المرأة والواقع الدعوي

Cover Image for المرأة والواقع الدعوي
نشر بتاريخ

مداخلة الأستاذة دليلة جبالة سعودي، في ندوة “المرأة والدعوة إلى الله بين الواقع والمأمول”، التي نظمتها، عن بعد، الهيئة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان، يوم السبت 26 يونيو 2021.


قبل أن نفصل في الموضوع لابد من الإشارة إلى أن فهم واقع المرأة الدعوي، لن يتأتى إلا برؤية متعددة الزوايا،  وفي إطار منظومة شاملة.

بيد أن تشخيص وضع المرأة الدعوي يطرح العديد من الإشكالات، التي هي في حاجة ملحة إلى إيجاد حلول وبدائل، ليس على المستوى التصوري والنظري بشكل كبير، وإنما على مستوى الملاءمة وتقليص الهوة بين المطلوب والموجود، وبين الرؤية التصورية والتنزيل الفعلي على أرض العمل الدعوي، ومنح المكانة الحقيقية والملائمة للمرأة، ليس فقط من قبل الرجل، وإنما من قبل المرأة أيضا.

وهنا نتساءل هل أدركت المرأة حقيقة أدوارها؟ ووعت بحجم وشساعة مسؤوليتها؟ هل تبوأت مكانتها الحقيقية داخل الحركة الإسلامية؟ أم لازالت تستتر بعباءة الرجل؟ وهل أوجدت برامج تلائم خصوصيتها كأنثى ووظيفتها كامرأة، مشاركة وفاعلة جنبا إلى جنب الرجل؟.. أسئلة عديدة لا يتسع المجال للإجابة عنها، ولكن أحيانا طرح السؤال يكون جزءا من الجواب.

وعلى هذا الأساس حاولت تسطير هذه المداخلة وفق محورين اثنين هما:

   – المحور الأول: رؤية مقتضبة عن واقع المرأة الدعوي.

   – المحور الثاني: واقع المرأة الدعوي بين الترسبات التاريخية والتأثيرات الراهنة.

المحور الأول: رؤية مقتضبة عن واقع المرأة الدعوي

إن الحديث عن واقع المرأة الدعوي يحيلنا مباشرة للنظر في وضعها الدعوي داخل الحركات الإسلامية – وإن كان الوقت لا يسع للتفصيل فيها ولجرد الفوارق الفعلية وللتفاوت الحاصل بينها -؛ فمنها من ينظر إلى وجود المرأة في الحقل الدعوي وجودا تكميليا، تهدف من خلاله إلى تجويد وتحسين صورتها من جهة، وتكثير سوادها وتوسيع قاعدتها من جهة أخرى، وما يعكس ذلك هو وضعيتها التنظيمية التي تنضوي تحت قيادة الرجل. ومنها من حصرت وجودها واقتصرته على القضايا الاجتماعية، وقضايا المرأة والأعمال الخيرية، في حين لا تجد لها صوتا ولا دورا في القضايا السياسية ولا القضايا الكبرى المصيرية للأمة. وهناك من اعتبرت وجود المرأة ضرورة، حاولت إنصافَها بمنحها مكانة في قراراتها التنظيمية، إيمانا بدورها في الحقل الدعوي المكمل لدور الرجل، كما عملت على تجديد الرؤية التقليدية للنص الشرعي، وعمدت إلى البحث في مقاصده ومراميه. ومع ذلك فإن سياسة تنزيل ذلك التصور على أرض الواقع محاطة بالكثير من الأغلال والقيود التي صنعت لقرون؛ سواء الذاتية على مستوى المرأة  أم على مستوى الموروث والذهنيات والعادات. في حين ظلت أخرى حبيسة ظاهر النص الديني وحرفيته، ولازالت تنظر إلى المرأة فتنة، وصوتها عورة.   

فمهما تعددت الرؤى والتصورات لوجود المرأة في الحقل الدعوي، فإن ذلك لم يرق بعد إلى ما كانت عليه المرأة في العهد النبوي، وبالطبع هذا لن يتأتى إلا إذا وضع الأصبع على مكمن الداء، وإلا ستظل الحركات الدعوية منساقة وراء الدواخل والغفلة، ولا تكاد دعوتها تتجاوز القشور، وهو ما تفطن له الأستاذ عبد السلام ياسين وكان السباق لإماطة اللثام عن مكمن الداء، نقف عليه في قوله “لكن ما بالنا نطوي هذه المآسي في كُم النسيان ونسكت عنها ليشتد عويلنا فقط على مآسيها الطارئة: التبرج، والخلاعة، والدعارة، والجرأة على الدين، وزندقة الزنديقات، والتمثل بالأوربيات؟ ما طرأت هذه المآسي إلا لأن تلك القديمة المقيمة لم تجد حلا من صميم الفقه الإسلامي وعملِ الحاكم الإسلامي” [1].

فما هي تلك المآسي القديمة التي أثرت على وضع المرأة؟

المحور الثاني: واقع المرأة الدعوي بين الترسبات التاريخية والتأثيرات الراهنة

شكل الانكسار السياسي أولى الأحداث التاريخية؛ التي انكسرت معه شوكة المسلمين، وأسهم في تعطيل المسار التحرري التي جاءت به التربية النبوية. وانتقلت المرأة على إثره من فاعلة في مجتمعها إلى كم مهمل، مهمشة ومنسية.

فقد غُلق باب الاجتهاد، وكُمّمت أفواه العلماء، وبذلك عُطلت دينامية القراءات التجديدية للنص الشرعي. وانحباس الفقه أوقع المرأة تحت “سد الذرائع”، يُنظر إليها نظرة دونية، حتى أصبحت صفة نفسية لصيقة بذاتها، وحقيقة تعيشها.

كما انتقلت المرأة مع السياسة الاستعمارية إلى مرحلة التغريب والتأثيرات الإيديولوجية، التي أنشأت جيلا من المغربات الذي فقد الثقة في الموروث الشرعي، وتمنَّع عن فهم حقيقة التربية النبوية للمرأة.

في ظل كل تلك المؤثرات تجد دعوة المرأة أمام وابل من الأزمات والتحديات؛ التي هي نتاج فعلي للأزمات الراهنة، سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو التعليمية، ومعه تفاقم الجهل والأمية والبطالة، وجعلت هم المرأة لصيق بهم لقمة العيش في ظل غياب العدل والحرية والكرامة.

 مما سبق، فإن التحدّي الذي يواجهه الواقع الدعوي للمرأة، هو حملها على إعادة بناء ثقتها بربها، وإعادتها صوب أولى قضاياها التي هي قضية مصيرها مع ربها، ولن تعود المرأة إلى ما أرادها الله لها إلا بعودتها للنموذج النبوي، وأن لا حل لقضية المرأة إلا في إطار حل شامل. لكن بلوغ ذلك المرام يحيطه العديد من العقبات وتواجهه الكثير من الواجهات.


[1] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج 1، ط 2018/1، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، ص 49.


هذه فعاليات الندوة كاملة: