الصلاة الصلاة.. عمود الدين وعماده

Cover Image for الصلاة الصلاة.. عمود الدين وعماده
نشر بتاريخ

من أهم وصايا الإمام المجدد رحمه الله وصيته بالصلاة على أحسن وجه، فهي أساس الدين المتين. يقول رحمه الله: وأوصي بالصلاة، إقامتها في المسجد والجماعة مع التحري الجميل في الطهارة اتباعا منتبها لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحركات والسّكنات والمواقيت والكيفيات. الصلاة! الصلاة! الصلاة! عمود الدين وعماده. فسطاط الدين وأوتاده. إقامة الصلاة دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام لنفسه ولذريَّته: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ 1 . (من وصية الإمام رحمه الله).

والصلاة جامعة لشروط التربية. فالصلاة ذكر ومع الخشوع صدق ومع الجماعة صحبة. والصلاة في المسجد إقبال على الله. وهي معراج المومن إلى الله، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

1- الصلاة معراج روحي وذكر

يقول الله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا 2. والمعنى: فيدخل فيها الظهر والعصر وصلاتا غسق الليل، وهما العشاءان، ثم قال: وقرآن الفجر هذه خمس صلوات 3 . ثم يقول تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا 4.

وهكذا جمعت الآيات الكريمة بين الفرض والنفل كما في الحديث: “ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه…”. فهي من أحب الأعمال إلى الله، الموصلة إلى حب الله. قال صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها” 5.

فالصلاة معراج المومن إلى الله، ولعظمتها فرضت ليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت هذه الآيات عن الصلاة في سورة الإسراء. يقول الإمام المجدد رحمه الله: (الصلاة بداية الأمر ورأسه، تصعد بالرباط – يقصد الصلة والرابطة – بين العبد وربه من مجرد أداء مراسيم العبودية إلى بذل المال والجهاد في سبيل الله) 6.

والصلاة مناجاة بين العبد وربه كما في الخبر. وهي ذكر لله تعالى وهو المراد من العبادات. يقول الإمام ياسين رحمه الله: (من لا يذكر الله في صلاته وإذا تلا القرآن فلا تلاوة له ولا صلاة. له صورة الصلاة وأركانها البدنية، لكن ذكر الله، وهو الأمر الأكبر والأعظم الذي من أجله شرعت العبادات، فاته ففاته لب العبادة) 7.

2- الصلاة مع الخشوع صدق

قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ 8. يقول ابن كثير في التفسير: (وعلى كل تقدير، فقوله تعالى: وإنها لكبيرة أي : مشقة ثقيلة إلا على الخاشعين. عن ابن عباس: يعني المصدقين بما أنزل الله. وقال مجاهد: المؤمنين حقا).

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: الخشوع في أصل اللغة: الانخفاض، والذّل، والسكون، قال اللَّهُ تعالى: وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً 9 أي سكنت، وذلَّت.. 10. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: الخشوع: قيام القلب بين يدي الرب بالخُضُوع والذُّلِّ... 11.

يقول الإمام ياسين رحمه الله: (الكعبة جسمانية مقدسة نمتثل أمر الله عز وجل الذي جعلها وِجهةً مفروضة لجسمانيتنا. أما القلب فوِجهته إلى الله وخشوعه إليه وسكونه. يشترك العقل في الصلاة بتفكره، واللسان بتلاوته، والأعضاء بسكونها وانضباطها، والقلب بانصبابه على باب مولاه، تقواه وأشواقه وخضوعه هي مؤهلاته وشفيعته) 12.

ويوجهنا الإمام ياسين إلى بذل الجهد في ذلك: (ويحمل كل امرئ نفسه على الحضور في كل صلاته ما أمكن. فإنه لا يكتب له من صلاته إلا ما حضر فيه بقلبه ونيته مع الله عز وجل. والغفلات من طبيعتنا. فأدنى ما علينا، وأقصى ما نستطيع، أن نجتهد لنذكر الله كلما نسينا. ونستغفر الله ثلاث مرات دبر الصلاة ليجبر غفلاتنا ويغفر تقصيرنا) 13.

3- الصلاة مع الجماعة صحبة

الصحبة: أن يستمد قلب من قلب بالمحبة والمخالطَة والتعاون على سلوك الطريق المقربة إلى الله 14. والصلاة في المسجد مع الجماعة صحبة، حيث تقتبس القلوب وتشرب من بعضها البعض. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل” 15.

ومن صحبة الخاشعين نستمد الخشوع ومن ذكر لا إله إلا الله. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: (روح الصلاة الخشوع فيها. وهذا لا يأتي إلا بصحبة الخاشعين، وبالكلمة الطيبة حين تخالط بشاشتها القلوب. فميزان إيمان كل وارد وكل مؤمن ومؤمنة بينه وبين نفسه ما يجده من خشوع في صلاته. ينظر هل زاد إيمانه أو نقص) 16. فالصحبة والذكر أساسيان في السلوك إلى الله واقتباس الإيمان.

وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أداء الصلاة في المسجد مع الجماعة، سيما صلاة العتمتين، صلاتي العشاء والفجر: “من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن شهد العشاء والفجر كان له قيام ليلة” 17. يقول الإمام ياسين رحمه الله: (فما صلاة الفذ عند العذر، وما صلاة المرأة في بيتها إلا استثناء من القاعدة، وهي صلاة الجماعة) 18.

والأحاديث النبوية في الحض على الصلاة في المسجد وفي الجماعة كثيرة ومؤثرة. نختار منها هذه الباقة:

Ÿعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “فَضْلُ صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح” 19.

Ÿعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله تعالى إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليه” 20.

Ÿعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة” 21.

Ÿعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا” 22.

4- الطهارة مفتاح الصلاة

لقد أوصى الإمام رحمه الله بالتحري الجميل في الطهارة اللازمة للصلاة، وفي (تنوير المؤمنات) نجده يفصل ما أجمل. يقول رحمه الله: (إن كانت طهارة القلب وصفاؤه هما الغاية، فإن طهارة الجسم جزء لا يتجزأ من عملية التطهير. طهارة الخبث وطهارة الحدث من وضوء وغُسل، ثم طهارة المكان شروط للصلاة، لا تصح إلا بها. تكون حركات الصلاة سخرية بالدين إن لم تتقن المصلية طهارة بدنها إتقانا يبدأ بالنية، ثم بطهارة الماء، ثم بالكيفيات الواردة في الشرع مما تكمل به الطهارة، أو تَحْسُن أو تنتقض. (الصلاة عماد الدين، فلا دين لمن لا صلاة له. والطهارة مفتاح الصلاة، لا صلاة لمن لا طهارة له. لا دين لمن لا يهتم بجزئيات الطهارة اهتمامه بكليات الدين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مفتاح الصلاة الطُّهور. وتحريمها التكبير. وتحليلها التسليم” أخرجه أبو داود والترمذي بسند صحيح عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه) 23.

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.


[1] إبراهيم 40.
[2] الإسراء، 78.
[3] فتح القدير للشوكاني
[4] الإسراء، 79.
[5] رواه الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن مسعود.
[6] المنهاج النبوي، 444.
[7] الإحسان1، 258.
[8] البقرة، 45.
[9] طه، 108.
[10] مدارج السالكين 1، 520.
[11] مدارج السالكين 1، 521.
[12] تنوير المومنات 1، 353.
[13] المنهاج النبوي، 160-161.
[14] تنوير المومنات، 292.
[15] رواه أبو داود وأحمد والنَّسائي.
[16] المنهاج النبوي، 160.
[17] رواه مسلم والترمذي وأبي داود.
[18] المنهاج النبوي، 160.
[19] رواه البخاري.
[20] رواه ابن ماجة والحاكم.
[21] متفق عليه.
[22] متفق عليه.
[23] تنوير المومنات 1، 344.