لا تسأل الدار عمّن كان يسكُنها؟!

Cover Image for لا تسأل الدار عمّن كان يسكُنها؟!
نشر بتاريخ

لا تسأل الدار عمّن كان يسكُنها .. الباب يخبر أن القوم قد ظلموا

تحل علينا الذكرى الخامسة لإغلاق وتشميع دار الحاج إدريس الشعاري الكائنة بأسيل زنقة عمرو بن سلامة رقم 380 مراكش، حيث بتاريخ 12/06/2019 فوجئ أصحاب الدار ودون سابق إشعار بعسكرتها وإغلاقها بعد اقتحامها والعبث بكل محتوياتها في مشهد درامي غريب من نوعه.

تحل علينا هذه الذكرى وهذه الدار شاهدة بملامحها المادية والمعنوية على شهامة أصحابها ومروءة زوارها من إخوانهم وأصدقائهم، لم تنل الأيادي الظالمة التي تجرأت على إغلاقها وتشميع أبوابها من كرامتها وحرمتها قيد أنملة.

تحل علينا هذه الذكرى وهذه الدار تنطق في صمت رهيب أن ما وقع لها كان حدثا خطيرا ومسا سافرا بحقوق الإنسان وخرقا واضحا للأعراف، والمواثيق الدولية، والمقتضيات الدستورية.

فحق الملكية حق مقدس لايمكن الحد منه إلا في إطار القانون وبحكم قضائي، والحق في السكن وحرمة المسكن لا تقل حرمة وقداسة، فلا يجوز مصادرتهما والتشويش عليهما بأي شكل من أشكال ولأي سبب من الأسباب.

فقد جاء في الفصل 35 من الدستور: “يضمن القانون حق الملكية…. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون”.

ونص الفصل 31 منه على القول: ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب السعادة للمواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في السكن اللائق..”

وكرس الدستور في الفصل 24 حرمة المنزل، فقال: “لا تنتهك حرمه المنزل ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون”. وأقر الدستور أيضا في الفصل 29 حرية الاجتماع وحريات التظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي وقال إنها “مضمونة”…

ومن أهم ما جاء في اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي صادق عليها المغرب بتاريخ 3 ماي 1979 المادة 17 “لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني للتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته…”

تحل علينا ذكرى إغلاق دار الحاج الشعاري وتشميعها ولسان حالها يقول إن السلطات التي تحملت وزر إغلاقها قد تجاوزت كل الحدود في خرقها للقانون وشططها في استعمال السلطة، ولك أن تتصور أيها المواطن المهتم بالقانون وتطبيقاته والمهموم بحقوق الإنسان وتمظهراتها درجة خرق القانون وعدم احترام حقوق المواطن وأن جميع التدابير التى اعتمدتها السلطات التي أغلقت دار الحاج إدريس الشعاري اتخذتها في يوم واحد وهو يوم الأربعاء 12/06/2019 وقبل العاشرة صباحا.

فمحضر المعاينة أنجز يوم الأربعاء 12/06/2019على الساعة العاشرة صباحا، والأمر بتبليغ مخالفة في مجال التعمير والبناء صدر يوم 12/06/2019 وأعطى لصاحب الدار مدة 7 أيام لتسوية الوضعية ابتداء من تاريخ 12/06/2019 على الساعة10 صباحا.

ودون احترام أجل سبعة أيام الواردة بالإشعار بادرت السلطات إلى تبليغ محضر المعاينة والأمر بإيقاف الأشغال والأمر بإنهاء المخالفة، وأشير فيه أيضا إلى أنه حرر بتاريخ 12/06/2019 وأشير فيه إلى أن مأمور التبليغ خاطب الحاج إدريس الشعاري شخصيا وبلغه مضمون الإجراءات المتخذة.

والغريب في هذا الوصل أنه ورد في آخره أن الحاج إدريس الشعاري لم يكن موجودا بالمنزل.

كما أن المذكرة الإخبارية التي وجهت إلى السيد وكيل الملك هي أيضا مؤرخة في 12/06/2019.

وآخرا وليس أخيرا وبناء على الإجراءات السابقة الصادرة جميعها في يوم واحد وهو12/06/2019 وفي ساعة واحدة وهي العاشرة صباحا أصدر السيد والي جهة مراكش أسفي عامل عمالة مراكش بنفس التاريخ 12/06/2019 قراره الآمر بإغلاق دار الحاج إدريس الشعاري.

فكيف يعقل قانونا ومنطقا أن السلطات تزعم أنها بلغت المعني بالأمر محضرا بالمخالفات بتاريخ 12/06/2019 وأنها أعطته أجل 7 أيام تبتدئ من يوم 12/06/2019 لتسوية الوضعية ودون احترام هذا الأجل وفي نفس اليوم تعتبر السلطات أن المعني بالأمر لم يقم بالمطلوب وفي نفس اليوم تصدر قرارا بالإغلاق والتشميع.

ومن أخطر الخروقات التي تجاوزت كل مظاهر خرق القانون وحق الجواب والدفاع؛ أن صاحب الدار الحاج إدريس الشعاري لم يكن بالمنزل يوم 12/06/2019، وهذه حقيقة تشهد بها الوثائق نفسها إذ أشير في إحداها إلى أن الحاج إدريس الشعاري لم يكن موجودا بالمنزل يوم 12/06/2019 وبالتالي فهو لم يبلغ ولو بتدبير واحد من تلك التدابير التي اتخذتها السلطات ذريعة لإغلاق الدار وتشميع أبوابها.

ومن أخطر الخروقات أيضا أن المسؤولين في السلطة الإدارية قد أنجزوا تلك الإجراءات وتلك الوثائق ورفضوا بسوء نية تبليغها لصاحب الدار ليدلوا بها لاحقا أمام المحكمة.

فكيف يعقل أن السلطات تقر أنها لم تجد المعني بالأمر بالمنزل وتزعم أنها أبلغته بالإجراءات المتخذة في حق داره وتبني على ذلك إجراءات أخرى لتنتهي بقرار إغلاق الدار.

هذا فيض من غيض عديد من الاختلالات الشكلية التعسفية التي شابت قرار إغلاق دار الحاج إدريس الشعاري، والتي قد تكون لنا فرصة أخرى لتحليلها والتعليق عليها.

ورجوعا إلى الجانب الموضوعي لقرار الإغلاق نجد أن السلطات الإدارية المحلية عندما اتخذت القرار بإغلاق الدار وتشميع أبوابها لم تجعل لقرارها أساسا سليما من حيث الواقع ولا من حيث القانون، فهو قرار إداري، سلطوي محض لا سند له لا في القانون رقم 1.58.377 بتاريخ 15/11/1958 بشأن التجمعات العمومية، ولا في الظهير رقم 1.84.150 بتاريخ 02/10/1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، ولا في القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير. وهي أهم المقتضيات التي تختبئ وراءها هذه السلطات لإصدار قرارات تعسفية لإغلاق وتشميع بيوت المواطنين الذين يتضايق المخزن من صراحة رأيهم وصلابة موقفهم في مناهضة الظلم ونصرة المظلومين.

فقانون 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية ليس من ضمن مقتضياته أي تدبير يؤدي إلى إغلاق المكان الذي تنظم فيه تلك الاجتماعات وهذا إضافة إلى أن موضوعه كما هو واضح من صراحة مقتضياته هي الإجراءات المتعلقة بالاجتماعات العمومية والمظاهرات بالطرق العمومية والتجمهر، وأما الاجتماعات الخاصة التي تنظم في إطار علاقة أصحاب الدار بمعارفهم وأصدقائهم، والاجتماعات التي تنظم من طرف جمعية قانونية فهي معفاة من أي ترخيص أو تصريح.

أما القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير، فان مقتضياته تنظم مسطرة معاينة المخالفة وإحالة المخالف على القضاء. ولا تمنح للسلطات الإدارية أية سلطة أو صلاحية لإغلاق الأماكن المأهولة.

وأما عن الظهير رقم 1.84.150 بتاريخ 02/10/1984 المنظم للأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، فلا يخفى على أحد أن الدور العريقة ذات الأصالة المتجذرة للعلماء والربانيين الصالحين، لا يمكن أن لا تتوفر على قاعة للصلاة فهي لذلك لا تخضع لمقتضيات هذا القانون الذي يستفاد منه أنها تتعلق ببناء المسجد وأماكن العبادة وليس إقامة الصلاة داخل الدور المبنية منذ زمن طويل.

فهذه المقتضيات القانونية لا تعطي للسلطات الإدارية أية صلاحية قانونية لإصدار قرارات تشميع المساكن وتشميع أبوابها.

إن استدعاء السلطات الإدارية لهذه المقتضيات ومحاولة تطويعها لخدمة أغراض خاصة وحسابات سياسية ضيقة يفسد نظرة المواطنين للقانون ويمس بالأمن القانوني بشكل عام.

إن اعتماد السلطات الإدارية المساطر المباشرة لمعالجة ما تعتبره مخالفات، وإصدارها قرارات سلطوية تعسفية دون اللجوء إلى القضاء طبقا للقانون، يساهم بشكل كبير في هدم ثقة المواطن في السلطة القضائية باعتبارها سلطة دستورية مستقلة وباعتبار القضاء ضامنا للحقوق حاميا للمواطن في مقابل تغول السلطة وجبروتها.

وختاما 

تحل علينا الذكرى بعد الذكرى ودار الحاج الشعاري لنا ذكرى، تحل علينا الذكرى ونحن لا نستطيع أن نخفي حبنا وشوقنا لهذه الدار وأهلها ومريديها، وبهذه المناسبة أستأذن قائل قصيدة لا تسأل الدار عمن كان يسكنها، سأتصرف في بعض كلماتها وفي ترتيب بعض أبياتها:

لا تسأل الدار عمّن كان يسكُنها

الباب يخبر أن القوم قد ظلموا

يا طارق الباب رفقاً حين تطرُقه

فإنه لم يعُد في الدار أصحاب

ارحم يديك فما في الدار من أحد 

لا ترج رداً فأهل الود قد راحوا

ولترحم الدار لا توقظ مواجعها

للدورِ روح.. كما للناس أرواح

لا تسأل الدار عمّن كان يسكُنها

الباب يخبر أن القوم قد ظلموا