المرأة في نظرية المنهاج النبوي | مفاهيم منهاجية: الحافظية

Cover Image for المرأة في نظرية المنهاج النبوي | مفاهيم منهاجية: الحافظية
نشر بتاريخ

ظل الحديث عن المرأة – والمرأة المسلمة – خصوصا حبيس أحكام النكاح والحيض والنفاس والطلاق، قلما يخرج عن هذا النطاق الضيق، واليوم قضية المرأة تتجاذبها أقلام المنظرين والمفكرين، وجعجعة كتاباتهم لا تعدو أن تكون رغبات مؤطرة ومزينة بمفاهيم عوجاء تحاول النيل منها – أكثر مما تريد الرقي بها – والانحدار بها في دركات الرذيلة والانحلال، وتبعدها عن الرسالة السامية التي خلقت لأجلها، وبين الأولين والمتأخرين تبقى المرأة وقضاياها بعيدة عن هدفها وعن أدوارها الكثيرة التي تحدث عنها القرآن الكريم وفصلتها السنة النبوية.

ولكي لا نقع في التعميم، لا بد من القول إن عددا من المفكرين الإسلاميين تناولوا قضية المرأة في كتاباتهم، وطرحوا قضاياها بأشكال مختلفة ومن جوانب متعددة، محاولين انتشالها من مستنقعي التقليد والتغريب.

وقد كان من أهم التجارب الفريدة التي شكلت نقلة نوعية في طرح قضية المرأة، مشروع المنهاج النبوي عند الأستاذ عبد السلام ياسين، الذي خص فيه المرأة بقسط وافر من الاهتمام وأحاط بقضيتها من جميع الجوانب، بل ولقد بنى لها جسرا تستطيع العبور منه إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة. معقبا وناقدا طروحات دعاة التغريب من حداثيين ولائكيين، لما بخسوا المرأة حقها وقزموا الرسالة الإلهية التي خلقت لأجلها (1). يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “من يخاصم دعاة التغريب والإباحية واللائكية والإلحاد، وظهره مستند إلى ركن الانحطاط في تاريخنا ومنبعه، فإنما يريد العودة بالمرأة المسلمة إلى عصر الحريم والجواري” (2). فقد خبر الأستاذ عبد السلام ياسين وبين أنه لا الطريق القديم ولا الجديد كفيل بتغيير واقع المرأة وإنصافها، لكن لا بد من تغيير جذري يكون على ضوء كتاب الله وسنة نبيه واستحضار عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة.

يقول الأستاذ: “فمن الفقه العميق لما حل بنا من انحطاط أمس البعيد والقريب يبدأ التغيير” (3). وهذا التغيير عند الأستاذ لابد أن يأخذ بأسباب كثيرة ويتبع خطوات معينة. يقول: “صبرا يا أخت الإيمان فنحن مع قضية المرأة ومع التغيير الشامل، لاسبيل إلى إنصاف المرأة وتغيير ما بالأمة إن لم نغير ما بأنفسنا، والخطوة الأولى إلى الشفاء معرفة الداء. وأخت الإيمان معنية بالعملية، أول من يُعَنون (4)، إن الأستاذ يحاول أن يبين للمرأة المسلمة مكمن الداء ومنطلق التغيير، ألا وهو التغيير الداخلي وبناء الذات من جديد، وهذا التغيير هو أول لبنات مشروع المرأة لإعادة بناء كيانها، ومن ثم يمكنها أن تكون فردا فاعلا ومسهما ومشاركا في بناء الأمة.

مفاهيم منهاجية

لا بد من ضبط بعض المفاهيم الأساسية التي يتكلم عنها الأستاذ ياسين، حتى نتمكن من إدراك المعاني بسهولة ويسر.

مفهوم الحافظية

يتميز الأستاذ عبد السلام ياسين بانتقائه للمصطلحات القرآنية ونبذه للمصطلحات الغربية الدخيلة، ومن هذه المصطلحات القرآنية مصطلح الحافظية، قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله [سورة النساء، الآية 34] .ففي هذه الآية الكريمة بين الله أن من صفات المرأة المسلمة: أنها صالحة في نفسها مصلحة لغيرها، عابدة لربها، حافظة لما أوجب الله عليها حفظه، وليس حفظ المرأة لهذه الأشياء مقصورا عليها في حال غيبة زوجها عنها فحسب، بل ذلك يشمل غيبته وحضوره، فذلك واجب أوجبه الله عليها، ومسؤولية كلفها الله بها؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها…” (5)، وفي قوله تعالى: (حافظات للغيب) مدح وثناء للمرأة الصالحة بأنها تراقب الله في حال خلوتها، واختفائها عن نظر المخلوقين إليها، فهي تخشى الله في الغيب والشهادة، لكن أغلب المفسرين كابن كثير وغيره اكتفوا بشرح الآية ظاهريا حيث جاء في تفسيره: “وقوله (فالصالحات) أي: من النساء، (قانتات) قال ابن عباس وغير واحد: يعني مطيعات لأزواجهن، (حافظات للغيب) قال السدي وغيره: أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله” (6).

أما تفسير الطبري فجاء فيه في شرح هذه الآية: “وأما قوله حافظات للغيب، فإنه يعني: حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن، في فروجهن وأموالهم، وللواجب عليهن من حق الله في ذلك وغيره”.

أما الإمام عبد السلام ياسين فقد تناول هذه الكلمة بكثير من العناية والتدقيق في المفهوم، يقول: “أول ما نتبين من وظيفة المرأة في الآية الكريمة أنها حافظة للغيب. كلمتان توحي إحداهما بمفهومها أن هناك ما يضيع إن لم تحفظه، وتوحي الثانية بأن هناك غيبا وحضورا”. كما أشار إلى ضرورة الانتباه إلى كلمة مهمة داخل الآية الكريمة، يقول: “قبل أن ننظر في مجالات غيابه وحضورها نقف عند كلمات قرآنية هي المفتاح والدليل إلى توزيع المهام وتكاملها وشمولها. قال تعالى: حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّه [سورة النساء، الآية: 34] ما حفظ الله؛ ما هنا سواء اعتبرناها موصولية أو مصدرية تؤدينا إلى ق
راءة: بما حفظ الله، أي بحفظ الله، بالذي حفظ الله. أي أن حافظية المرأة هي تحمل ما كلفها به الشرع، وما حفظه الله من آياته العاصمة للشرع: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ  [سورة الحجر، الآية: 9].

حافظيتها إذا لا تقصُر على حفظ حقوق الزوج، بل تشمل كل حقوق الله المكلفة بها الزوج. حافظية الصالحات القانتات في المجتمع المسلم لا تقتصر على شُغل بيوتهن وإرضاء أزواجهن، بل تنطلق أولا من إرضاء الله عز وجل وترجع إليه” (7).

إذن فالحافظية معنى عميق عظيم، خص به الله سبحانه المرأة دون الرجل، لما تحمله من دلالات وصفات؛ أهمها طلب رضا وتقوى الله، ومراقبته في نفسها وفي بيتها وزوجها وأولادها ومجتمعها، تدل عليه بحالها ومقالها.


(1) من مشاركة جهاد الصاخي في مؤتمر “محورية القرآن الكريم في نظرية المنهاج النبوي عند الأستاذ عبد السلام ياسين” المنعقد في إستانبول تركيا في 17 و18 محرم 1434هـالموافق لـ 1 و2 دجنبر/كانون الأول 2012م سنعمل على نشر حلقات البحث تباعا إن شاء الله تعالى.

(2) عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، دار البشير للثقافة والعلوم، مصر، ط 1، ص 34.

(3) تنوير المومنات، م. س، ج 1، ص 30. 

(4) المرجع السابق، ج 1، ص 28.

(5) رواه البخاري (893) واللفظ له، ومسلم (1829).

(6) تفسير القرآن العظيم، عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي، مؤسسة الريان، بيروت، ط 2، 2006 ج 1، ص: 551. 

(7) تنوير المومنات، م. س، ج 2، ص 82.