الإعلام.. الشاهد بالقسط

Cover Image for الإعلام.. الشاهد بالقسط
نشر بتاريخ

مقدمة

من ميزات هذا العصر أنّ المسافات فيه طويت، والمواصلات بين أجزاء العالم بلغت إلى حد أن أي خبر يمكن إبلاغه من أيِّ نقطة في الأرض إلى أي نقطة أخرى في لمح البصر عبرَ الأقمار الصناعية، وأصبح للإعلام دور مهم في الحياة البشرية، فبالإعلام عرفت حضارات وبه نسيت أخرى، بالإعلام أضحى الحق باطلا والباطل حقا، فالذي يملك سلطة الإعلام يملك السلاح الفعال في الحروب والثورات، في هذا المقال بحول الله نناقش بعض جوانب الإعلام وكيف يوظفه المستبدون الجاثمون على رقاب الأمة ؟ وأي إعلام نريد لمواجهة إعلامهم؟

الحرب الإعلامية

* من أول القرارات التي أشر عليها الإنقلابيون في مصر إغلاق مجموعة من القنوات الفضائية التي تؤيد الشرعية واعتقال مجموعة من الصحفيين الأحرار، في المقابل تم إطلاق العنان لقنوات أخرى مهمتها نقل الأخبار التي يريد السيسي ومن معه.

* استخدمت أمريكا وحلفاؤها الإعلام من أجل سن ما يسمى بقانون الإرهاب بعد تفجيرات 11 شتنبر 2001، ليفقد العالم الإسلامي بعد ذلك أفغانستان والعراق ويُحاصر الفلسطينيون ويُشدد الخناق على الإسلام.

لتشويه صورة الإسلام استخدمت مجموعة من الأفلام الغربية ورصدت لها الملايير من الدولارات والإمكانيات، تكنولوجية حديثة دخلت عقر دار المسلمين بإيجابياتها وسلبياتها الكثيرة، أفلام ماجنة وبرامج ماكرة تنفث السم داخل بيوت المسلمين فنجد الأبناء يقلدون والأمهات يتابعن بشغف حلقات المسلسلات المتتالية، فمن يعلم الأبناء القرآن الكريم ومن يربيهم ويعلمهم كيفية الصلاة!!

القنوات الإخبارية أصبحت تخدم أجندة من يمولها ماديا، فنجد القناة اليوم مع الشعب تدافع عن حقه في الديمقراطية ضد الحاكم في بلد ما وغدا أو في نفس الوقت مع الحاكم ضد الشعب وإرادته في بلد آخر فعن أي استقلالية يتحدثون؟

حكام الجبر يستعملون الإعلام من أجل تقييد إرادة الشعوب، فنجدهم يتحكمون في الإصدارات الإخبارية من جرائد ورقية أو الكترونية داخل البلد بمنع هذا وقمع هذا واعتقال هذا، بحجة المحافظة على وحدة الوطن ودرء الفتنة، كما يتحكمون في منابر المساجد باعتبارها أداة إعلامية للتواصل مع الشعب فيقررون ما يُقال وما لا يُقال، ما الحلال وما الحرام ويرخصون لهذا الإمام ويمنعون الآخر.

أي إعلام نريد؟

أصبح من الضروري على المسلمين اكتساب مهارات الإعلام والتواصل، لما لها من دور مهم في الحرب على الباطل ومن أجل إعلاء صوت الحق ونشر الدعوة الإسلامية وإحقاق الحق وإبطال الباطل، إعلام ليس كإعلامهم، إعلام إسلامي بمميزاته وشروطه: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ(24) 1 .

استعمل الهدد جميع عناصر نقل الخبر بموضوعية (أسلوب الإثارة “أحطت بما لم تحط به”، المكان “من سبأ”…)، المقصد عندنا هو أن الخبر استعمل في الدعوة الى الله تعالى، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله مطلوب إعلام إسلامي خديم للدعوة الإسلامية الرحمةِ للإنسان، العدلِ لبني الإنسان قاطبَةً، الوَحدَةِ على أصل إسلاميٍّ واضحٍ لأمة الإسلام، الطهارةِ من الأرجاس، ومن حبائل الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجِنّة والناس. مطلوبٌ إعلام إسلامي حُرٌّ يعُبِّرُ عن الحقيقة التي يؤمن بها المسلمون، ويكفر بها الكافرون، ويشك فيها المستهتِرون) 2 .

إعلام إسلامي خديم للدعوة يتحلى بأخلاق الإسلام، شاهدا بالقسط، متميزا عن غيره إعلام لا يكذب، اعلام يدعو الناس للتوبة، إعلام يعلم الناس القرآن والصلاة.

إعلام إسلامي يجب أن لا ينُوِّمَ المسلمين، ولا يأمرهم بالمنكر بأباطيل الرواياتِ التمثيليةِ التي تمجدُ الزنى، ولا بالدعاية لسلع الاستهلاك الترفية، ولا بالدعاية الكاذبة للحاكم، ولا بالتهييج والتهويل. وفي حدود الشريعة الغراء مجالٌ لإنشاء إعلام نظيف شريف عفيف) 3 .

هذه بعض شروط ومميزات الإعلام الإسلامي، وتبقى تقنيات الإعلاميين من وسائل وتكوينات ضرورية ومطلوبة لإيصال الرسالة الخالدة بصورة وجودة عالية، ليجد الإعلام الإسلامي مكانه في الساحة الإعلامية دون أن ينقص من قيمته شيء، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها).


[1] سورة النمل من الآية 20 إلى 24.\
[2] كتاب الشورى والديمقراطية ص 89.\
[3] الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله كتاب إمامة الأمة ص 196.\