قدر الزلزال.. أية دروس؟

Cover Image for قدر الزلزال.. أية دروس؟
نشر بتاريخ

وقعت الواقعة، وهي صغرى، بمراكش ونواحيه، وزلزلت الأرض زلزالا شعر به الناس على مسافة خمسمائة كلم، ومُلئ الناس رعبا وفروا فرارا إلى الشوارع والفلوات، وقضى الله أمرا كان مفعولا.

رأى الناس رأي العين آيات الله العظيمة وقهره الجبار وألطافه الظاهرة والخفية، سبحانه، قال جل شأنه: وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) (الأنعام).

في قدر الزلزال دروس وعبر كثيرة لكل ذي لبّ، نختار منها أربعة دروس أساسية:

الدرس الأول: الصبر على البلاء والرضى بالقضاء

وهي حالة إيمانية ثمرة تربية سابقة طويلة الأمد. وهذه خصلة إيمانية من أغلى مخزونات المرجعية الإيمانية، ومكنونات التربية الإسلامية التي ترضعها أجيال الأمة المغربية المسلمة منذ نعومة أظافرهم، ومن الأخلاق الإسلامية الرفيعة التي يتشربها المجتمع بكافة مستوياتهم المعرفية والاجتماعية.

التربية على الصبر بمعناه الإيجابي يعنى تلقي الصدمة المقدرة بإرادة الثبات وامتصاص الاضطراب، ليتحول الرضى إلى سلوك إيجابي في تثبيت إيمان الناس على كلمة الإخلاص وعقيدة التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله”.

وهنا نشدّ على أيادي ساكنة المناطق المنكوبة الذين ما فتئوا يذكّر بعضهم بعضا، أثناء بذل الوسع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، يذكرون بالثبات على الإيمان إن قضى الله الأجل، وحان وقت الانتقال للدار الآخرة.

الحفاظ على هذا المستوى من توازن الشخصية المؤمنة عند المصائب ونزول القضاء، كنز ثمين لا يمكن اجتثاثه من شخصية المغربي المسلم المعتز بدينه المتشبث به في أحلك الظروف، بل لابد من تعميقه في الأجيال المسلمة، والذود عن كل ما من شأنه أن يحافظ على هذه السِّمة، على كافة المستويات التربوية والتعليمية الإعلامية والفنية وغيرها.

الدرس الثاني: المسارعة إلى إغاثة الملهوف، والتفريج عن المنكوب

فهي عبادة الوقت وحسنة الساعة، تعظم الأعمال وتصير قربة لله تعالى إن كان لها أثر راهني في حياة الناس، بحيث يحل مشكلاتهم الآنية بالاستجابة الفورية والتلقائية لحاجياتهم. وهذه، لعمري خصيصة راسخة في الشعب المغربي رسوخا دينيا إسلاميا متينا.

بالوسيلة الضعيفة المغلوبة، والآلية الذاتية التقليدية هبّ أهل الدواوير ممّن نجوا من الموت المحقق، لينقذوا ما يمكن إنقاذه، وإسعاف المنكوبين والجرحى واستفراغ الوسع في بث نداءات الاستغاثة وتنبيهات الناس أن هلمّوا للإنقاذ، وبالفعل لم يخب الظن في الشعب المغربي المسلم الذي لم ينتظر تعليمات ليفعل ما ينبغي فعله، عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: “مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبةً منْ كُرب الدُّنْيا نفَّس اللَّه عنْه كُرْبةً منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، ومَنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْهِ في الدُّنْيَا والآخِرةِ، ومَنْ سَتَر مُسْلِمًا سَترهُ اللَّه فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ، ومَنْ سَلَكَ طَريقًا يلْتَمسُ فيهِ عِلْمًا سهَّل اللَّه لهُ به طَريقًا إِلَى الجنَّة. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بيْتٍ منْ بُيُوتِ اللَّه تعالَى، يتْلُون كِتَابَ اللَّه، ويَتَدارسُونهُ بيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينةُ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمةُ، وحفَّتْهُمُ الملائكَةُ، وذكَرهُمُ اللَّه فيمَنْ عِندَهُ. ومَنْ بَطَّأَ بِهِ عَملُهُ لَمْ يُسرعْ به نَسَبُهُ” (رواه مسلم).

الدرس الثالث: فرصة سانحة للصلح مع الله والرجوع إليه سبحانه وتعالى

فما من ذي فطرة سليمة إلّا ويذكر الله تعالى في مثل هذه الكوارث والمصائب، ما ينبغي لذي مسكة من عقل، أو ذي ذرة من إيمان أن يشمت بالناس، ويلقي اللوم عليهم، “إنما بعثنا مبشرين لا منفرين، ميسرين لا معسرين”، كل مناسبة يمكن أن ترد العباد إلى رب العباد، وترجع بالناس إلى الصلح مع الله هي باب خير وفضل وهداية ينبغي أن نلجه بكل ما أوتينا، فبعد المسارعة إلى مساعدة الناس عمليا وفي الميدان، لا نغفل عن الكلمة الرحيمة المطمْئنة الموجهة للمنكوبين وغيرهم أن الرجوع إلى الله تعالى وعقد الصلح معه نداء دائم من المولى الكريم للعباد: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) (الزمر).

الدرس الرابع: أخذ الحذر والاستفادة من الحدث

ما من حدث يحدث في الكون إلا والإنسان مأمور أمرا ربانيا أن يستوعب دروسه وأن يستفيد لما قد يتجدد من مثيلاته في المستقبل.

ونحن – المسلمين – مقصودون بذلك قصدا أكيدا نابعا من مسؤولية أمانة الاستخلاف الملقاة على الإنسان بعمارة الأرض، استفادة من التجربة البشرية في التعامل مع الكوارث الطبيعية، من حيث البُنى التحتية والـبحوث العلمية التطبيقية، لتيسير المواصلات الآمنة والدائمة، والتجهيزات الكافية في مثل هذه المدلهمات. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله”.

هنا تصرف ميزانيات البحث العلمي، وتعبأ الجهود للإبداع والابتكار، وتوضع الهندسات البيداغوجية للمؤسسات المعنية.

اللهم ارحم الشهداء، وأغث المنكوبين.

اللهم افتح قلوب العباد للصلح معك والرجوع إليك سبحانك.

اللهم أنزل الطمأنينة في القلوب.