ما أجمل وعاءك بعد تطهيره وصقله حتى يظهر صفاء معدنه النفيس، وبعد تنويره حتى تنجلي ظلاماته، حينها فقط يتشرف بالتعمير بذكر الله الذي قال سبحانه: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (البقرة، 152)، ذكر يرفعك إلى شرف ذكره سبحانه لك، وأعظم به من شرف وأعظم به من فلاح.
وقد ربط عز وجل الذكر بالشكر؛ فمن تمام شكر النعم دوام ذكر المنعم، وعدم شكر النعمة كفر بالمنعم، قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله) (1).
يفتل الذكر والشكر في حبل متين يتمسك به من يأمل النجاة من فتن الدنيا وضوضائها التي تشوش على قناة الاتصال بين العبد والمعبود سبحانه، فالزم لا إله إلا الله تنجو من نفسك، فهي تلخص معنى الخضوع والعبودية، وبها تعترف وتقر بالربوبية للواحد الأحد، فتنفي كل مظان الشرك ما ظهر منها وما خفي. ذكر بها قلبك قبل أن يذكرها لسانك، واجعل جوارحك طيعة لها طائعة، أتحسب نفسك موحدا إذ لم تعبد لات ولا عزى ولم تسجد لهبل، وأنت تخاف غير الله، وترجو غيره، وتشك في الرزق، وتعمل لخلودك فلا تشتاق للقائه؟
لا إله إلا الله؛ يقين بأنه سبحانه المعطي المانع، وما منعك إلا ليحسن عطاياه لك، وبأنه سبحانه النافع الضار، وماضرك إلا ابتلاء ليقربك منه وليردك إليه، وأنه سبحانه ضمن رزقك ونزله بقدر بحسب ما يناسبك وما ينفعك.
لا إله إلا الله؛ هي الكلمة الطيبة، أصلها ثابت في الأرض وفرعها في عنان السماء، ترفع من قالها موقنا في معارج الروح ليسلك في مدارج الإحسان إلى المولى عز وجل، يلتقي بالأرواح الطيبة من سائر مخلوقات الله الدائمة الذكر المستأنسة بمعية رب يذكر من ذكره.
جدد ثوب إيمانك الذي يخلق بالغفلة، بـ”لا إله إلا الله”، وامتح من معينها أنوارا تسرج فوانيسك.
هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، (أكثروا من قول لا إله إلا الله)، تبدأ بترسيخها عادة يداوم عليها اللسان، وما يزال رطبا بذكرها حتى تعمر القلب وتصلح مضغته ليصلح الجسد كله، فتنقاد لله جوارحه سمعا وطاعة وإخلاصا للعبودية.
هي باكورة الطب النبوي لمن يبحث عن بلسم جراح القلوب، ولمن يتلمس نور الله ليضيء به أرجاء دنياه ويفتح به طريق آخرته.
اللهم اسقنا من معين أنوار وأسرار لا إله إلا الله ولا تجعلنا من المحرومين.
(1) أخرجه الترمذي (3383)، وابن ماجه (3800)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10667).