ملف باعسو: خروقات بالجملة كشفتها هيئة الدفاع تُبرز الطابع السياسي للمحاكمة

Cover Image for ملف باعسو: خروقات بالجملة كشفتها هيئة الدفاع تُبرز الطابع السياسي للمحاكمة
نشر بتاريخ

دخل ملف المحاكمة الصورية التي يتعرض لها القيادي في جماعة العدل والإحسان الدكتور محمد أعراب باعسو مراحله الأخيرة، ومع توالي الجلسات والمناقشات يبرز أكثر فأكثر الطابع الانتقامي للمتابعة والخلفية السياسية التي حرّكت السلطة منذ الاعتقال وفبركة الاتهام.

في هذا السياق، تقدّم بوابة العدل والإحسان أهم الدفوع الشكلية التي عرضتها هيئة دفاع باعسو أمام أنظار هيئة الحكم، وأبرز الخروقات المسطرية، وبالتبع التعسفات الحقوقية، التي طالت الملف، والتي تؤدّي رأسا -لو أننا في بلد ديمقراطيٍّ القضاءُ فيها نزيه وغير مقيّد بالخضوع للسلطة السياسية وأهوائها- إلى وقف المتابعة وبراءة الرجل وجبر ضرر اعتقاله الظالم لسبعة أشهر ومحاولة تشويه سمعته وعائلته وجماعته.

وكما هو معلوم فإن الدكتور محمد باعسو يتابع بتهمة/جناية “الاتجار في البشر”، وهي التهمة التي عوّضت تهمة “الخيانة الزوجية” التي دُبّجت لحظة الاعتقال وبدا أنها ورقة محروقة حين رفضت الزوجة التنازل. ليتم استعجال حياكة الملف الجديد (الاتجار بالبشر) ما جعل الإجراءات المسطرية التي بوشرت في الملف، يشوبها كم هائل من الإخلالات الشكلية التي توجب بطلان المتابعة من الأساس.

بطلان المحضر بسبب استخلاص الدليل بكيفية غير مشروعة

من الخروقات المسطرية الأولى التي شابت الملف، عدم إشعار الدكتور باعسو عند اعتقاله بحقوقه الدستورية وأهمها “حق الصمت”، فبالرجوع إلى محضر الانتقال والمعاينة والإيقاف والتفتيش والحجز وإشعار ممثل النيابة العامة، يتبين أنه “تم الاستماع إلى المشتبه فيه السيد محمد أعراب باعسو، ثم بعد ذلك تمّ إشعاره بحقوق الدستورية ومن بينها حق الصمت”، أي أن الضابطة حرصت على “استخلاص الدليل بكيفية غير مشروعة من خلال تعمد عدم إشعار المشتبه بحقوقه المذكورة آنفا قبل استجوابه”، وهذا ما يعرض المحضر “للبطلان لمخالفته للنموذج المقرر قانونا”.

ودلّلت هيئة الدفاع على صحّة ما ذهبت إليه ما نص عليه الفصل 23 1 من الدستور والمادة 66 2 من قانون المسطرة الجنائية، كما أبرزت أن هذا هو دأب العديد من محاكم المملكة كما هو الشأن في حكم المحكمة الابتدائية بأربعاء الغرب الصادر بتاريخ 15/02/2012 في الملف التلبسي عدد 43/2012، وحكم المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء بتاريخ 09 فبراير 2012 في الملف الجنحي عدد 600/101/2012.

فقد أوضحت هيئة الدفاع، بشكل لا لبس فيه، أن الضابطة القضائية أهدر ضمانات تعد من النظام العام لتعلقها بحق الدفاع، الأمر الذي يتعين معه “التصريح ببطلان المحضر”.

إخلالات أخرى تحرم القضاء من الرقابة على سلامة استخلاص الدليل

طلب “بطلان المحضر” سيتعزز أكثر حين نعلم أن هيئة الدفاع وقفت عند خرق آخر شاب محضر الانتقال والمعاينة والإيقاف والتفتيش والحجز وإشعار ممثل النيابة العامة، وهو أن الضابط محرر المحضر ضمّن محضره فقط تاريخ 31 أكتوبر 2022 على الساعة 20 و49 دقيقة وتاريخ فاتح نونبر 2022 على الساعة 00 و15 دقيقة، دون بيان ما إذا كان الأمر يتعلق بساعة إنجاز الإجراء أم بساعة توثيقه في المحضر. ومن تم فإن الضابطة القضائية لم تراع هذا الإجراء من الإجراءات الجوهرية للمسطرة، وحرمت القضاء الزجري من رقابة سلامة استخلاص الدليل في المادة الجنائية، وهو الأمر المنصوص عليه في المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية، التي تشدّد على أن المحضر -وهو “وثيقة مكتوبة”- يجب أن يحررها ضابط الشرطة القضائية ويضمنها ما عاينه، أو ما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصه، ومن ضمنها بيان تاريخ وساعة إنجازه، وإذا كانت ساعة وتاريخ إنجاز الإجراء تخالف ساعة وتاريخ تحرير المحضر، فإن الضابط يشير إلى ذلك في المحضر.

وقد قرر المشرع هذا الإجراء حتى يُمكّن القضاء من بسط رقابته على سلامة ضبط الدليل الجنائي، من خلال الاطلاع على الوسائل التي استعان بها الضابط محرر المحضر في ضبط الإجراء. وهو ما لم يتم بالشكل السليم في حالة باعسو.

ودائما مع المحضر، والعيوب الشكلية التي رصدتها هيئة الدفاع والتي تؤدي إلى بطلانه، إذ بالرجوع إلى محاضر الاستماع يتبين أن الضابطة القضائية لم تراع الإجراء الذي قرّره المشرع في المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية على سبيل الوجوب؛ وهو صياغة الاتهام في شكل أسئلة تطرح على المتّهم، حتى يتمكن من إبداء أوجه دفاعه، ويختار لذلك الوسيلة المثلى. أي ضرورة تضمين الضابطة القضائية الأجوبة التي يفضى بها المشتبه فيه، الأمر الذي يقتضي بداهة بيان الأسئلة في المحضر، حتى يتمكن القضاء الزجري من بسط رقابته على مراعاة مبدأ التقيد بالمشروعية في استخلاص الدليل، إذ الاستدراج في الاستجواب محظور على سلطات التحري والاستدلال، كما بيّنت هيئة الدفاع.

منطق مقلوب.. اعتقال ثم بحث عن الجريمة والدليل!

على خلاف منطق الأشياء، والذي يقرّه النص القانوني في المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية والتي تنص على تراتبية واضحة وملزمة “يعهد إلى الشرطة القضائية تبعا للبيانات المقررة في هذا القسم بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها”، على خلاف ذلك قامت الضابطة القضائية أوّلا باعتقال السيد محمد أعراب باعسو دون التثبت من وقوع الجريمة ثم عمدت بعد ذلك إلى جمع/صناعة الأدلة.

وما يؤكد هذا الخرق، هو التخبط والتردد الذي صاحب هذه المسطرة؛ فكما جاء في محضر الضابطة القضائية نفسها أنها ربطت الاتصال مرارا بزوجة الدكتور باعسو على أساس أن الأمر يتعلق بخيانة زوجية، لكن عند تقديمه أمام النيابة العامة تحول ذلك بقدرة قادر إلى جناية الاتجار بالبشر!!

انعدام حالة التلبّس

أكدت هيئة الدفاع في مذكراتها ودفوعها أمام هيئة المحكمة، وبناء على العديد من التفاصيل والحيثيات، انتفاء حال التلبس بالمفهوم الوارد في المادة 56، وهو ما يسحب الشرعية عن مختلف الإجراء القسرية التي قامت بها الضابطة القضائية في إطار حالة التلبس، الأمر الذي يتعين معه التصريح بإبطال إجراءات البحث التمهيدي برمتها.

ذلك أن المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية تنص على أنه: “تتحقق حالة التلبس بجناية أو جنحة:

أولا: إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها؛                       

ثانياً: إذا كان الفاعل مازال مطاردا بصياح الجمهور على إثر ارتكابها؛

ثالثاً: إذا وجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكاب الفعل حاملا أسلحة أو أشياء يستدل معها أنه شارك في الفعل الاجرامي، أو وجد عليه أثر أو علامات تثبت هذه المشاركة.”

وأوضحت هيئة الدفاع أنه لا يستقيم عقلا ولا منطقا ولا قانونا أن السيد أعراب باعسو ضبط أثناء أو على إثر ارتكابه لجناية الاتجار بالبشر وباقي الجرائم لأسباب ودواعي واضحة، ذكرت منها:

–  جريمة الاتجار بالبشر ليست جريمة فورية وبالتالي لا يتصور قانونا ولا منطقا أن تتحقق في حالة تلبس وبالبساطة التي جاءت في تقرير الضابطة القضائية.

–  الاتصال في بداية الأمر بالسيد وكيل الملك لدى ابتدائية مكناس والاتصال المتكرر بزوجته يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الضابطة القضائية والنيابة العامة كانت بصدد حالة التلبس بجنحة الخيانة الزوجية حسب زعمها، وليس جناية الاتجار بالبشر التي كما ذكرنا سابقا لا يمكن ضبطها في حالة تلبس.

– حتى على فرض أن الضابطة القضائية ضبطت الموقوفين في سيارة متلبسين بجنحة الخيانة الزوجية، فإن السيدة (ا. ز)، التي تحولت إلى مطالبة بالحق المدني فيما بعد، نفت بشكل مطلق في محضر قضائي أمام السيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمكناس جميع الأقوال المنسوبة إليها في محضر الضابطة القضائية.

خرق سرّية التحقيق

من المستقر في التشريعات الجنائية المقارنة أن مسطرة البحث التمهيدي والتحقيق سرية. والغاية المثلى من وراء اعتماد سرية البحث التمهيدي والتحقيق هو حماية قرينة البراءة، والتي تعد من الضمانات الدستورية الأساسية لحماية الحرية الشخصية للمتهم في مواجهة سلطات الدولة، فتحريك الدعوى العمومية في مواجهة شخص ما لا يعني بالجزم أنه مذنب.

مبدأ “سريّة التحقيق” مبدأ نبيل لا غبار عليه، ويقرّه القانون المغربي: الفصل 119 من الدستور نص على أنه: “يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي، مكتسب لقوة الشيء المقضي به.”، والمادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية التي نصت على أن: “كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية. يفسر الشك لفائدة المتهم”، والمادة 15 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت على أنه: “تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق سرية. كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي”. هذا المبدأ تم خرقه في ملف محمد أعراب باعسو بشكل فاضح يكشف الخلفية الانتقامية.

غير أنه وعلى خلاف ما يقرره القانون، قامت جهات البحث والتحري وحتى التحقيق بخرق سرية البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي، ونشرت تفاصيل الملف وتم الحديث عن إلى السيد محمد أعراب باعسو والتعرض لحياته الخاصة في منابر إعلامية، وهو ما يعدّ تعدّيا خطيرا على قرينة البراءة وتهييجا للرأي العام من طرف منابر صحفية بعينها امتهنت ما يسمى بصحافة التشهير، التي احترفت نشر أحكام بالإدانة المسبقة وعرضت تفاصيل في النازلة لا يعرفها إلا ضباط الشرطة القضائية الذين كانوا يسهرون على إجراءات البحث التمهيدي.

اعتقال احتياطي.. بات اعتقالا تحكميا

نص المشرع في الفقرة الأولى من المادة 177 من قانون المسطرة الجنائية على أنه لا يمكن أن يتعدى أمد الاعتقال الاحتياطي شهرين في الجنايات، فيما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه إذا ظهرت عند انصرام هذا الأجل ضرورة استمرار الاعتقال الاحتياطي، جاز لقاضي التحقيق تمديد فترته بمقتضى أمر قضائي معلل تعليلا خاصا يصدره بناء على طلبات النيابة العامة المدعمة أيضا بأسباب.

غير أنه بالرجوع إلى وثائق الملف، يتبين أن قاضي التحقيق اتخذ بتاريخ 28 دجنبر 2022 قرارا بتمديد مدة الاعتقال الاحتياطي لشهرين ابتداء من تاريخ 03 يناير 2023، والحال أن النيابة العامة لم تقدم طلبا في هذا الشأن إلا بتاريخ 29 دجنبر 2022، الأمر الذي يجعل قرار التمديد باطلا لمخالفته للنموذج المقرر قانونا في المادة 177 من قانون المسطرة الجنائية.

 وقد طالبت هيئة الدفاع غير ما مرة بإطلاق سراح الدكتور باعسو ومتابعته في حالة سراح لتوفر الضمانات القانونية لحضوره أمام هيئة المحكمة، إلا أن المحكمة رفضت أزيد من 20 طلب إفراج عنه. مما يجعل اعتقاله يرقى، في نظر هيئة الدفاع وحقوقيين، إلى مستوى “الاعتقال التحكمي وليس الاحتياطي”.

حرمان حق الدفاع يجعل محضر الاستنطاق التفصيلي مشوبا بالبطلان

“محضر الاستنطاق التفصيلي للسيد محمد أعراب باعسو مشوب بالبطلان لخرق مقتضيات المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية، الأمر الذي يتعين معه ترتيب الأثر القانوني على ذلك” هذا ما خصلت إليه هيئة الدفاع أيضا حين ناقشت المحضر ووقفت عند جانب من حقوق الدفاع.

ذلك أن دفاع باعسو طلب من السيد قاضي التحقيق بتاريخ 10 نونبر 2022 تسجيل عدم اطلاعه على تقرير الخبرة الجينية لكونها لم تضم للملف إلا بتاريخ 09 نونبر 2022، غير أن السيد قاضي التحقيق واجه المتهم باعسو بخلاصات الخبرة المذكورة خرقا لحقوق الدفاع. وهو ما يعدّ خرقا لما نص عليه المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية الذي يشترط لكي يتمسك دفاع المتهم بكل إخلال يتعلق بالاستدعاء أو بالاطلاع على ملف القضية، أن يشير محضر الاستنطاق أو المواجهة أو الاستماع إلى ذلك. وحيث إنه لما كان دفاع المتهم محمد أعراب باعسو قد سجل في محضر استنطاقه أنه لم يتمكن من الاطلاع على تقرير الخبرة الجينية، فإنه يحق له الدفع ببطلان محضر الاستنطاق التفصيلي المجرى للمتهم المذكور بتاريخ 10 نونبر 2022 وما تلاه من إجراءات، عملا بمقتضيات المادة 210 من قانون المسطرة الجنائية وكذا الفقرة الأولى من المادة 212 من قانون المسطرة الجنائية التي نصّت على أنه “يترتب كذلك البطلان عن خرق المقتضيات الجوهرية للمسطرة إذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من الأطراف.”

خلاصة القول.. انتقام خارج القانون والعدالة

الغريب أن المحكمة، وهي تنظر إلى كل هذا البيان الناصع الذي قدمته هيئة الدفاع أمام أنظارها، بما يجعل الملف فارغا والمتابعة باطلة، وبما يكشف أن التهمة الحقيقية شيئا آخر غير “الاتجار بالبشر” أو “الخيانة الزوجية”، قابلت كل ذلك بمواصلة المحاكمة ومتابعة الجلسات، ورفضت معظم الطلبات والدفوع (23 طلبا ودفعا) التي قدّمتها هيئة دفاع الدكتور محمد أعراب باعسو، وهو ما بات غير مستغرب في بلد تجري فيه  محاكمة أصحاب الرأي والمعارضين في دهاليز السياسة وسط رعية الفساد والاستبداد لا في ساحة القضاء تحت أعين العدالة والقانون.


[1] ينص الفصل 23 من الدستور المغربي على أنه “يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون”.
[2] تقول المادة “يتعين على ضابط الشرطة القضائية إخبار كل شخص تم القبض عليه أو وضعه تحت الحراسة النظرية فورا وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت”.