مرني بما أحببت ولا أعصي لك أمرا..

Cover Image for مرني بما أحببت ولا أعصي لك أمرا..
نشر بتاريخ

الصحابة الذين عاينوا أنواره وسعدوا بالفوز بالصحبة المباركة لسيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.. تربية حكيمة ويد حانية انتشلتهم من غياهب الكفر والضلال لترفعهم إلى فضاءات الإيمان والرشد. أترك أحدهم يحكي أروع القصص ويحيك أجود الأحاديث… كما تُرك للتاريخ فخر تسطير قصته على صفحات نيرة ناصعة، عسانا نتلقف الأثر ونقتفي الطريق في أدب المحبة.

طلحة بن البراء؛ غلام قذف الله في قلبه نور الإيمان برسوله، فانطلق مسرعا لرؤية طلعته البهية، وأنفاسه يكاد يحبسها طول انتظار توافد الصحابة على المسجد بين يدي رسول الله، دون أن تخر عزيمته عن تحقيق رجائه في النظرة لأجلِّ الخلق وأجملهم.

ما إن تفرق الصحابة حتى جاء إلى رسول الله يلتصق به ويقبل قدميه، وببراءة حديث عهد بالإيمان قال: “يا رسول الله مرني بما أحببت ولا أعصي لك أمرا”.

وينظر الرسول الكريم إلى هذا الغلام، ويربت كتفه قائلا: “وإن أمرتك بقطيعة والديك؟” فيرد طلحة: “لا”.. كيف وهو البار بوالديه، وله أم يحبها أعمق الحب. فيكرر عليه الرسول العبارة السابقة، ويكرر طلحة الرد نفسه، لكنه وفي المرة الثالثة قال: “نعم”، حينها ابتسم رسول الله في وجهه وقال له: “يا طلحة، إنه ليس في ديننا قطيعة رحم، ولكن أحببت ألا يكون في دينك ريبة”.

أراد الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام أن يحقق في طلحة شرائط الإيمان؛ “لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما”.

التربية على القناعات والمبادئ، وتحريرها من كل الشوائب، قدمها صلى الله عليه وسلم في أبهى صورة، لينطلق بعدها طلحة يشق طريق المحبة، ويتفانى في تقديم الطاعة للمحبوب.. لم يتخلف عن الصلاة وراء رسول الله، مطمحه الاستشهاد في سبيل الله ونصرة رسالة نبيه وهو الصبي الصغير.

مرض الفتى ودنا أجله، وفي آخر اللحظات والروح مفارقة دنيا ما جملها إلا وجود رسول الله، والجسد يحن للمسة من يده الشريفة ليسكن وتسكن معه الأنفاس، آثر طلحة سلامة نبيه وخوفه أن يصيبه أذى إن أتى للوداع الأخير، فقال لهم: إذا مت الساعة فلا ترسلوا إلى النبي.. لأني أخاف عليه من اليهود.. كما أخاف أن تلسعه دابة.. أو يصيبه شيء.. ولكن أقرئوه مني السلام وقولوا له: فليستغفر لي، ثم أخذ يردد الشهادتين، وهو يلفظ أنفاسه في سكينة وهدوء.

أسلم الروح لمولاه لكن ما ماتت ذكراه الشجية في قلوب كبار الصحابة الذين تعلموا أن المحبة وفاء وفداء، ليصل بعدها الخبر لرسول الله فوقف على قبره العظيم ورفع كفيه الشريفتين بدعاء غبطه عليه كل الصحابة: “اللهم الق طلحة تضحك إليه ويضحك إليك”؛ هدية من رسول كريم استقبلها طلحة فرحا مستبشرا بين يدي مولاه.

نتساءل إذن: هل طلحة وأقرانه نماذج نقرؤها بزهو، لنبكي على الأطلال ونترحم على الصحب الأطهار؟!

بل إن خيرية أمة رسول الله باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بما دعت إلى الله وبما استقامت على الطريقة واتبعت هدي المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم.

https://www.facebook.com/amal.loukili.50/videos/2448733515227302/