ذكرى الإمام

Cover Image for ذكرى الإمام
نشر بتاريخ

بَديعُ زمانِه في الأقوامِ والنِّحَلِ

يَتيمُ شمائِلهِ في القَولِ والعمَلِ

تَيَتّمَ كُلُّ جميلٍ بَعدَ مَوْتَتِهِ

وَإِنْ بَقِيَتْ نَفَحاتٌ مِنْهُ لَمْ تَزَلِ

وأفئدةٌ غَرَفَتْ من فَيْضِ حِكْمَتِهِ

ومَنْ سَبَقَتْ لَه ُمِن حُسنى مِنَ الأَزَلِ

كَأَنّه فُرصةُ دَهرٍ لا تَعُودُ لهُ

وسانِحُ مَكْرُمَةٍ فاتتْ لِذي عَذَلِ

وعارِضُ مَرْحَمةٍ لاحَت لِأُمّتِهِ

وقد حُرِمَتْ حُقُباً مِن مُزْنَةِ الأَمَلِ

يَفِرُّ منَ المَدْحِ فَرّاً وهْوَ يَلْحَقُهُ

كمَنْ يَلِجُ البَحْرَ هَل يَنجو مِنَ البَلَل؟

فَمَعْذِرَةً سَلَفاً إِنْ كُنتُ باخِسَهُ

أو اخْتَصَرْتُ كتابَ الفضْلِ في جُمَلِ

إِذا حَمَلَ القلمَ فالحقُّ ما كَتَب

لِنَشْرِ هُدىً أَو تصحيحا لِذي خَلَلِ

وَذي كَلِماتُه تُحْيي القلبَ إِن غَفَل

وتُنْقِذُ عَقلَ شَريدٍ غاصَ في الوَحَلِ

فإنْ قُرِئَتْ فغِذاءُ الروحِ تَطْعَمُهُ

وإن سُمِعَتْ فَشَرابٌ أحْلى مِنْ عَسَل

يسوقُ نفائسَ أولي الهَدْيِ والحِكَم

فيَبْرَأُ سامِعُه مما فيه من عِلَل

يَلينُ بِمُعترضٍ حتّى يُوافِقَه

كمُحتضِنٍ ولدا يغْذوهُ بالحِيَل

دُعاؤه فاتحةٌ بَشِّرْ مُؤَمِّنَه

بفَتحِ مَغالِقِهِ وإنْ سُدّتْ بالقُفُل

يُجيب على طَلَبات السّائلينَ له

ويُقْبِلُ مُبتَسِماً والقلبُ في وَجَل

يَحُضُّ على عَملٍ حتى يُقَرِّرَه

يَرومُ بِتَذْكِرَةٍ إيقاظَ ذي كَسَل

يُهيبُ بحِفْظِ كتابِ اللهِ ما فَتِئَ

يُعيدُه تَذْكِرَةً أُخرى بلا مَلَل

تَراه يُعارِضُه المرّاتِ يَخْتِمُه

وخَتْمةُ لَيْلِه ميعادٌ لِمُهْتَبِلِ

وقد حَفِظَ الأحْرُفَ وادَّبَّرَالكَلِمَ

وقامَ بِأَمْرِه إِقْداماً بِلا رَهَلِ

يَهُزُّ يداً مع أَيْدٍ كُلُّها أَمَلٌ

بِهِمَّةِ مَن وصلوا يَعْدو ذَوُو شَلَل 

لقد صَحِبَ كابِراً من خِيرَةِ النُّجُب

وقد كان نجيباً حَصيفَ الرّأْيِ مِن قُبُلِ

وسارَ على أَثَرِ الأَخْيارِ يَنْقُحُه

يُجَدِّدُ ما انْدَرَس لَم يَبْغِ مِن حِوَلِ

وكان طَليعةَ جَيْلٍ بنى مَغرِبَنا

وأَسَّ مناهجَ تعليمٍ على المُثُل

يَطيرُ إلى الخُبَراءِ يبتغي حِكَماً

فيوصِلُ للوَطَن منها ما لم يَصِلِ

يَبُزُّ أَكابِرَ القَومِ في مَكانَتِهِم

ولا يَجِدونَه إِلّا قِمّةَ الجَبَل

أَناقَةُ مَلبَسِه ولُطفُ صَرامَتِه

وصادقُ لَهْجَتِه مِيزاتُ مُكْتَمِل

دعا مَلِكاً حَذِراً في عِزِّ سَطْوَتِه

وقد رَضَخَتْ له أجْنادٌ منَ الوَهَل

دعا لِهُدىً أَمَلاً في نَيْلِ تَوْبَتِه

فكانَ جزاؤُه تَوّاً تُهْمَةَ الهَبَل

فنال بِذاكَ عُلىً زَكّى مَسيرَتَه

وحاز بِذا شَبَهاً من أكرمِ الرُّسُل

فواجَهَ جائِرَ حُكْمٍ لا أساسَ له

وزار عَرينَ أُسودٍ زَوْرَةَ البَطَل

وعادَ بُعَيْدَ بَلاءٍ يُمْضي دَعْوَتَه

على مَرَضٍ ومُضِيُّ العُمْرِ لم يَحُلِ

يَحُضُّ على طَلَبِ وجهِ الإِلاهِ مع

لُزومِ مَجالِسِ ذكرٍ غيرَ مُعتزَلِ

وطِلْبَةِ عَدْلٍ حَوَتْ أَوْصالَها الكُتُبُ

وقد غَمَرَتْها بالحَياةِ قَوْمَةُ الرَّجُل

أَتَيْتُهُ يَوماُ وقد ضاقَتْ بِيَ السُّبُلُ

على خَطَواتِ طَريدٍ جاء في عَجَل

تَرَكْتُ بِمَدْرسَةٍ ما كُنتُ آمُلُهُ

شَهادةَ هَندسَةٍ تاجاً عَلى كَلَل

فَرُحْتُ أُسِرُّهُ هل مِن وًصْفَةٍ يَجِدُ

لِمُحْتَضِرٍ قابَ قَوْسَيْنِ مِنَ الأَجَل

فَرَبَّتَ بِاليَدِ إشْفاقاً على شَعَري

فأَطْفَأَ بَرْدُها نِيراناً بِمُشْتَعِل

وَرَدّدَ سِرّاً دُعاءً قد نَشِطْتُ له

كأَنّه فكَّ أسيراً شُدَّ بِالعُقُل

فَعُدْتُ مُعافىً كَأنّي ما شَكَوْتُ أَذىً

وما مَلَأَتْ بَدَني أَنّاتُ مُحْتَمِل

رَجَعْتُ أُوَفّي نَهاري العِلْمَ مُمْتَثِلاً

لِنُصْحِهِ واللّيْلُ عِندي مَعْقِدُ الأَمَل

وَخُضْتُ سبيلَ إِلاهي ما تَيَسَّرَ لي

وهَل لكَ غيرِ سبيلِ اللهِ مِن سُبُل

فَأَدِّ إلاهي عنّا شُكْرَ مُرْشِدِنا

فلو جَمَعَتْ كَلِماتي الشُّكْرَ لم تَصِلِ

وأَعْلِ مَكانَتَه في الصَّفْوَةِ النُّجُبِ

وزُفَّ جَماعَتَه في أَفْضَلِ النُّزُلِ