الخصال العشر (3): الصدق

Cover Image for الخصال العشر (3): الصدق
نشر بتاريخ

مقدمة

يقول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ (سورة يونس، الآية 2).

الصدق هو عماد الأمر ومراد المريد إلى الجماعة، وبه تتم الأعمال الصالحات وتكون خالصة لوجه الله تعالى، “إنما الأعمال بالنيات يا صاح، وإنما لكل امرئ ما نوى. فهل كانت هجرتك إلى الله ورسوله حقا أم كانت هجرتك إلى دنيا عاجلة وقفت في محطة ما من محطاتها؟” (1).

فتصحيح القصد وصدق النية هو غاية وطلب المريدين المتقربين المحبين لله عز وجل، ينصرون الله ويتقربون إليه شبرا فيقربهم باعا، فإن أطاعوه صادقين في الطلب صابرين في المحن راجين لقربه وداعين طالبين لعونه كانوا بذلك في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وقد أنعم الله على الصادقين بصحبة الأنبياء في الآخرة فقال سبحانه: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (سورة النساء، آية 68).

الصدق تربية

إن إنشاء جماعة صادقة في طلب وجه الله تعالى ومجاهدة في سبيله، لهو السبيل لإنشاء جيل صادق صالح ومصلح. ولابد، ليكون الوارد على الجماعة صادقا من أن يخلو طبعه من خصلة النفاق بشعبه؛ وأهمها الكذب في الحديث، وإخلاف الوعود، وخيانة الأمانات، والفجور في الخصام، وذلك حتى لا تنحدر به هذه الطبائع إلى مستوى فارغ من ذكر الله، ويتخلف عنه نصر الله الموعود لجنده الأبرار الصادقين.

على جند الله، ليكونوا صادقين، هجرة ما حرم الله والتوبة النصوح والتعالي على حاضر الفتنة لنيل نصر الله الموعود.

على جند الله الصادقين التنزه عن الخلافات المذهبية الموروثة التي تشل حركة المسلمين وتشتت شملهم، فالخلاف رحمة بالعباد، وليسعهم ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين قال فيهم سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا (سورة آل عمران، آية 7).

 على جند الله الصادقين مواجهة الباطل من خرافات وأوهام متفشية في المجتمع الجاهل لتصحيح قواعد العقيدة ومواجهة الباطل الطاغوتي .

على جند الله الصادقين شجب أنصاف الحلول في الأهداف والمؤهلات لإحداث التغيير الكامل في المجتمع الإسلامي، فعند الإمام البنا رحمه الله في أصوله: “الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، فهو دولة ووطن وحكومة وأمة، وهو خلق وقوة ورحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون وعلم وقضاء. وهو مادة وثروة وكسب. وهو جهاد ودعوة وجيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء”.

والوارد الصادق هو في اختبار دائم، لإعطاء البرهان على صدقه في طريق الجهاد، ما دام حيا يرزق، فإن توفته المنية ومات في سبيل الله فهو من الفائزين برحمته تعالى ورضوانه.

وعلى جند الله الصادقين الصابرين تحمل أعباء الجهاد في سبيله تعالى بصدق وعزيمة، وألا يكونوا من المنافقين الذين قال فيهم الله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ۚ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ (سورة محمد، الآية 20 – 21).

“نرقب الوارد والعضو لنعرف ونقوي صلاح أمره على مستوى الخصال العشر : صدق صحبته لنا وانضمامه لجماعتنا، صدقه مع الله ورسوله، صدق ذمته وهمته وهجرته ونصرته، صدق بذله للمال والنفس والجهد، وصدق إقباله على العلم، صدق عمله ينجزه ويتقنه، صدق سمته وتميزه، صدق صبره وتحمله وضبطه لنفسه وشؤونه، صدق توجهه إلى الأهداف الجماعية والغاية الفردية الإحسانية، صدق طلبه للموت في سبيل الله” [2].

الصدق تنظيما

إن إقامة دولة الخلافة الإسلامية يتطلب حركة إسلامية قوية وأجيالا شابة تعاهد الله فتصدق ما عاهدت عليه .

إن التنظيم الصادق لا يقوم على الحماس المتأجج المندفع، بل يتطلب تربية وصبرا على المهام ووفاء بالعهود  ونصرة للحق، فهو غرس غرسه الله في أرض ارتوت بماء الإيمان لتقوى جذوره  ويخرج مستويا  حتى يشتد عوده. قال الله تعالى واصفا هذا الزرع الإلاهي: ومَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (سورة الفتح، آية 29).

والتنظيم الصادق لابد له من طليعة مجاهدة شجاعة تخطط للمستقبل بإرادة واعية، وتمشي بخطوات ثابتة حتى تحذو الأمة حذوها و تتبع خطاها، ويجب أن يكون أمرها شورى ونصيحة فيما بينها، حتى يتماسك بنيانها برباط الإيمان والتقوى، ولا ينفذ إلى التنظيم ما يفسد الضمائر ويضعف العزائم.

والتنظيم الصادق لابد له من هجرة كل مألوف مرغوب حتى يقطع حبال الجاهلية وينصر دين الله. وقد روى الإمام مسلم عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العبادة في الهرج كهجرة إلي).

إن الأمة الصادقة تجهر بالحق وتقف في وجه الباطل رجوعا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن الشيخين وأصحاب السنن عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم) فالدين يتجدد متى أصبح النصح في حياتنا سلوكا ومنهاجا لعملنا.

الأمانة والوفاء بالعهد وسلامة القلب

روى الإمام في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل غادر لواء عند أسته يوم القيامة، يرفع له بقدر غدره، ولا غادر أعظم غدرا من أمير جماعة) فعاقبة الغدر نار جهنم يصلاها كل منافق خائن.

أما العصبة المجاهدة المقيمة لدولة الإسلام فلا يخدعها خب لأن لها قلبا سليما يحسن الظن بربه فيخاف عقابه ويرجو رحمته. وهو قلب طاهر مطمئن، عالي الهمة، يقظ متأهب لا يثنيه شاغل عن جهاده في سبيل الله فإذا عزم مضى.

الهجرة والنصرة والشجاعة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وأبو داود: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها).

الهجرة ليست حدثا تاريخيا انقضى، بل هي سلوك أفراد اختاروا التوبة النصوح لله تعالى والتحفز للجهاد في سبيله. وانتظموا في جماعة صادقة صالحة مصلحة لإعادة الخلافة على منهاج النبوة.

إن الدعاة المهاجرين إلى الله ورسوله ينصرون الدعوة بدعمهم ونصرتهم لإخوانهم في الصف، يصحبونهم في الله ويآخونهم كما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار أخوة تعاون مادي ومعنوي، أخلاقي تربوي، ومعاشي يومي. وقد استحقوا ثناء الله عليهم لما بدر منهم من تفاني وعطاء وشجاعة لاقتحام العقبة ونصرة المستضعفين من المسلمين، بإيمان ثابت، وطاعة لأمر الله ورسوله.

تصديق الرؤيا الصالحة وتعبيرها

“في كتب الحديث أبواب مخصصة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا. والرؤيا الصالحة، رؤيا يراها المؤمن أو ترى له، غير الأحلام المشتركة بين البشر.

الرؤيا الصالحة جزء من النبوة. هي وحي من الله للعبد الصالح، تشجعه على سلوك الطريق إلى الله” [3].

والصادقون في طلب الله تعالى لا يعتبرون الرؤيا حكما يعطلون به أحكام الشريعة، بل هي مجرد مبشرات تسر ولا تغر، تقوي خصال الإيمان وتشجع على الجهاد.

خاتمة

قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله مبينا منزلة الصدق: (هي منزلة القوم الأعظم. والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين. وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران. وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين، وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين).

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.


الهوامش

(1)  عبد السلام ياسين، الإحسان، ج 1، ط 1/1998، ص 348.

(2) عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ط 2/1989، ص 174.

(3) نفسه، ص 195.