلا وقلبا، لا رقما في الإحصائيات. المرأة هي المربية، بإسهام الرجل نعم، لكن عليها المعول، يقع عليها أن تربي نوعا خاصا من الناس يحبهم الله تعالى ويحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم جند الله، عملها أثناء تربية أولادها جهاد كبير…

المرأة تزاحم في مواطن الجهاد، ولكن مجال عملها الأساس هو التربية، فدور الرجل في التربية أن يكون نموذجا ومثالا، وأن يضمن حقوق ذريته، وأن يشارك في تربيتهم ويجالسهم ولو بتخصيص وقت يسير في اليوم مهما كان انشغاله، يجالسهم ويتفقد أحوالهم اليومية والدراسية، واحتياجاتهم ويوجههم… هذا دور أساسي لا يغني عن دور المرأة التربوي.

المسؤولية الدعوية لا تقتضي إضاعة الحقوق من الرجل والمرأة، بل يجب إعطاء كل ذي حق حقه، استنادا إلى الحقوق الواردة في الحديث الشريف الذي رواه البخاري: “إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه”.

والحقيقة أن المؤمنة تعد جند الله من خلال برجها الاستراتيجي، ألا وهو بيتها، تشيد من خلاله صرح الأمة وتعيد لها عزتها الأولى بتربية أجيال صالحة وقوية. لكن وسط هذه الفتنة المؤمنة مجبرة على تحصين برجها، والتخطيط للمستقبل وتدريب جند الله، ما فتئ الإمام رحمه الله تعالى يطرح إشكالين محورين؛ “أم هي كانت شُعلةَ حماس قبل أن تتزوج، فلما كسبت مالا وكسبت بيتا وزوجا انطفأت؟ أهي تلك التي كانت تخطبُ وتحاجِجُ عن الإسلام، أم هي هذه الساكنة المنصرفة إلى شؤونها، بين الموقد والأطباق وآمال الدنيا وآلامها تبعثرت نياتها وانهار صرح عزمها؟” 1.

لكن أمامك سيدتي نوازع النفس والشيطان، ومفارقة الحياة الجديدة ومفارقة الصحبة الإيمانية، ونزاع المجتمعات بين التقليدي والعصري، أيهما يهضم حقوق المسلمة تحت ما يسمى حرية المرأة ويميت الروح، مرمى تنازعهما تمويت الحركة الإسلامية ومبادئ الإسلام، فأساس الأمة الأسرة. هي الأشواك على أرض الدعوة والألغام في مسارها.

صراع أينما تولي وجهها تجده المؤمنة أمامها، تعي جيدا ذلك وتعلم أن الجهاد ما هو نزهة الحياة، فتصمد وتقتحم، أو ترتخي إرادتها منذ أن تضحك لها الحياة أولى ضحكتها فترتد على أعقابها وتخلد إلى الأرض محبطة، منهكة، محطمة الإرادات والعزائم. تتشبث ببصيص أمل لتراجع نفسها لكن السيل أقوى والغثاء اكتسح ما بين عقيدة عتيقة تعيدها إلى الخلف؛ حيث الحياة الشاقة والبطالة والفقر والإعلام الداعر والمجتمع المذعور، وبين بشائر تلوح في الأفق؛ بشائر تدفعها للتشمير لتمسك الواقع مسكا، وتبدأ معالم البناء الجديد، فتتخذ المؤمنة مكانها الصحيح في برجها الاستراتيجي الذي تغزو من خلاله ولا تغزى، فإن غُزيت قاومت وصمدت ورجعت إلى ربها واستعانت وتمسكت بحبل الصحبة الوثيق.

من برجها ترتب معارك التربية فيسلم الولد من الارتباك، فبصفتها أما مؤمنة يجب عليها تربية أطفالها نفسيا وعقليا وعمليا، ليتأهلوا لحمل مشعل الأمة وتشييد صرح الوطن، وترتب الزحف السياسي، وتؤسس التغيير المنشود، كما ترتب الزحف الاجتماعي والاقتصادي، فهو أساس الاندماج في المجتمع، إذ لا بد من صحبة خارج البيت، لكن حال الشارع لا يخفى على أحد، ولمقاومته يجب على المؤمنة أن تلزم مسلك الإلحاح، أين يقضي أبناؤها وقتهم ومع من؟ مراقبة لا بد منها، ومعها وجب الحرص على غرس ضرورة الصحبة الصالحة في نفس أبنائها. دور المؤمنة الأول تزويد الأبناء بفكرة الصحبة ومهمة إيجابية يغزون بها الشارع، اجعليهم طليعة بين الأقران.

من برجها الاستراتيجي تربي جيلا يتقدم بالدعوة قدما؛ منقوش في عقله المهمة المنشودة، متوكل على ربه. هنا يؤدي البرج دوره التام، فيصبح منطلقا للبعوث الغازية لا مجرد مضجع ومطبخ.

تحضن المؤمنة أهل بيتها فتسعدهم وتسعد بهم، تشركهم في مشروعها وتصل ولا تفصل.

فوظيفة الأمومة الملتصقة بحافظية المرأة، تتعدى العناية بالأولاد إلى حفظ الفطرة ورعاية نشء الأمة جمعاء، أمة عطشى إلى معاني الرفق وحسن المصاحبة: “من هنا نبدأ وإلى هنا نرجع، إن أمرنا لا يقف أيتها الأخوات، في عصركن، في اهتمامكن، في وقتكن، في حجرتكن وبيتكن، ينبغي أن تنظرن إلى مستقبل الأجيال المسلمة، ما ينبغي أن تبذلنه من جهد متواصل في تربية النشء، ابتداء من تربية أنفسنا على الإيمان بالله عز وجل، والتعلق به والاستعداد للقائه” 2.


[1] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج 2، ص 240، على موقع siraj.net.
[2] مجلس التنوير: “المرأة والضلع الأعوج”، عقد في سلا، حضره الإمام عبد السلام ياسين مع ثلة من نساء جماعة العدل والإحسان، في صفر 1423هـ الموافق لماي 2002.