ما شأنُكِ مُتَبَذِّلَةً؟!

Cover Image for ما شأنُكِ مُتَبَذِّلَةً؟!
نشر بتاريخ

استغراب واستنكار تضمنا في سؤال طرحه سيدنا سلمان الفارسي على زوجة أخيه سيدنا أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهم جميعا لما لاحظ تبذلها أي عدم اهتمامها بملبسها ومظهرها… فكان أن أجابت بسرعة البديهة: “أخاكَ أبا الدَّرداءِ ليس له حاجةٌ في الدُّنيا” (1).

لله درك يا سيدنا سلمان، لاحظت ما لا يجمل بالزوجة أن تكون عليه في بيتها من تبذل وعدم اهتمام بالملبس وعدم اكتراث بالأناقة… مما ينافي الفطرة السليمة والذوق الرفيع وروح الدين… فاستفسرت واستنكرت على كل من يزعم أن لبس الرث من الثياب وترك الزينة المباحة هو عنوان التقوى ورمز الزهد في الدنيا! مستحضرا قول الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ۚ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ الأعراف/32.

رضي الله عنك وأرضاك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنت من فطنت إلى أن تبذل الزوجة في بيتها هو انحراف يخفي وراءه سببا يجب أن يعالج؛ فلما أعلمت أن أخاك أبا الدرداء لم تعد له حاجة في زوجته لانصرافه للقيام ليلا وللصوم نهارا.. سارعت إلى تقويم هذا السلوك – بلباقة رفيعة وأدب جم ورفق لبيب ونصح رشيد – لعلمك أن تفريط الزوج في حق زوجته، له تأثير مباشر على سلوكها تجاه نفسها وتجاهه مما من شأنه أن يصير الحياة الزوجية جافة مملة لا روح فيها ولا حياة.

عز نظيرك يا سيدنا سلمان، فما أحوجنا إلى نظرك الثاقب، ورؤيتك السديدة المتوازنة للحياة… حين اعتبرت أن سلوك الزوج أو الزوجة إلى الله تعالى طلبا لدرجة الإحسان لا يعني إهمال متطلبات الحياة الزوجية، ولا بخس من لهم علينا حقوقا خصوصا حقوق الأزواج فنصحت أخاك أبا الدرداء وأرشدته قائلا: “إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ”، فلما بلغ نصحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أقره وصدق قولك وأمضاه سنة تقريرية يهتدي بها كل المسلمين.

يتبين، من خلال استفسار سيدنا سلمان زوجة أخيه أبي الدرداء رضي الله تعالى عن الجميع عن سبب تبذلها واستنكاره لمظهرها الرث وحرصه على إصلاح الانحراف، أن الزوجات من الصحابيات كن يولين ملبسهن ومظهرهن العناية اللازمة، على عكس ما هو شائع بيننا، مما يؤصل لاهتمام الزوجة بزينتها داخل بيتها، ويرقى به إلى درجة الواجب الذي لا يصلح أن يُخَل به، وأن تبذّل الزوجات كانت تعتبر حالة نشاز في المجتمع النبوي المشبع بروح القرآن وجوهر الدين تستدعي التدخل لتقويمها حتى لا تستفحل آثارها السلبية على الزوجين وعلى أبنائهما ومن ثم على المجتمع.

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “دخلت عليَّ خويلة بنت حكيم بن أمية وكانت عند عثمان بن مظعون – أي زوجته – فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذاذة هيئتها – عدم اهتمامها بهيئتها ومظهرها – فقال لي: يا عائشة، ما أبذ هيئة خويلة! قالت: فقلت: يا رسول الله، امرأةٌ لها زوجٌ يصوم النهار ويقوم الليل، فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها، قالت: فبعث رسول الله صلى الله وسلم إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال: يا عثمان، أرغبت عن سنتي؟ قالت: فقال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب، قال: فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليكَ حقَّاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، فصم وأفطر، وصل ونم…” الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام أبو داود في سننه، وغيرهما، وله شواهد منها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وزاد في آخره قال: “فأتتهم المرأة بعد ذلك كأنها عروس – في اهتمامها بمظهرها وهيئتها في حدود الشرع بالتأكيد – فتعجبت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من هيئتها الجديدة فقالت لها: مه! – أي ما الخبر؟ – قالت: أصابنا ما أصاب الناس” أي: عاد زوجها يهتم بها ويقوم بواجبه تجاهها، والحديث بهذا اللفظ رواه ابن حبان، كما روى البخاري أيضاً حديثا بهذا المعنى…

يتضح مما سبق أيها الزوج المؤمن، أن هندام زوجتك ومظهرها في بيتها يعكس مدى اهتمامك بشأنها وتفقدك لأحوالها الخاصة، فلا تكاد تجرؤ على بخسك حقك بالسرور عند نظرتك إليها لأنها تعلم أن زوجها لن يرضى بإهمال مظهرها أمامه تحت عنوان أي مبرر، كما لا تقبل بالتقصير في قيامها بوظيفة “الإحصان والعفاف” التي يجب أن تتحقق وتحصل بفضل الميثاق الغليظ… فتكون أحرص على أناقتها وزينتها في بيتها فتحصن بذلك – أيها الزوج – نظرك وتسعد برؤيتك إليها وتقر عينك بها وتحمد الله على ما حباك به من نعمه.

وأنت أيتها الزوجة الودود اللبيبة، عليك الاعتقاد أن من تمام حسن تبعلك لزوجك الاهتمام بحسن مظهرك أمامه والاعتناء بملبسك وأناقتك في بيتك، فيكون فعلك ذاك طريقا تسلكين منه إلى الله تعالى طلبا لرضاه عنك برضا زوجك عن فعلك، فلا تدخرين جهدا في اختيار نوع وشكل اللباس الذي تطيب نفس زوجك به، بل تستشيرينه في ذلك حتى يُسر برؤيتك وأنت ترتدينه، فتنعمين برضا زوجك عنك وثواب ربك تعالى بسعادة الدارين.

جعلنا الله تعالى ممن يسعدون بفضل ربهم في الدنيا ويفوزون برضاه ونعيمه في الأخرى وهم يتنعمون وأزواجهم في جنات الخلد على سرر متقابلين حيث لا نصب ولا صخب.


(1) آخَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بينَ سَلمانَ وأبي الدَّرداءِ، فزارَ سَلمانُ أبا الدَّرداءِ، فرأى أُمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً، فقال: ما شأنُكِ مُتَبَذِّلَةً؟! قالتْ: إنَّ أخاكَ أبا الدَّرداءِ ليس له حاجةٌ في الدُّنيا، قال: فلمَّا جاءَ أبو الدَّرداءِ، قرَّبَ إليه طعامًا، فقال: كُلْ، فإنِّي صائمٌ، قال: ما أنا بآكِلٍ حتَّى تأكُلْ، قال: فأكَلَ، فلمَّا كان اللَّيلُ، ذهَبَ أبو الدَّرداءِ ليقومَ، فقال له سَلمانُ: نَمْ؛ فنامَ، ثمَّ ذهَبَ يقومُ، فقال له: نَمْ؛ فنامَ، فلمَّا كان عِندَ الصُّبحِ، قال له سَلمانُ: قُمِ الآنَ، فقامَا فصلَّيَا، فقال: إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فأَتَيَا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذكَرَا ذلكَ، فقال له: صَدَقَ سَلمانُ. (صحيح الترمذي، 2413).