نفحات رمضانية (5)

Cover Image for نفحات رمضانية (5)
نشر بتاريخ

أشتاق إلى أريج رياض الجنة وعطرها الفواح، ترتع الروح في نعيمها وتحتضن طيب الأرواح، أشتاق إلى عبير مَن صحبتهم ومحبتهم أنس وفلاح، أشتاق إلى أجنحة الملائكة، سلام الله عليهم، تتبع حلق الذكر ومأدباتها، وتحف المنجمعين في جنانها حبا لله وفيه، المتقربين تزلفا إليه، التالين شوقا كتابه ومناجاة، تتنزل عليهم الرحمة وتغشاهم السكينة، ويرتفع مقامهم فيذكرهم الله تعالى ويباهي بهم ملائكة الملأ الأعلى.

آصحبة الصلاح! أشتاق إلى رشفة من وعاء قلبكم، وأشتاق إلى نظرة في وجوهكم، أشتاق إلى مسك تراب أقدام تحث الخطى إلى الله مسرعة فأتمسك بأطراف ثوبكم، فهواكم هواي، ولهج لسانكم مسعاي، وقصد سبيلكم مبلغ قصدي ومناي.

آصحبة الفلاح! يهزني الحنين إلى الجلوس بين أيديكم، فتلك جنة الدنيا ورصيد وزاد الآخرة، ما أبتر الروح عن أرواحكم! فدعاؤكم سكن القلب، ودعائي لكم دعواي، وما أفلت من أيديكم يدي، فوصالكم حبل نجدتي ومنجاي.

آصحبة الجود! أشتاق إليكم فينطفئ بالوجد لهيب البعد، أعوذ بالله العلي من الفقد، حبكم عبادة والنظر إليكم سعادة، ألم يقل ربي جلت عظمته في الحديث القدسي؛ حقت محبتي للمتحابين في، المتحابون في على منابر من نور.

أيا من تعييك حذلقة عقلك وتفلسف لسانك! اعلم أن صحبة الأولياء ومحبة المؤمنين سلم عروجك إلى محبة الله، وأن السير إليه يحتاج إلى مرشد يدلك على الطريق.

إنه سلوك إلى الله، ومسافات تقطع، ملتفت فيه لا يصل، ووحيد يتعب وقد يحيد، أفتظن أنها طريق معبدة يسيرة؟ قم من انفلاتة فكرك، وتواضع لتتعلم من أرباب القلوب، واعلم أنها عقبات وعقبات، السير فيها وحيدا قد يثبط عزمك، وعين الذئب فيها تترصد من الغنم القاصية الشاردة، الشيطان يشهر فيها كل سلاح، وكلاليبه تجرك إلى الركون، إن لم ينجح بالدخول عليك من معصية، جرب الدخول عليك من إعجاب بطاعة، فكيف تحمي رحلتك؟ وكيف تؤنس وحشة الطريق؟

صحبة الأخيار جنة الدنيا ومفتاح باب رحمة الله ومحبته، صحبة الأبرار تحملك وتحمل عنك، بهم تدرك ما أبطأ به عملك، ألم يبشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المرء مع من يحب؟ اقلب دولة نفسك المتكبرة المتعالمة المتفيقهة، وقبل بشفتي قلبك أقدامهم، اصحب أرباب القلوب يكن لك قلب، أو تظن نفسك حيا وقلبك موات؟ كهف مظلم لا تسرج فيه فوانيس الأنس بالله وصحبة أوليائه ومحبة من يحبه، اصحب، خالل، أحب… من يدلك على مولاك ويعينك على تقواك ويجبرك فيما انكسر، أليس الصاحب ساحبا؟ إما أن يسحبك إلى الخير، أو يسحبك إلى سوء عقباك، فالزم بائع المسك، واترك نافخ الكير…

هي صحبة، هي ولاية لله ولرسوله وللمؤمنين، فاحذر فيها من كل دخن، فمن يمكر إنما يمكر بنفسه، وتخل قبل أن تتحلى، واترك قبل أن تأتي، واهجر قبل أن تلزم، صحبة الصالحين ذخر الآخرة، من يدلك على الله عز وجل، ويرشدك، ومن تتخلق بأخلاقه، وتتنافس معه في سباق الخيرات، أول درجاتك على سلم السلوك، وما تفتأ تتقدم في الدرج حتى تتكشف لك أسرار الصحبة وخيطها الناظم لكل أفعال الخير، الجامع لكل الأرواح الطيبة، الواصل إلى أعتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

آنفس ! إياك أعني فاسمعي يا جارة!

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الصالح الذي يقربنا إليك.