السمر بين الزوجين

Cover Image for السمر بين الزوجين
نشر بتاريخ

في الحلقة الماضية تحدثنا عن أهمية التعبير عن المشاعر بين الزوجين في إذكاء شرارة المحبة بينهما، أما اليوم، فلنا وقفة مع أمر لا يقل أهمية عما سبقه: إنها جلسات السمر بين الزوجين. قد يقول قائل: وما ضرورة ذلك، أو لا يقضي الزوجان معا معظم الأوقات؟ فهما يعيشان تحت سقف واحد، ويتقاسمان هموم تدبير المعاش وتربية الأولاد. فأقول إن الأمر أعمق من ذلك، فلا غنى للزوجين مهما كانت انشغالاتهما عن وقت لهما وحدهما بعيدا عن كل المشوشات، وقت ينصت فيه كل منهما للآخر، يتبادلان أطراف الحديث ويواسيان بعضهما ويستمد كل منهما من صاحبه من حرارة العواطف وصدق المشاعر ما يجعل سفينتهما أهلا للصمود في وجه أعتى العواصف. هل هذه بدعة في الدين ما أنزل الله بها من سلطان؟ أم هي من بنات أفكار عقل أسقمته تفاهات السينما والتليفزيون؟ لا هذا ولا ذاك، بل هو من صميم سنة رسول الله صلى الله عليه.

تسجل لنا السيرة العطرة ذلك الحوار الفريد الذي داربين الزوجين المحبين: زوج هو قدوة كل الأزواج طالبي الإحسان وزوجة هي نموذج كل طالبة للكمال على خطى أمهات المومنين، في جلسة من جلسات الود والسمر، والمعروف بـ”حديث أم زرع”. هذا الحديث الذي صنفه الإمام البخاري تحت باب “حسن المعاشرة مع الأهل”.

أقول حوار فريد من نوعه لما أبانه النبي صلى الله عليه وسلم من حسن الإصغاء والإنصات لزوجته عائشة رضي الله عنها وهي تحكي له قصة إحدى عشرة امرأة اجتمعن لتحكي كل منهن للأخريات قصتها مع زوجها، فينصت الحبيب صلى الله عليه وسلم بكل اهتمام لعائشة معلقا بعد انتهائها قائلا: “كنت لك كما كان أبو زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك”.

بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لم تمنعك جسامة مهامك وعظم مسؤولياتك وشغلك الدائم بذكر الله من تخصيص وقت للسمر مع زوجك، تطييبا لخاطرها وحفاظا على متانة عقدة الحب بينكما والتي كانت رضي الله عنهاحريصة على الاطمئنان عليها أيما حرص.

السمر.. متى؟

السمر هو الحديث ليلا، وهل هناك أنسب من الليل بهدوئه لحديث القلوب وتجاوب الأرواح، في الليل تسري رحمات خاصة، كيف لا وهو ملتقى أرواح الذاكرين والقائمين والمتعرضين لساعة استجابة ينزل فيها المولى عز وجل للسماء الدنيا ليعطي كل سائل سؤله. فهل تبخلان على نفسيكما، أيها الزوجان، بسويعة تتقربان فيها إلى ربكما وأنتما في جلسة سمر ومحبة؟

السمر.. كيف؟

– اختيار الوقت المناسب: بعد تأدية ما عليكما من حقوق تجاه من أنتما مسئولان عنهم أو باختصار تجاه مسئولياتكم من أطفال (رعاية وإطعاما ومراجعة للدروس وخلودا للراحة..) أو آباء وأمهات (من حسن خدمتهم وقضاء حوائجهم). وهكذا ستنعمان بهذه اللحظات، الشيء الذي لن يتحقق في جو من الفوضى وهرج الأطفال وصراخهم وطلباتهم. كما يجب احترام التزامات كل طرف سواء كانت مهنية أو دعوية وما إلى ذلك، وهذا يتطلب حوارا بين الزوجين لاختيار الوقت المناسب لهما معا.

– العناية بغرفة النوم: إنارة خافتة، تغيير في الديكور، لمساتك الخاصة أيتها الزوجة: ورود..

– وأنتما تتحدثان عن ماضيكما وحاضركما ومستقبلكما، تحلقان في سماء أحلامكما وذكرياتكما، تتبادلان كلمات الإعجاب والحب، حذار ثم حذار من إثارة أي موضوع قد يكدر صفاء اللحظة بينكما، فلكل مقام مقال.

وحتى نلقاكما في الحلقة الموالية إن شاء الله، لا تنسيا برمجة جلسة سمر بينكما، وليكن شعاركما فيها هذا الدعاء القرآني الجميل: وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍۢ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان، 74].