نفحات رمضانية (3)

Cover Image for نفحات رمضانية (3)
نشر بتاريخ

اقلب دولة نفسك، ها أنت وقد هبت عليك نسمات اللطائف الربانية الحانية فأيقظتك من سبات غفلتك، وهرعتَ إلى ربك مستغفرا لتطهر وعاء قلبك، فاقلب دولة نفسك وانقلب على هواها، غادر سباحتك مع تيار العادة الجارف، اعلم أن التيار قوي يغالبك، وكلما هممت بالسباحة عكسه عاد ليجرفك، فأمسك بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوسل به إلى من خلق الأكوان لأجله، فهو الحبل الممدود بين الأرض والسماء، وهو حلقة وصلك بالمولى عز وجل، ألم يقل سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (الأحزاب، 56)، انظر كيف ترفعك الصلاة عليه إلى شرف اللقاء بصلاة الله وصلاة ملائكته، تقودك مباشرة وتأخذ بيدك في معراج الروح، هي نبراسك الذي ينير لك ظلمة الطريق، وجسر الأمان لعبورك.

نعم ليس بين العبد وربه واسطة أو حجاب، وما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وسيلة من يسأل الشفاعة عند ربه دنيا وآخرة، وما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كاشفا لكل الحجب ونورا لكل الظلمات. الصلاة على الحبيب شفاء لأمراض القلوب، وجلاء لأحزانها، وقربى إلى الله تعالى. تظن بتعالمك أنه صلى الله عليه وسلم شفيع الأمة في يوم الحساب، وتتكل على انتمائك الطيني دون عملك.

مسكين أنت إن غادرت الدنيا في اعتقادك ولم تدرك حقيقة شفاعته في الدنيا قبل الآخرة، مغبون أنت، كيف يعرفك حينها إن لم تكن ممن يكثر ويداوم على الصلاة عليه، ألم تعرف عن قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي) فقالوا: يا رَسُول اللَّهِ وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أَرِمْت (يعني بَلِيْتَ)؟ قال: (إن اللَّه حرم على الأرض أجساد الأنبياء) (رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد صحيح). وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لله ملائكةً سَيَّاحين في الأرضِ يُبَلِّغوني مِن أُمَّتِي السَّلامَ) (صحيح – رواه النسائي وأحمد والدارمي). وقوله: (ما من أحد يُسَلِّمُ عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أرُدَّ عليه السلام) (إسناده حسن – رواه أبو داود وأحمد)، يرد عليك السلام باسمك فلان، وبإكثارك تزداد به معرفة وصحبة حتى إذا وردت عليه يوم القيامة قال الشفيع صلى الله عليه وسلم: يا رب إن فلانا من أمتي، لقد عرفك لما لازمت الصلاة عليه، وجعلتها لك وردا. عرفت الآن فالزم بابه فهو أقرب الطرق إلى مولاك.

فأي صيغ الصلاة عليه أفضل؟ لا شك أن أفضلها ما تنطق به شفتا قلبك قبل أن يتلقفه لسانك ذكرا، ولا شك أن أفضلها ما يحصل بها يقين القرب الذي يجعل يدك تمسك بيده الشريفة تتضوع من أريج مسك الصحبة يقينا، ولا شك أن كل الصيغ الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فضل، لكن الوارد الظمآن لا يقنع من معينه الصافي فقناعته حرمان، يسأل عن الفضل حتى يحسن الطلب، جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) (رواه أبو داود والنسائي)، قالها صلى الله عليه وسلم بتواضع، وأنت قلها بأدب، فهو سيد الخلق وحبيب الحق سبحانه، “اللهم صل على سيدنا محمد النبي وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى أهل بيته وذريته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد”، تأدب في حضرة أسيادنا الأنبياء، فما بلغ أهل الفضل سادتنا وكبراؤنا ما بلغوا إلا بحسن الأدب. صيغة قال عنها صلى الله عليه وسلم أنها المكيال الأوفى، تثقل في الميزان كما تجمع في سلكها سلسلة النور من أرواح طيبة فترتبط بهم وتنسج بحرير القرب ثوب الصحبة الجامع.

صلاتك على النبي صلى الله عليه وسلم سفينة نجاتك، فلا تبخل على نفسك بمدد أنوارها وأسرارها الذي لم يدركه إلا من داوم ولزم. لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الْبخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلَم يُصَلِّ علَيَّ) (رواهُ الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). بخيل على نفسه، مغبون، وذلك أشد ألوان الحرمان، فالصلاة على الحبيب شيخ من لا شيخ له؛ فهو إمام العارفين ودليل السالكين ونور التائهين، صلى عليه الله في الأولين والآخرين صلاة لا تنقطع ولا تبيد أبد الآبدين.

اللهم عطر أنفاسنا بالصلاة عليه، واجعلنا ممن يلزم صحبته، ولا يفلت من اليد حبله. آمين يا رب العالمين.