الأسرة المسلمة هي المسؤول الأول عن التربية

Cover Image for الأسرة المسلمة هي المسؤول الأول عن التربية
نشر بتاريخ

الأسرة الصالحة أم صالحة وأب صالح وعمل صالح، والأسرة هي الخلية الأولى التي يفتح الطفل عينيه عليها، وتأثيرها عليه يلعب دورا كبيرا في توجيهه وتكوينه، وبالقدر الذي تقدمه الأسرة للطفل من مميزات تربوية بقدر ما ينمو ويتعلم.

إذن فتربية الأولاد فريضة شرعية، وحق من حقوق الأولاد على الآباء والأمة، يقول الله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أمرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم، 6).

ويقول العلامة ابن سعدي – رحمه الله تعالى – في تفسير هذه الآية: “أي: يا مَن منَّ الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه؛ فـقُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزأمها أمرَ الله، والقيام بأمره أمتثالاً، ونهيه اجتنابا، والتوبة عمَّا يُسخط الله ويوجِب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلاَّ إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد، وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرُّفه”.

وكما جاء في الحديث أنَّ تعليم العقيدة وغرْسها أصلها الأسرة، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – كان يحدِّث قال: قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “ما من مولود إلاَّ يولد على الفطرة؛ فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جَمعاء، هل تحسون فيها من جَدَعاء، ثم يقول أبو هريرة – رضي الله عنه -: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم] الآية؛ متفق عليه.

هنا يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في كتاب تنوير المؤمنات: “إن كان الكمال القلبي الإحساني غاية الغايات، ومثال ما ينبغي أن تعمل المرأة ويعمل الرجل لتلَقِّي عطائه من الله، فإن كمالَ المرأة الوظيفي وكمال الرجل، أبوَين مسئولين مُرَبيين، هو غاية ما يراد منهما تحقيقه حفظا لفطرة الله، ونشراً لرسالة الله، وخدمة لِأمة رسول الله. ما يرفَع المرأة إلى القداسة إلا أمومتها، وما يرفع الرجل إلا أبوته” (220/2 النسخة الإلكترونية).

وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “ألا كلُّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيَّته، فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيَّته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيَّته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلُّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيَّته”؛ متفق عليه.

ولا ننسى وصيَّة سيدنا لقمان الحكيم عليه السلام وقد ذكَرها الله  تعالى في كتابه؛ لتكون خيرَ مُعينٍ على البرِّ والتربية، فقال تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِأبنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أمهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عامين أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَأب إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأمرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأمورِ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (لقمان، 13-19).

وبما أن تربية الأبناء من أوجب الواجبات على الآباء، وبحكم ما تتطلب من جهود من جهة، وما يترتب على نجاحها من خير يمتد عبر الأجيال من جهة ثانية، خصها ديننا الحنيف بعناية متميزة، واعتبر تربية الأبناء عملا صالحا يستمر خيره وثوابه إلى ما بعد وفاة الأبوين.

وقد تزداد تربية الأبناء صعوبة بقدر فساد المنظومة التربوية السائدة في المجتمع، حيث يواجه الآباء تيارا عارما من الانحراف، ومن خلال واجهات متعددة: وسائل إعلام غازية للقيم وحاملة لثقافة التفسخ، مدرسة تخاصمت مع الفطرة، وراحت تطمسها بأساليب ممنهجة، ومجتمع مدني منخرط في مخططات تخريب المروءة والتطبيع مع الفاحشة، كل هذا يفرض على الآباء وبتعاون مع ذوي الاختصاص سد فراغ باقي أطراف العملية التربوية، بل ومقاومة غزوها وعدوانها اليومي على فطرة الأبناء. وحول هده المسؤولية يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في كتاب تنوير المومنات: “من البيت الإسلامي تنطلق القومة، إن كان البيت يسكنه مومنون، وكانت قلوب المومنين يسكنها حب الله، والخوف من الله والرجاء. من البيت الإسلامي تنطلق القومة، وتمُرُّ بالمدرسة، وتستقوي بعد الله بمن سَمِع، ولبَّى، وسأل، وسُئل عنه، ولبّى النداء، والتفّ، واجتمع، وأيد، وانتظم. وكلها مراحل تربوية، تأخذ الأقرب فالأقرب السائر في الحياة بلا هدفٍ لتوقِظ فيه هم مستقبله الحقيقي الأبدي، ولتعقد له مع الله الصلح الكبير” (246/2).

أبناؤنا استمرار لنا، فهم غراس الحياة وقطوف الأمل؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أولادكم من أطيب كسبكم”، ويقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في كتاب تنوير المومنات: “النشء من بنات المسلمين وأبنائهم أثمن ما تملك الأمة، والقتال العلمي لكسبه من أولويات الجهاد” (71/2).

ثم يبين لنا رحمه الله أهمية تربية النشء من بنات المسلمين وأبنائهم، بأنها عبادة تقرب إلى الله، حيث يقول رحمه الله في كتاب تنوير المومنات (222/2): “إن كان الوَلَدُ الصالح الواحد ذخرا باقيا للآخرة وعملا يرضاه الله، فكيف بإصلاح أمة وإحيائها وصناعة مستقبلها. إن الأسرة القوية عماد الأمة القوية، والأم المربية المصلحة عماد الأسرة”.