المخزن وأركانه الأربعة

Cover Image for المخزن وأركانه الأربعة
نشر بتاريخ

المخزن، هذه المؤسسة المتجذرة في تاريخ المغرب، بل في مكنون الشخصية المغربية، فأنت إن رجعت إلى الذاكرة المغربية ستجد الكثير من المأثورات الشعبية كلها حول المخزن ودار المخزن، وإن نظمتها في خيط جامع تفرز لك جوابا واحدا: الخوف.

في المأثور الشعبي يقال ثلاثة لا ثقة بهم “البحر والنار والمخزن”، وكان جمع هذين الاثنين مع المخزن دليل اتصافهم بنفس الصفات، والأمثل من هذا هو أن المخزن يجمع صفاتها كلها، فالبحر لا ثقة به، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، والنار، لا تلعب بالنار كما يقولون، لأنها قد تلسعك، قد تحرقك، وكذلك المخزن، إنه: الخوف.

دار المخزن، مؤسسة المخزن، هي الكيان المعنوي للدولة عندنا، أو بلغة أبسط وأوضح، دار المخزن عندنا هي دولة الدولة. المخزن؟ أم الدولة؟ إن تحدثنا عن الأصل فالدولة هي الأصل كما هو في بلاد الدنيا، استثناء مغربي، أليس المغرب استثناء في كل شيء كما يحلو للكثير؟ فإن شئت أن تتحدث عن الاستثناء المغربي، فإن دار المخزن في المغرب هي الاستثناء الحقيقي باعتباره دولة الدولة.

وضعنا نقطة ورجعنا إلى السطر لنبحث عن الأركان الأربعة لدار المخزن، فإذا كانت دار المخزن هي دولة الدولة، هي قلبه النابض، صاحبة الأمر والنهي، فما هي استراتيجيتها وما هو تصورها وماهي العناوين الكبرى التي بها تؤطر حياتنا العامة؟

أربعة أركان لدار المخزن هي فلسفتها وجوهر برنامجها.

1 – التمييع

أن تغرس قيما، أن تربي نشء، وقل ما شئت من المفردات والمصطلحات التي تنضوي تحت مسمى المبادئ والقيم، كل هذا لا يمكن لك أن تجده في قاموس دار المخزن.

في اللغة؛ التمييع يفيد التحويل والإفساد، وأدوات التمييع عند دار المخزن كثيرة متنوعة، غايتها أن تحقق هذا الذي تفيده كلمة التمييع، وإلا أين يمكن أن تصنف موازين وأين يمكن أن تصنف استديو دوزيم، ومهرجانات الشواطئ في الصيف؟ منظومة متكاملة نعرض هنا لمظاهر جزئية ضمن آلة أكبر، غايتها مواطن مائع، وإلا فإن استراتيجية المخزن في خطر وداره في خطر، فإن كان الله تعالى قد خلق الإنسان على الفطرة والطهارة والنقاء، وأمر بأن تصان هذه الفطرة وأن تتزكى، فإن ما ذكرناه سالفا أدوات لإفساد هذه الفطرة وتحويل لها.

2 – التضبيع

في القاموس: الضبع حيوان كالأسد لكنه على خلافه إذ من سماته الجبن، وكذلك تفيد الكلمة، بسكون الباء، الجور والظلم. وهكذا دار المخزن، حريصة على تضبيع المواطن، في ذاكرة الشعب وفي أمثاله – ونحن إذ نستشهد بالذاكرة الشعبية، لأنها تعبر في كثير من الأحيان عن حقيقة معاناتها، رمزا لا تصريحا “اسكت فان للحيطان آذانا” – هكذا هي درجة الجبن عند المواطن من كثرة ما مورس عليه من التضبيع حتى بدأ يتخيل أن للحيطان آذانا، وأدوات التضبيع عند دار المخزن متعددة كثيرة.

الأمية آلته المركزية، ومن يظن أن دار المخزن ستقضي على الأمية، فإني أدعوه إلى أن يراجع أوراقه، واهم هو، والوهم صناعة أخرى من إنتاج دار المخزن، فن من فنونه السحرية، حتى يخيل لصاحبه أنه الحقيقة ولكن السحر فقط وليس شيئا إلا السحر.

لا يجتمع الوعي والتضبيع معا، مثلما أنه لا يجتمع النور والظلام، ولذلك فان الحفاظ على الأمية سند لدار المخزن وما إفراغ التعليم من محتواه، وما تراكمات الفشل فيه حتى يصبح عصيا عن العلاج إلا إصرار لدار المخزن على التضبيع ولا شيء غير التضبيع.

الإقصاء، أداة اخرى من أدوات التضبيع، كل هم المواطن بطنه، مبعد عن الشأن العام ولا دخل له به، هو مشمول بتوجهات دار المخزن التي تطبق عليه – ونستسمح اللغة العربية عذرا – المثل القائل “جوع كلبك يتبعك”، هكذا ينبغي أن يبقى المواطن تابعا ليس إلا، أما شريكا فمحال وألف محال.

أما الجور والظلم، ………………………………..، نقط أتركها لك أيها القارئ عنوة وقصدا، لأترك لك أن تكتب فيها ما تشاء من صنوف الظلم والجور، وأن تعرف أن ظلم دار المخزن هو أكثر مما تتصور.

3 – التركيع

الآن وصلنا إلى العمود الفقري لدار المخزن، أسها وركنها الركين، كل ما في الأرض ملك لدار المخزن، وحتى السماء التي تغطينا هي ملك لدار المخزن، دار المخزن هي المعطي المانع، فوق القانون وأسمى من القانون، في السياسة في العمل المدني، بل حتى الفتوى وإن صدرت من عالم مفوه يشهد له القاصي والداني بعلمه، في كل هذا أنت تحظى بالرضى إن كنت من دعاة التركيع، أنت مواطن صالح تعطيك دار المخزن شهادة بذلك إن آمنت بهذا الركن وأقمته، وإلا فأنت من المغضوب عليهم وكذلك من الضالين.

قل بربك ما الذي ارتكبه المجاهد عبد الكريم الخطابي، وما جريمة الأستاذ عبد السلام ياسين، رحمهما الله وأجزل لهما عظيم العطاء؟ ركن ركين في استراتيجية دار المخزن، لا تتصور دار المخزن لها بقاء بدون تركيع، مسألة حياة أو موت.

4 – ذهنية القطيع

هكذا نكون قد وصلنا إلى الركن الرابع من أركان دولة المخزن، ركن هو نتاج وركن في نفس الوقت، حريصة دار المخزن على هذا الإنتاج، أنت كالسائمة في دار المخزن، الأصل أن تسمع وتطيع، لا تفكر، لا تبدع، إلا فيما تريده لك دار المخزن، منظومة محبوكة، وضعت بدقة وعناية، جربت، كلما أمعنت في التمييع، وكلما رسخت التضبيع، وكلما كانت حكامتك التركيع – وهي الحكامة الجيدة المفعلة بما تحمله الكلمة من معنى – فإن المنتوج الذي ستحصل عليه هو ذهنية القطيع إن لم تقل القطيع.

هذه دار المخزن وهذه أركانها الأربعة، وإلى الله المشتكى، وهو العليم السميع.